من التاريخ: حروب الثورة الفرنسية

من التاريخ: حروب الثورة الفرنسية
TT

من التاريخ: حروب الثورة الفرنسية

من التاريخ: حروب الثورة الفرنسية

تابعنا على مدار الأسابيع الماضية الثورة الفرنسية وآثارها العميقة على الشعب الفرنسي، وكيف أن كثيرا من الأهداف الأساسية التي نادت بها هذه الثورة لم يتحقق، وكيف تحركت التطورات في فرنسا لمدة عقدين من الزمان بعد الثورة لتعيد البلاد إلى أحضان حكم أسرة «البوربون» بعدما تدخلت الدول الأوروبية للقضاء على القوة العسكرية الفرنسية ومعها المفاهيم الثورية التي بدأت تنتشر في أوروبا كلها، وهو ما يُدخلنا هنا إلى نموذج الثورة الفرنسية ودورها في تغيير الثقافة السياسية الإقليمية في أوروبا، وهو ما كان له أكبر الأثر على تطور السياسة والفكر الأوروبيين.
لقد خرج العالم الفرنسي العظيم للعلاقات الدولية «ريمون آرون» بنظرية هامة في كتابه «السلام والحرب: نظرية في العلاقات الدولية»، وتشير نظريته إلى أن النظم الإقليمية التي تضم الدول التي تتشابه ثقافاتها تكون أكثر ميلا لتصبح نظما متجانسة Homogeneous، أي أن الحروب فيها لا تكون إلا لأسباب تقليدية تتعلق بمحاولة التوسع على حساب الغير أو الانتقام أو رد الاعتبار.. إلخ. ولكنها لا تكون لمحاولة القضاء على دولة لأسباب متعلقة باختلافها فكريا أو ثقافيا أو لاعتناقها رؤى مخالفة، وفي حالة ما إذا تمركزت الاختلافات الثقافية في دولة داخل النظام السياسي الإقليمي فإنه يتحول من نظام غير متجانس Heterogeneous، وهو ما يجعل فرص الحروب تتسع بشكل كبير، وتستشهد هذه النظرية بمجموعة من الحالات التاريخية وعلى رأسها الدولة العثمانية في أوروبا وجنوب أفريقيا العنصرية في القارة الأفريقية، فترى أنه في الحالة الأولى فإن الدولة العثمانية مثلت دولة إسلامية ذات جذور وفكر وشرعية مختلفة تماما عن باقي النظام الأوروبي وهو ما جعل هناك حالة من عدم التجانس الواضح داخل النظام الأوروبي وجعل بقاءها هناك رهينة لدورها الهام في التوازن الاستراتيجي داخل القارة الأوروبية بعدما وهنت هذه الدولة، وبالتالي دارت معها حروب كثيرة وممتدة.
واستنادا إلى هذه النظرية، فإن الجمهورية الأولى ثم الإمبراطورية الفرنسية بعد الثورة مثلت نفس حالة الدولة العثمانية في النظام الأوروبي أو جنوب أفريقيا العنصرية في القارة الأوروبية، فالنظام الأوروبي كان مبنيا على أسس سياسية وعسكرية مقبولة لدى كل الأطراف، فهي نظم ملكية مبنية في أغلبها على مفهوم الحقوق الملكية المطلقة، بل إن مفهوم شرعية الحكم يكاد يكون واحدا، كذلك كانت أغلبية نظم إدارة الدولة وفكرها وقوانينها، بل إن الأسر الحاكمة كانت على اتصال مباشر بعضها ببعض، ويجري التزاوج بينها ليس فقط لأسباب تتعلق بالتحالفات السياسية والعسكرية ولكن لأسباب أخرى تتعلق بوحدة المفاهيم والأهداف للأسر الحاكمة، وهو ما كان يجعل كثيرا من الملوك يوجهون رسائلهم لنظرائهم في الدول الأخرى بعنوان «جلالة الملك وابن العم الكريم» وذلك لكثرة التزاوج بين الأسر الحاكمة والتي تحكم على أسس شرعية موحدة. من ناحية أخرى فإن الجيوش الأوروبية كانت على شاكلة واحدة، فهي لم تكن مبنية على أسس قومية أو وطنية، ولكنها كانت مبنية على مؤسسية مرتبطة بالملك، وهو ما جعل بعض الضباط يتركون الخدمة في جيش دولة لينتقلوا إلى جيوش أخرى، كما أن وجود المرتزقة في هذه الجيوش كان بالأمر الطبيعي وغير المستغرب في ذلك الوقت.
