«الانفراديون»... خطر الإرهاب المتجدد

{داعش} دعاهم إلى تنفيذ «ضربات خاطفة» بأي سلاح

محموعة من عناصر «داعش» في سوريا
محموعة من عناصر «داعش» في سوريا
TT

«الانفراديون»... خطر الإرهاب المتجدد

محموعة من عناصر «داعش» في سوريا
محموعة من عناصر «داعش» في سوريا

عاد تنظيم «داعش» الإرهابي للرهان مجدداً على «الانفراديين» أو «الذئاب المنفردة»، و«الخلايا النائمة» لتنفيذ «ضربات خاطفة» سريعة في الدول بأي سلاح مُتاح، قد تكون خسائرها أقل، لكنها قد تُحدث دوياً في الدول، لتأكيد بقاء التنظيم، وأنه ما زالت لديه القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية، رغم خسائره في سوريا والعراق والضربات القوية التي تعرض لها في المناطق التي سبق أن سيطر عليها في الماضي.
و«الانفراديون» لا يخضعون لـ«داعش» بصورة تنظيمية؛ بل هم شخص أو أشخاص يخططون وينفذون باستخدام السلاح المتاح لديهم، كما حدث في استهداف المطارات والمساجد والأسواق والمقاهي والتجمعات.
يقول عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الانفراديين» هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما؛ سواء أكانت هذه العمليات بالأسلحة المتطورة أو بالطرق البدائية مثل «سكين المطبخ» أو العصا أو حتى الدهس بالسيارات والشاحنات، وهذه العمليات لها تأثير إعلامي كبير، والتخطيط لها يعتمد على آليات بسيطة جداً من قبل «الذئاب المنفردة».
وكشفت دراسات دولية أخيرة عن أن العديد من الأشخاص المتعاونين أو المتعاطفين مع «داعش» والذين يُعرفون إعلامياً بـ«الانفراديين» يتلقون تشجيعاً وتوجيهاً عبر الإنترنت من التنظيم، لتنفيذ هجمات يمكن له لاحقاً تبنيها، وذلك بعد تراجع قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات كبيرة.
كان أبو محمد العدناني، الناطق السابق باسم «داعش»، قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014، المتعاطفين مع التنظيم إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... كما دعا أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، أيضاً إلى استهداف المواطنين، وتوعد التنظيمُ عبر مؤسسة «دابق» الإعلامية بحرب جديدة تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
ويشار إلى أن العديد من الدول التي شهدت العمليات الإرهابية الأخيرة مثل تونس والمغرب، إلى جانب بعض الدول الأوروبية، وجه التنظيم تهديدات إليها بارتكاب عمليات أخرى عبر استخدام «الأحزمة الناسفة، والدهس، والطعن».
وأصدر التنظيم أخيراً مقطع فيديو بعنوان «أعد نفسك» في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، دعا فيه عناصره وخلاياه النائمة وذئابه المنفردة لـ«التخفي» واستهداف التجمعات في أثناء احتفالات أعياد الميلاد في الدول الأوروبية بأي طريقة ممكنة. كما نشرت مجموعة إعلامية مناصرة لـ«داعش» رسالة أخيراً تهدد بالقيام بهجمات إرهابية جديدة على نيويورك، باستخدام تكتيكات جديدة تشمل «القناصة، والعبوات الناسفة». كما ظهر بأحد الملصقات المتداولة عبر الإنترنت في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أحد «الإرهابيين» مرتدياً قناعاً يغطي وجهه وتوعد بهجمات مع العام الجديد... وأيضاً أطلقت مجموعة إعلامية تابعة لـ«داعش» تهديدات لسكان نيويورك بـ«الأحزمة الناسفة، والعربات المفخخة، والعبوات المتفجرة، وكواتم الصوت، والقناصة».

«شبكات الإرهاب»
مراقبون رجحوا أنه ربما يتجه التنظيم إلى توسيع نشاط هذه المجموعات في الدول (أي الذئاب المنفردة) في حال عدم قدرته على تأسيس هياكل تنظيمية أو فروع في بعض الدول، التي وجهت سلطاتها ضربات أمنية استباقية إليه خلال المرحلة الماضية.
ويشار إلى أن أول ظهور لمصطلح «الذئاب المنفردة» كان في أحد فصول كتاب «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» الذي أعده أبو مصعب السوري بعد التحديات الأمنية التي واجهها تنظيم «القاعدة» الإرهابي بعد أحداث وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، والذي يدعو فيه أفراد التنظيم والمتعاطفين معه إلى الجهاد المنفرد ضد الغرب -على حد وصفه.
وفي تقريره الأخير حول الإرهاب، توصل المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي، إلى أن بنية الإرهاب شهدت عملية «لا مركزية» واضحة من خلال ظاهرة «الذئاب المنفردة» والكسب على الإنترنت، وأن التعمق في كشف شبكات الإرهاب، أو عند الكشف عن «الإرهابيين»، أصبح متعذراً بفعل هذه «اللا مركزية». وأشار التقرير إلى أن نتائج تحليل الواقع الاجتماعي والديموغرافي كانت أكثر عواقب هذه العمليات الإرهابية خطراً، إذ اتضح منها أن 56 إرهابياً من منفذي هذه العمليات كانوا من مواطني البلد الذي تعرض لهذه العمليات الإرهابية، أي ما يشكل 73% من مجموع المنفذين، ويضاف إلى هؤلاء نسبة 14% ممن يتمتعون بإقامة دائمة في البلد الذي نُفّذت فيه العمليات، أو أنهم وفدوا إليه اعتيادياً من بلد مجاور.
وقال التقرير إن 8% فقط منهم تلقوا أوامر مباشرة من «داعش» أو من تنظيم إرهابي آخر لتنفيذ هذه العمليات، أما النسبة الأكبر، أي 92%، فكانوا من المتأثرين بدعاية «داعش»، أو من ذوي صلة غامضة بالتنظيم، أو من الذين تصرفوا بمفردهم مستوحين العبرة من «الإرهابيين».
وقال عبد المنعم، إن «داعش» يستخدم «الذئاب المنفردة» والتوغل في المجتمعات الغربية بطريقة الانفرادية «الانفراديين»، التي تعني أن منفذي العمليات الإرهابية يعملون بشكل فردي، ويشكلون خلايا محدودة العدد تعمل في التخطيط والتنفيذ، فضلاً عن «الخلايا النائمة» المستوحاة من تنظيم «القاعدة» الإرهابي، وهي تكون دائماً في فترة الإعداد تعمل وتدرس وتحضر، لحين القيام بعمليات إرهابية.

