الشرطة السودانية تفرق بالقوة «موكب التنحي»

وزير العمل يعلن عن مظاهرة موالية للحكومة الأربعاء المقبل

جانب من الاحتجاجات في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

الشرطة السودانية تفرق بالقوة «موكب التنحي»

جانب من الاحتجاجات في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

أطلقت الشرطة السودانية، أمس، الغاز المسيل للدموع على مئات المتظاهرين وسط شوارع الخرطوم وضواحيها، وأيضاً في مدينة ود مدني جنوب العاصمة السودانية، إثر اندلاع مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين، وحدوث اعتقالات في صفوف أساتذة جامعة الخرطوم، وعدد من الصحافيين، بينهم مراسل جريدة «الشرق الأوسط» الزميل أحمد يونس، الذي جرى اعتقاله لبضع ساعات، تعرض خلالها لمعاملة قاسية من قبل قوات الأمن، قبل أن يتم إطلاق سراحه لاحقاً.
وخرج المتظاهرون ظهر أمس في عدد من أحياء العاصمة السودانية، استجابة للدعوة التي وجهها أمس تجمع المهنيين والقوى السياسية للتوجه إلى القصر الرئاسي، وأطلقوا عليها «موكب التنحي». لكن قوات الشرطة واجهت المحتجين بالغاز المسيل للدموع، فبدأت عمليات كر وفر وسط السوق العربي القريب من القصر. كما تظاهرت أعداد أخرى من المحتجين في أحياء «دوار القندول وبري، وامتداد ناصر شرق الخرطوم، والسجانة والديم، وفي دوار أبو حمامة، الواقع جنوب العاصمة».
وسارت حشود من الرجال والنساء معا وسط شوارع العاصمة، وهم يهتفون «حرية... حرية»، و«سلمية... سلمية... سلمية ضد الحرامية»، قبل إطلاق الغاز المسيل للدموع عليهم. كما أكد شهود عيان أن قوات الأمن منعت أساتذة ومحاضرين في جامعة الخرطوم من الخروج للانضمام للاحتجاجات، وألقت القبض على ثمانية منهم على الأقل.
وقال شاهد عيان إن «الوجود الأمني لم يكن بالكثافة التي شهدتها الأيام الماضية، خاصة وسط الخرطوم. لكن الشرطة تعاملت بعنف مع المتظاهرين، وأطلقت الغاز المسيل للدموع بكثافة»، موضحا أن أغلب عمليات الكر والفر وأضخمها جرت في ضاحية بري. وخلال ذلك كان «تجمع المهنيين» يواصل دعواته في مواقع التواصل الاجتماعي للمتظاهرين بأن ينظموا صفوفهم مرة أخرى، قصد التوجه إلى القصر الرئاسي كما هو مخطط له.
وتزامنت مظاهرات أمس مع إعلان الحكومة إعادة فتح المدارس الابتدائية والعليا، بعد أن أغلقتها مع بداية المظاهرات في التاسع عشر من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي لم تتوقف حتى حدود أمس.
وفي مدينة عطبرة، الواقعة شمال البلاد، خرجت مظاهرات أخرى قبيل زيارة سيقوم بها الرئيس السوداني عمر البشير اليوم إلى هذه المدينة، التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات التي دخلت أسبوعها الثالث. لكن الشرطة فرقت المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، فيما سيطرت قوة عسكرية من الجيش على ساحة الميدان القريب من معسكر الجيش، منعاً لاعتصام المتظاهرين.
أما في مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة جنوب العاصمة السودانية، فقد شهدت هي الأخرى مظاهرة ضخمة. إلا أن الشرطة تعاملت بعنف مع المتظاهرين، وأطلقت عليهم الغاز المسيل للدموع، لكن لم يتم تحديد عدد الإصابات وسط المتظاهرين.
ويشهد السودان تحرّكات احتجاجية منذ 19 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عقب قرار الحكومة رفع سعر الخبز، لكنّها سرعان ما تحوّلت إلى احتجاجات ضدّ الرئيس عمر البشير. وقد أكدت السلطات أن 19 شخصاً قتلوا حتى الآن منذ بدء التحركات. لكنّ منظّمة العفو الدولية أحصت حتى الآن مقتل 37 متظاهراً برصاص قوات الأمن السودانية، فيما دعت الأمم المتحدة إلى تحقيق مستقل في التطورات.
وبالتزامن مع احتجاجات أمس، أعلن وزير العمل السوداني بحر إدريس، المتمرد السابق في إقليم دارفور، عن مظاهرة الأربعاء المقبل موالية للحكومة في الساحة الخضراء وسط الخرطوم. وقال إدريس في حديث للصحافيين إن المظاهرة تعبّر عن «خيارات الشعب السوداني في الحوار الوطني ومعالجة الأزمة الحالية»، وذلك حسب تقرير بثته وكالة الصحافة الفرنسية أمس.
وستكون المظاهرة المقررة الأربعاء هي الأولى الموالية للحكومة، منذ انطلاق حركة الاحتجاجات المعارضة لها الشهر الماضي.
من جانبه، صرح الرئيس عمر البشير فجر أمس أن حكومته استطاعت، رغم الحصار والعقوبات ودعم التمرد، المحافظة على البلاد. وقال «أنا لست ديكتاتورياً، ولو ذهبت إلى أي مكان فسيتحشد المواطنون لاستقبالي»، داعياً الذين يطالبون بتغييره إلى الانتظار حتى عام 2020، موعد إجراء الانتخابات التي يسعى إلى تجديد ولايته الثالثة، رغم رفض المعارضة ومجموعة من الأحزاب المتحالفة معه.
بالموازاة مع ذلك، أعفى الرئيس عمر البشير وزير الصحّة محمد أبو زيد مصطفى من منصبه، إثر الارتفاع في أسعار الأدوية بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية السودانية، مشيرة إلى تعيين الخير النور في المنصب بدلاً منه. كما طالب البشير الأحد الفائت الشرطة بالامتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين بعد مقتل 19 شخصاً، بينهم عنصران أمنيان بحسب السلطات السودانية.
ويواجه الاقتصاد السوداني صعوبات جمة، خصوصاً بسبب النقص في العملات الأجنبية، رغم أنّ الولايات المتحدة رفعت في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 الحصار الاقتصادي، الذي كان مفروضاً على السودان منذ عشرين عاما. كما تراجعت قيمة الجنيه السوداني جراء شح العملات الأجنبية في بنك السودان المركزي، وبلغت نسبة التضخم 70 في المائة، جراء فقدان 70 في المائة من عائدات النفط. في وقت تشهد فيه مدن عدة نقصاً في إمدادات الخبز والوقود. فيما لا يزال نقص العملات الأجنبية يؤثر في استيراد بعض الأدوية.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.