ومع اندلاع الثورة الفرنسية بمراحلها المختلفة، بدأت ملامح التغيير السياسي تؤثر مباشرة، فلقد غيرت الثورة مفهوم الحكم ومعه مفهوم الشرعية، فالفكرة الأساسية بأن الملك يحكم بتفويض إلهي حتى مع بدء ضعفها، كانت أساسا هاما بنيت عليه الشرعية، وكان التوريث هو النظام الأساسي للانتقال السلمي للسلطة السياسية، ولكن الثورة الفرنسية ألغت الملكية بثورة شعبية وقرار من ممثلي الشعب، وقد تزامن مع ذلك أيضا تغيير في أسس الشرعية وهو أن الشعب هو مصدر السلطات وفقا للدستور الجديد الذي أقرته هذه الثورة، كما أن فكرة الطبقية بدأت تهتز بشدة، فالنظام الاجتماعي في فرنسا شابته تغيرات واسعة النطاق، وبدأت حملة التصفية للإقطاع والأرستقراطية أو طبقة النبلاء، كما بدأت الدولة الجديدة تنشر أفكارا غربية مثل مفاهيم الحرية والإخاء والمساواة، فأصبح أفراد الشعب ينادون بعضهم البعض بلفظ «مواطن» وهو ما كان أمرا غريبا لأنه بدأ يضرب في أساس التركيبة الاجتماعية للدولة الفرنسية بما يخالف تماما الأنظمة الأخرى. أما على الصعيد العسكري، فلقد أدخلت فرنسا تغييرا جوهريا في نظام العسكرية، حيث أدخلت ما أطلق عليه الـLevee en Mass، أي الجيش الوطني المبنى على أساس يقارب التجنيد، وهو مفهوم ألغى مفهوم الجيوش القائمة في ذلك الوقت، فأصبح للدولة الآن جيش قوامه الشعب نفسه ولكن هذا لم يمثل عائقا أمام انضمام بعض الجنسيات الأخرى لهذا الجيش اعتناقا لمذاهب فكرية أو فرصة للترقي الوظيفي، خاصة بعدما جرت تصفية كثير من النخب العسكرية التابعة للنظام الملكي الفرنسي المخلوع.
وقد كانت هذه المتغيرات كفيلة بأن تزعج كل الممالك الأوروبية الأخرى وتخلق نظاما أوروبا متباينا لأن فرنسا الثورية ضربت مفاهيم الشرعية السياسية وأسس الحكم والتركيبة الاجتماعية في مقتل، فتحول النظام الأوروبي إلى ساحة للاقتتال الفكري والثقافي والثوري والعسكري على حد سواء، فمن الناحية الفكرية خرج بعض المفكرين برؤى سياسية رافضين مفهوم الثورة بصفة عامة، وعلى رأسهم الكاتب الإنجليزي العظيم «إدموند بورك» في كتابه المؤثر (تأملات حول الثورة في فرنسا) وذلك بعد مرور عام على الثورة هناك تنبأ فيه ببعض أحداثها مثل الفوضى السياسية والدماء وحكم الحديد والنار، من ناحية أخرى فلقد رفضت كل الدول هذه الأفكار الغريبة خوفا من انتشارها وتأثيرها المباشر على السلام الاجتماعي في ممالكهم، وقد بدأت أوروبا كلها حركة ضد الردة الفرنسية من وجهة نظرها لا سيما بعدما لجأت حكومة الجمعية الوطنية لتبني مفهوم «تصدير الثورة»، وهو ما دفع بعض الساسة الفرنسيين لمحاولة احتوائه خشية أن تتكالب أوروبا على الثورة، ولكن نصائحهم ذهبت أدراج الريح.
كان من الطبيعي أن تسعى الدول الأوروبية لمحاولة حصار فرنسا الثورية وعزلها سياسيا واجتماعيا عن النظام السياسي الإقليمي في أوروبا، وهو ما تمخض عنه في النهاية سلسلة من التحالفات ضد فرنسا من قبل الدول الأوروبية الكبرى والصغرى على حد سواء، بدأ بما هو معروف باسم إعلان «بيلنتز» بعد الثورة بثلاثة أعوام والذي بمقتضاه أعلنت بروسيا والنمسا استعدادهما للتضامن مع الدول الأوروبية من أجل التدخل في الشأن الفرنسي لمساندة الملك قبيل خلعه، وهو ما فتح المجال على مصراعيه لما عرف بـ«حروب الثورات الفرنسية» والتي انتهت فعليا بهزيمة نابليون الأولى في معركة «ليبزيغ»، ثم بعد ذلك في معركة «واترلو» عام 1815، ولم تهدأ الدول الأوروبية إلا بعد أن أعادت الملكية مرة أخرى إلى فرنسا، ومع ذلك فهي لم تستطع أن تغير حقيقة أساسية وهي أن المفاهيم التي أصبحت تمثل عقيدة سياسية جديدة اعتنقها الشعب الفرنسي كانت أكبر من أن يجري احتواؤها بقوة السلاح، وهو ما دفع فرنسا لسلسلة من الأحداث والحكومات المتعاقبة إلى أن بدأت هذه المبادئ ترسخ تدريجيا بنهايات القرن التاسع عشر ونصف العشرين، ولكن ليس قبل أن تخلق حالة فرقة في النظام الأوروبي لاختلاف مفاهيم الشرعية والفكر وطريقة الحكم، ولو أن فرنسا استوعبت الخوف الأوروبي أغلب الظن أن مصير الثورة كان يمكن أن يكون أحسن حالا بدلا من جعل الجيران يتكالبون عليها.



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.