عودة إلى زمن رسائل الحب.. افتراضيا

الكويتية ليلى البلوشي تتتبع علاقة هنري ميللر بأناييس نن

عودة إلى زمن رسائل الحب.. افتراضيا
TT

عودة إلى زمن رسائل الحب.. افتراضيا

عودة إلى زمن رسائل الحب.. افتراضيا

أرادت الكويتية ليلى البلوشي في كتابها «رسائل حب مفترضة» أن تصحبنا معها إلى عالم من الرومانسية والحب بين هنري ميللر الروائي الأميركي والروائية وكاتبة القصص القصيرة أناييس نن عبر رسائل حب مفترضة فجاءت فكرتها سباقة في هذا المجال فقد اعتدنا أن نقرأ رسائل حقيقية بين كتاب وكاتبات عربيا وعالميا ولكننا لم نقرأ سابقا رسائل حب مفترضة.
تمنينا أن نلجأ من خلال كتاب البلوشي إلى زمن «توجد المرأة فيه مرة واحدة في عمر الرجل وكذلك الرجل في عمر المرأة» كما ورد في رسائل غسان الكنفاني لغادة السمان مثلا.
وكنا نود أن نستعيد من خلال هذه الرسائل الزمن الرومانسي.. زمن الرسائل الشعرية المعطرة والمصدقة بالأحمر الأرجواني. زمن التأمل من شرفة الياسمين عند الغروب.. زمن الحب الراقي..
ولكن البلوشي تفاجئنا برسائل حب ليست سوى رسائل سطحية بين متحابين عاديين فكيف يكون الحال إن جاءت هذه الرسائل على لساني كتابين هامين في عالم الأدب أمثال هنري ميللر وأناييس نن.
وهل يعقل أن يعتمد الكاتب الأميركي المشهور الذي «استطاع بمقدرة خاصة ومتميزة أن يجيز التعبير المستحيل، ويفك أسره طوال رحلة كتابته» كما وصفه خليل قنديل، لغة الأصابع والفئران في رسالة حب إلى معشوقته وإن كان كاتبا عُرف بالعبثية.
وهل يمكننا أن نتخيله قائلا: «أصابعي التي كنت تتمرسين في تقبيلها إصبع الخنصر البنصر الوسطى السبابة الإبهام... إن خنصري الذي تفرطين في تدليله وتتغزلين به إنه أشبه ببرج صغير تمرح عليه الفئران... أم الفئران عينها حامت فوقه وأكلت قطعة منه ولكن بقي منه جزؤك المفضل.
إن قارئ هذه الفقرة لا يمكنه أن يشعر بغير سوء الهضم.
ولا تترك لنا البلوشي مجالا للمقارنة بين رسائلها المفترضة ورسائل الحب الحقيقية، بالرغم أن الرسائل المفترضة لا تستند إلى وقائع الحياة، ويمكنها أن تحلق عاليا في عالم الإبداع والخيال الجميل. وعلى سبيل المقارنة، لنبتعد قليلا عن رسائل ميللر وأناييس بن المفترضة، أو، في الحقيقة، رسائل ليلى البلوشي، وننتقل إلى عالم جميل ومختلف كل الاختلاف عن عالم البلوشي، كما في هذه السطور من رسالة جبران لمي، اللذين لم يلتقيا قط، وبمعنى من المعاني أنهما حبيبان مفترضان أيضا:
«نحن اليوم رهن عاصفة ثلجية جليلة مهيبة، وأنت تعلمين يا ماري أنا أحب جميع العواصف وخاصة الثلجية، أحب الثلج، أحب بياضه، وأحب هبوطه، وأحب سكوته العميق. وأحب الثلج في الأودية البعيدة المجهول حتى يتساقط مرفرفا، ثم يتلألأ بنور الشمس، ثم يذوب ويسير أغنيته المنخفضة.
أحب الثلج وأحب النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبي لهما قط سوى شكل من الاستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع. ما ألطف من قال:
يا مي عيدك يوم
وأنت عيد الزمان».
الأمر الآخر، إنا كنا نتوقع أن تذكر كاتبتنا أسماء بعض الكتاب الذين استوحت أقوالهم بشكل مباشر أو غير مباشر ولكنها تجاهلت هذا الأمر في كتابها.
فعلى سبيل المثال تقول الكاتبة: «وأضيفي بثقة: لست مقعدا شاغرا في قطار فإن جئت متأخرا ولم تجدني فلا تلق اللوم سوى على تأخيرك..».
ألا تذكرنا هذه السطور بما كتبته غادة السمان: «لا تعد فحبي ليس مقعدا في حديقة عامة! تمضي عنه متى شئت.. وترجع إليه في أي وقت».
وفي موضع آخر تذكر في كتابها: «والحب أفضل عملية شد وجه».
وهنا يحضرنا قول أحلام مستغانمي في «ليفتينغ النسيان»: «إن كان الحب هو أفضل عملية شد وجه، فإن أفضل كريم ضد التجاعيد هو النسيان».
وكذلك تقول البلوشي: «أحبك... أحبك كنهر لا مصب له». وهنا يطل علينا باولو كويلو بقوله:
«حب لا اسم له أو تفسير، كنهر يعجز عن تفسير جريانه في مسار محدد، وإنما يجري قدما ببساطة... يمكن لي أن أقول بصراحة: أحبك، أحبك، أحبك».
مما لفت انتباهنا أيضا عدم ربط الأفكار ببعضها بشكل منطقي.
ففي الوحدة السابعة تشير الكاتبة إدراك اليابانيين بأهمية الصوت وطريقة إنقاذ النفس من الخطر بالوسيلة اليابانية «وهي أن تطرق صرخة مهولة كي تهز السيف من يد خصمك فيسقط». وتستطرد قائلة: «يا لها من وسيلة للفرار من قدر قد يكلفنا حياتنا.. لا أعرف كيف أتفاعل مع هذا العالم الآثم في غيابك فصوتك يمنحني التقوى». ما هي الفكرة التي أرادت تقدمها البلوشي بالربط بين وسيلة اليابانيين بالدفاع عن النفس بالصراخ وبين التقوى التي يمنحها صوت الحبيب؟ يغيب الترابط الفكري هنا بين هذه السطور فيتيه القارئ في دائرة مفرغة.
لقد استعرضت الكاتبة، من خلال هذه الرسائل الافتراضية، عضلاتها الثقافية فنجد استشهادات كثيرة تقريبا في أغلب صفحات الكتاب مع عدم الإشارة إلى مصادرها في معظم الأحيان.
وتكمن الكارثة بالأخطاء اللغوية المتراكمة حتى الغلاف الأخير الذي يعد واجهة أساسية للكتاب، فكتب البلوشي: «يحبها لأن لها عينان جميلتان كأيقونتان». فكيف لكاتبة أن تخطئ وتجعل اسم أن مرفوعا وترفع الاسم المجرور! ثلاثة أخطاء نحوية متتالية في جملة واحدة!
وتقول أيضا على الغلاف: كي يعتشي! لا وجود لكلمة يعتشي باللغة العربية ربما قصدت الكاتبة كلمة «يعتاش».
وتبدأ فقرة أيضا بقولها: فحسبما احترام الرجل لنفسه... كلمة فحسبما ليست موجودة في قاموس اللغة العربية أيضا فالأصح أن تستخدم كلمة: فحسب.
لو تعمقت البلوشي بشخصيتي الكاتبين وتقمصتهما كما يفترض بشكل شاعري، وإنساني أيضا، لجاءت رسائلها ربما مكثفة بمشاعر أقرب لحقيقة هذين الكاتبين، ولكانت صورها الخيالية أكثر تأثيرا.. وكما قال هنري ميللر نفسه: «الخيال والابتكار هما الخامة الأساسية للحياة».
وربما لو استخدمت شيئا من الرمزية أيضا لأعطت الرسائل معنى أعمق.



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.