جولة جديدة في المواجهة بين ماي والبرلمان البريطاني حول «بريكست»

شاحنات على متن عبّارة في ميناء دوفر (أ. ف. ب)
شاحنات على متن عبّارة في ميناء دوفر (أ. ف. ب)
TT

جولة جديدة في المواجهة بين ماي والبرلمان البريطاني حول «بريكست»

شاحنات على متن عبّارة في ميناء دوفر (أ. ف. ب)
شاحنات على متن عبّارة في ميناء دوفر (أ. ف. ب)

ينطلق اليوم (الاثنين) فصل جديد من المواجهة بين رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ومجلس العموم بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، إذ يناقش النواب بعد عودتهم من عطلة نهاية السنة، اتفاق انسحاب بلادهم من الاتحاد بينما ترجح التوقعات رفضهم إياه.
وتبدو أمور كثيرة على المحك مع بدء العد التنازلي للّحظة التي تنفصل فيها خامس أكبر قوة اقتصادية في العالم عن شريكها التجاري الرئيسي في 29 مارس (آذار) المقبل.
وتوصلت ماي مع قادة بقية دول الاتحاد الأوروبي الـ27 إلى مسودة اتفاق في نوفمبر (تشرين الثاني) لإبقاء عملية الانسحاب منظمة ومن دون أضرار قدر الإمكان. واستغرق التفاوض على الاتفاق نحو سنتين، لكنه فشل في إرضاء جميع الفرقاء تقريبا في الساحة السياسية البريطانية.
ونجت ماي من تحرك قام به حزبها لسحب الثقة منها، لكنها أجبرت على إرجاء جلسة تصويت كانت مرتقبة في مجلس العموم في ديسمبر (كانون الأول) بعدما أقرت بأن الأكثرية كانت سترفض مسودة الاتفاق.
وعادت ماي خالية الوفاض من قمة لاحقة عقدها الاتحاد الأوروبي في ديسمبر، بعدما كانت تأمل بأن يتعامل التكتل فيها مع بواعث قلق شركائها الآيرلنديين الشماليين في الائتلاف الحكومي.
ولا يزال النواب المؤيدون لـ "بريكست" في حزب المحافظين في حالة ثورة مفتوحة، بينما يميل قادة حزب العمال المعارض إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وذكرت شبكة "بي بي سي" اليوم أنه تم تحديد تاريخ 15 يناير (كانون الثاني) للتصويت على مشروع اتفاق "بريكست" في البرلمان. ورفضت رئاسة الوزراء تأكيد الموعد لكن ماي أكّدت أمس (الأحد) أنه لم يتم تأجيله مجددا.
وتنطلق جلسات مناقشة الاتفاق في مجلس العموم رسميا بعد غد الأربعاء. وحذرت ماي أمس من أن فشل الاتفاق سيزجّ ببريطانيا "في المجهول بحيث لا أعتقد أن أحدا سيكون قادرا على توقع ما سيحدث".
وتلقت رئيسة الوزراء رسالة من 209 نواب دعوها فيها إلى "التوصل إلى آلية تضمن عدم تنفيذ بريكست من دون اتفاق".
ونقلت صحيفة "ديلي تلغراف" اليوم عن وزير الخارجية السابق المؤيد للخروج من الاتحاد بوريس جونسون قوله إن مغادرة التكتل بلا اتفاق ستكون في الواقع الحل "الأقرب إلى ما صوت الناس لصالحه".
وأمضت ماي جزءاً من عطلتها تجري اتصالات مع قادة الاتحاد الأوروبي في مسعى للحصول على تنازلات. لكن بروكسل أوضحت أنها لن تقوم بذلك. ومع ذلك، قالت رئيسة الوزراء لـ"بي بي سي" إنها ستواصل السعي للحصول على "مزيد من التطمينات من الاتحاد الأوروبي" بشأن مسألة الحدود بين مقاطعة آيرلندا الشمالية البريطانة وجمهورية آيرلندا، قبل جلسة تصويت البرلمان.
وسيكون هذا الموضوع محور محادثات وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الذي يتوجّه إلى دبلن غدا (الثلاثاء)، مع كبار المسؤولين الآيرلنديين.
وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن ماس سيلقي كلمة في لقاء سنوي للسلك الدبلوماسي الأيرلندي وسيشارك في جولة رابعة غير رسمية من المحادثات بين آيرلندا ومسؤولين ألمان.
في غضون ذلك، أجريَ اليوم اختبار تجمّعت فيه عشرات الشاحنات في مطار غير مستخدم قبل أن تتوجه عبر طريق سريع إلى ميناء دوفر لتقييم تعامل البنية التحتية مع "بريكست" مفاجئ.
ويتولى ميناء دوفر الواقع في مقاطعة كنت في جنوب شرقيّ إنجلترا، الجزء الأكبر من التجارة بين بريطانيا وأوروبا ويتوقع أن يتعرّض لاختناقات ما لم توضع ترتيبات جمركية بين الجانبين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