«11 عملية دهس»
من جانبه، أكد الدكتور إبراهيم نجم، مدير مرصد الفتاوى المتشددة والآراء التكفيرية بدار الإفتاء في مصر، أن «داعش» اعتمد على تبني فكرة الدفع نحو زيادة الهجمات الإرهابية عبر «الذئاب المنفردة»، مستخدماً في ذلك الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
مضيفاً أن «داعش» منذ أن تم تضييق الخناق عليه وهزائمه التي مُني بها، اعتمد على استراتيجية للانسحاب التكتيكي لصالح التمدد في أماكن أخرى والانتشار في مساحات بديلة وتوظيف آليات مغايرة للتجنيد والاستقطاب، لافتاً إلى أن التنظيم اعتمد على نمط اللا مركزية في الانتشار والتمدد، وذلك من خلال تجميع الفارين من التنظيم لأنفسهم وتكوين كيانات وتنظيمات أخرى تسير على نهج التنظيم الأكبر... ويحاول التنظيم عبر هذه الخطوة أن يعود للسيطرة وخلق مؤيدين له، لأن التنظيم كان قد بالغ في التكفير وعمليات سفك الدماء بصورة كبيرة جعلت الكثيرين من المنضمين إليه ينشقون عنه.
وأوضح نجم، وهو مستشار مفتي مصر، لـ«الشرق الأوسط»، أن تنظيم داعش توسع في استخدام الإنترنت، ليس فقط بهدف الاستقطاب؛ بل بهدف التوظيف والقيادة وتوزيع المهام والمسؤوليات وفقاً لما عُرف بـ«الخلافة الافتراضية». محذراً من خطورة تلك العمليات الإرهابية المتوقع حدوثها، خصوصاً عمليات «الدهس» التي تقوم بها «الذئاب المنفردة»، والتي يصعب بشكل كبير منعها أو التنبؤ بها... لذا فإنه على أجهزة الأمن والمعلومات أن تستنفر قواتها خلال تلك الاحتفالات لإحباط الأعمال التي ينوي التنظيم القيام بها.
وقالت دراسة لدار الإفتاء المصرية أخيراً إن عمليات «الدهس» التي قام بها التنظيم منذ ظهوره، بلغت نحو 11 عملية إرهابية، نتج عنها مقتل وإصابة نحو 892 في كل من «بريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، وألمانيا، وكندا».
وتبنى «داعش» في أغسطس (آب) الماضي، هجوماً بالطعن، أودى بحياة اثنين وأصاب آخر بجروح خطيرة في العاصمة الفرنسية باريس، حسب بيان أصدرته وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم. كما تبنى أيضاً في نوفمبر الماضي حادث طعن ودهس شنه رجل مسلح بسكين بعد أن صدم بسيارته حشداً من المارة وسط مدينة ملبورن في أستراليا، أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين.

زرع «خلايا نائمة»
في ذات الصدد، ذكر مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، جيمس كلابر، في تصريحات صحافية له، أن «الحدود المفتوحة بين الدول الأوروبية سمحت لتنظيم داعش بزرع (خلايا نائمة) عبر القارة»، محذراً من أن التنظيم يستعد لشن هجمات أخرى، مضيفاً أن «هناك دليلاً على أن (متشددين) تابعين لـ(داعش) في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، يعدّون سراً لهجمات مشابهة في أوروبا».وعن أهداف «داعش» من تهديداته للدول خلال العام الجديد، قال مرصد الأزهر في القاهرة، إن «داعش» يستهدف من تهديداته تصدير صورة إعلامية مفادها أنه لا يزال موجوداً، ولعله بهذه الرسالة يخاطب أتباعه أكثر مما يخاطب الآخرين؛ حتى يضمن عدم زعزعة الثقة لديهم، فهي رسائل نفسية بالأساس. وأضاف الأزهر في دراسة له أعدها باحثوه، أن «داعش» يأمل من هذه الرسائل أن يستجيب لها أشخاص متطرفون فيحاولوا تنفيذ هذه التهديدات بناءً على دوافعهم الخاصة، وليس بتوجيه وإرشاد من «داعش»؛ فهم أناس لا يعرفهم «داعش»، ولا تربطه بهم أي رابطة، لكن إذا حدث هذا فإن المشاهد سيقتنع بأن «داعش» هو الذي قام بهذه الهجمات... وبالفعل حدث هذا في أكثر من مرة، فنجد أن منفذ الهجوم كان مستجيباً لـ«داعش»، لكن التحقيقات تكشف عدم وجود صلة فعلية بينه وبين التنظيم، بالإضافة إلى أنه إذا حدث واستجاب شخص ما لأفكار «داعش»، فإن التنظيم سوف يسارع ويتبنى الحادث، ليكتسب به أرضية وقوة، في نفوس أتباعه أو المؤمنين به، ولو بشكل مؤقت.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».