رؤية قسرية مبنية على افتراضات نظرية

دراسة مقارنة بين روايات شريف حتاتة وأفلام تاركوفسكي

غلاف «اللغة السينمائية في الأدب»
غلاف «اللغة السينمائية في الأدب»
TT

رؤية قسرية مبنية على افتراضات نظرية

غلاف «اللغة السينمائية في الأدب»
غلاف «اللغة السينمائية في الأدب»

تعكس دراسة الناقدة والباحثة السينمائية أمل الجمل «اللغة السينمائية في الأدب: دراسة مقارنة بين تاركوفسكي وشريف حتاتة» طموحا كبيرا لعمل مقاربة بين جنسين شديدي الاختلاف من الأجناس الفنية، أي الأدب والسينما، وتحديدا، الرواية والفيلم السينمائي.
وتستند الباحثة التي صدر كتابها أخيرا عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، ويضم الرسالة العلمية التي حصلت بموجبها على درجة الدكتوراه من أكاديمية الفنون في القاهرة، كما تقول في مقدمة الكتاب، على فكرة طرحها المخرج السينمائي الروسي أندريه تاركوفسكي، تتلخص في أن الإيقاع - وليس المونتاج - هو العنصر المكون الرئيس للسينما، كما تستند أيضا إلى ما هو منسوب إلى تاركوفسكي، من أن السينما اعتمدت على الأدب في اقتباس أشياء مثل المونتاج وأحجام اللقطات، وهو ما نشك فيه تماما، فمعروف أن اللقطة القريبة التي تعرف بـ«الكلوز أب» (close up) هي ابتكار فني قاصر على السينما، لا نظير له لا في المسرح ولا في الرواية، لكنها ترى أن روايات الكاتب شريف حتاتة، تقترب من لغة التعبير السينمائي، وتحديدا، لغة أفلام تاركوفسكي، وأن هناك ما تطلق عليه «لغة سينمائية مشتركة» بينهما، في حين أنه تصعب كثيرا المقارنة، أو بالأحرى المقاربة، بين وسيط يعتمد على الصورة والحركة و«الإيقاع» الذي ينتج أساسا عن علاقة الصور بعضها ببعض، وبين وسيط آخر يعتمد على التعبير بالكلمات والوصف الأدبي الذي يخلق حقا صورا ذهنية، لكنه يفتقد تماما لذلك الإيقاع الذي يخلقه «المونتاج» في السينما.. وإلا فكيف يمكن الحكم على طريقة الانتقال من حجم ما للقطة إلى حجم آخر، أو سرعة القطع بين لقطة وأخرى في الأدب، والمونتاج أيضا موجود داخل أفلام تاركوفسكي مهما بدا الأمر عكس ذلك!
تعتمد أمل الجمل، كما تذكر، على فكرة أن إحدى سمات السينما، كما يقول تاركوفسكي، هي «النحت في الزمن» أي الاشتغال على الزمن، وبالتالي الإيقاع الزمني، وليس الإيقاع الخارجي، وتقفز لطرح التساؤل التالي: هل يعني هذا أن روايات شريف حتاتة مكتوبة بلغة السينما طالما أن فيها أيضا نحتا في الزمن؟
إنها ترى أن روايات حتاتة تخلق إيقاعا مميزا، وبالتالي، فهي ترتكز على إحدى مقومات السينما الأساسية، وتقول الباحثة إنها تعتمد المنهج السيميولوجي الذي يقوم على رصد وتحليل العلامات والإشارات وعلى التفكيك والتركيب بحثا عن المعنى والدلالة، وهو منهج يتعامل أصلا، مع النصوص المكتوبة؛ أي مع الكلمات، ولكنها تستخدمه هنا لكي تستخرج من الكلمات صورا، من روايات حتاتة، كما تستخرج معاني وإشارات «أدبية» من أفلام تاركوفسكي.
غير أن الباحثة تعود بعد ذلك إلى محاولة تقديم شرح أكثر اتساعا لمفهوم اللغة في السينما والأدب، بل في كل الأعمال الفنية عموما، التي ترى أنها لا تقتصر على اللغة المنطوقة أو الصوتية ولا حتى نظام اللغة، بل هي الطاقة الكامنة للغة؛ أي على ما تسميه «اللغة الدرامية» التي تشمل حسب تعريفها «جميع الأشياء التي تتحرك داخل العمل الفني وتنبض بالحياة أمام عيوننا».
إن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الدراسة يكمن أساسا، في كونها لا تكتفي بفكرة المقارنة بين روايات حتاتة وأفلام تاركوفسكي، بل تطمح إلى تحليل روايات شريف حتاتة «تحليلا سينمائيا» وليس فقط أدبيا؛ أي التعامل معها كما لو كانت مادة مصورة توازي الفيلم من جميع جوانبه، وهذا هو المأزق الحقيقي للدراسة، إنها تعتمد أساسا، على أن أعمال شريف حتاتة عبارة عن «نحت في الزمن» تماما مثل تعريف تاركوفسكي الذي تعده تعريفا جامعا مانعا في حين أنه قابل أيضا لكثير من المناقشة والجدل، وهو بالمناسبة عنوان كتاب شهير صدر قبيل وفاته عام 1986 بالألمانية قبل أن يترجم في العام التالي إلى الإنجليزية، ويضم مجموعة من كتاباته النظرية عن السينما، ترتكز على فكرة أن الزمن في السينما هو الذي يخلق الإيقاع، وأن الإيقاع هو ما يميز الفيلم، رافضا القطع السريع أو الانتقال بين اللقطات، مقللا من شأن المونتاج، لكن المشكلة أن ما تتوصل إليه الباحثة في كتابها من أن روايات حتاتة بدورها تعتمد على النحت في الزمن، يمكن أن ينطبق على أعمال أدبية كثيرة، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن الكتاب الذين يعبرون عن إحساسهم بالزمن في رواياتهم منذ «الأيام» لطه حسين، مثلا، يمكن التعامل معها على أنها أعمال «سينمائية» أو تبدو مكتوبة كسيناريوهات سينمائية، في حين أن روايات نجيب محفوظ، مثلا، التي لا تخضع لهذا المبدأ «النحت في الزمن»، بل تهتم بالجوانب الاجتماعية والنفسية والدرامية في شخصياتها، تبدو أقرب كثيرا إلى «السيناريو السينمائي»، وربما إذا جردنا الكثير منها من مغزاه الاجتماعي والفلسفي لأصبحت أيضا أقرب إلى «الميلودراما» أو «الفيلم البوليسي»!
إن الانتقال في الزمن هو من معالم «الرواية الجديدة» الحداثية التي ظهرت في الستينات، ومن أعلامها في فرنسا الآن روب جرييه، ومرجريت دورا، وهي روايات تأثرت، بل حاولت أيضا محاكاة السينما في تكسيرها للزمن والانتقال بين الأزمنة، وبدا متحققا بشكل نموذجي - على سبيل المثال - في فيلم «العام الماضي في مارينباد» 1961 لآلان رينيه الذي كان يعتمد على سيناريو لروب جرييه نفسه، وهو عمل يختلف تمام الاختلاف عن أفلام تاركوفسكي، سواء في بنيته أو تكوينه أو أسلوبه، فتاركوفسكي لا يعتمد فقط على الانتقال في الزمن، بل أساسا على الإيقاع الذي يمكن أن نشعر به من داخل اللقطة الطويلة التي تصل إلى مشهد كامل.
إن اللقطة - المشهد؛ أي تلك التي تستمر فيها حركة الكاميرا، منتقلة من حجم إلى حجم، ومن شخصية إلى شخصية أو صورة أو تفصيلة ما، مع استخدام شريط الصوت الذي قد يكون تعليقا منطوقا من خارج الصورة، ليس لها مثيل في الأدب له التأثير نفسه، ومن هنا نرى أن الدراسة رغم أهميتها في تعميق فهمنا للعلاقة بين السينما والأدب، قد يشوبها نوع ما، من الرؤية القسرية، التي تضع الكثير من الافتراضات النظرية في البداية، إلا أنها لا تنجح تماما في التدليل عليها كلها.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.