خيبة وارتباك لدى حلفاء واشنطن في شرق سوريا

رئيسة مجلس الرقة لـ«الشرق الأوسط»: الفراغ سيعيد المدينة إلى المربع الأول

أحد مداخل مدينة الرقة (الشرق الأوسط)
أحد مداخل مدينة الرقة (الشرق الأوسط)
TT

خيبة وارتباك لدى حلفاء واشنطن في شرق سوريا

أحد مداخل مدينة الرقة (الشرق الأوسط)
أحد مداخل مدينة الرقة (الشرق الأوسط)

ترك قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، سحب قوات بلاده من سوريا نهاية العام الماضي، خيبة أمل لدى حلفاء واشنطن في شرق الفرات. وفي أول تعليق بعد الإعلان، انتقدت ليلى مصطفى رئيسة «مجلس الرقة المدني» المدعوم من التحالف الدولي، قرار الانسحاب «المفاجئ»، وأكدت أن الولايات المتحدة لم تناقشه مع حلفائها في سوريا الذين فاجأهم إعلان ترمب.
واعتبرت لـ«الشرق الأوسط» أنّ التوقيت كان محرجاً للغاية: «تصاعدت التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في شرق الفرات من جهة، وقيام عناصر (داعش) في الرقة بعمليات إرهابية من جهة ثانية زاد من تعقيد الوضع».
وبموجب إعلان الرئيس الأميركي، سيتم سحب نحو 2200 جندي من القوات الأميركية المنتشرة في شمال شرقي سوريا خلال مدة زمنية غير محددة، إلى جانب موظفي الخارجية الأميركية العاملين في مناطق شرق الفرات المشرفين على برامج دعم الاستقرار، وعقد مسؤولون عسكريون من التحالف الدولي خلال الأسبوع الماضي اجتماعات مكثفة مع «مجلس الرقة المدني» للتباحث في تداعيات القرار.
بدورها نقلت ليلى مصطفى أن المجلس سيستمر في تقديم الخدمات لأبناء الرقة، حتى وإنْ رحل موظفو الخارجية الأميركية ومسؤولو التحالف، وقالت: «نخشى من هذا الفراغ قد يعيد الرقة إلى المربع الأول، وفي حال تنفيذ القرار ستكون له تداعيات خطيرة، ليس على الساحة السورية فحسب، بل قد تطال المنطقة برمتها»، في إشارة إلى إمكانية عودة عناصر تنظيم داعش واتباع حرب عصابات في المناطق التي كان ينتشر فيها سابقاً. وأضافت أن المنطقة شهدت استقراراً نسبياً بفضل جهود ودعم دول التحالف: «أبناء المنطقة قدموا تضحيات جسيمة في حربهم ضد تنظيم داعش المتطرف، والمنطقة تم تحريرها بفضل جهود التحالف الدولي».
ويعد «مجلس الرقة المدني» بمثابة مجلس حكم محلي يدير شؤون المدينة منذ تحريرها في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، بالتنسيق مع «قوات سوريا الديمقراطية»، وبدعم من التحالف الدولي، وخلال حديثها أبدت ليلى مصطفى تفهماً لقرار إدارة الرئيس ترمب، لكنها شددت: «هكذا إعلان وبهذه الأهمية تم اتخاذه دون التشاور معنا، ولا مع أي جهة مدنية أو عسكرية حليفة لواشنطن في سوريا»، والإعلان سيؤثر على عمليات إعادة الإعمار في الرقة، وأضافت: «كانت هناك وعود من واشنطن ودول التحالف بتقديم الدعم المالي لإصلاح البنية التحتية وإعمار المدينة!»، وتساءلت مستغربة: «هل ستلتزم هذه الدول بتعهداتها؟ نحن نأمل أن تعيد واشنطن النظر في قرارها».
وكشفت ليلى مصطفى أن قادة «مجلس الرقة» أرسلوا رسالة إلى الإدارة الأميركية في 26 ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، تضمنت مطالبة بتقديم أسباب واضحة لقرار الانسحاب، وتخليها المفاجئ عن المكتسبات التي شاركت فيها دول التحالف، كما تساءلوا عن مصير الوعود والتعهدات واستمرار دعم الاستقرار في المناطق المحررة من «داعش» لضمان عدم عودته.
وحذرت مصطفى من العوامل والظروف التي أنتجت ظهور تنظيم داعش، وقالت: «في حال تقاعست هذه الدول بعمليات إعادة إعمار الرقة، سيتكرر ظهور تنظيمات أخرى وبأسماء مختلفة، لكنها ستحمل عقيدة وآيديولوجية (داعش) نفسها».
ويضم التحالف الدولي بقيادة واشنطن 73 دولة غربية وأوروبية، إلى جانب بلدان عربية منها السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر، وإلى جانب الدعم العسكري والجوي في الحرب ضد تنظيم داعش، يشمل عمله دعم الاستقرار واستعادة الخدمات العامة في المناطق التي يتم استردادها من قبضة عناصر التنظيم، من خلال موظفي الخارجية الأميركية.
ونوهت مصطفى بأن واشنطن «ليست لوحدها مسؤولة عن حماية الرقة وإعادة إعمارها، فالكثير من الجنسيات الأجنبية قاتلت في صفوف تنظيم داعش واتخذوا من الرقة عاصمة مزعومة لخلافتهم، وعلى بلدانهم تحمل مسؤولياتها».
وعقد «مجلس الرقة المدني» اجتماعاً نهاية العام الماضي مع منظمة الأمم المتحدة، وأوضحت مصطفى: «لمسنا توجهاً جدياً من مسؤولي المنظمة الأممية بفتح مكتب رسمي لها بالرقة لمتابعة الشؤون الإنسانية»، وناشدت حكومات ودول العالم إفساح المجال لأبناء الرقة لإدارة شؤونهم بأنفسهم، و«أن تحترم جميع الأطراف الإقليمية والدولية خيارات مكونات المدينة»، كما طالبت مجلس الأمن والأمم المتحدة «بتوفير حماية للرقة من التهديد الشيعي المتمثل بإيران وميليشياتها، ومن التهديدات التركية لأن المدينة لا تحتمل حرباً ثانية».
وقالت مصطفى إنّ الرقة جزء من سوريا تنتظر حلاً شاملاً وتسوية سياسية لوضع حد للحرب منذ سنوات، وقالت: «نسعى لإقناع جميع الأطراف بالحفاظ على أنموذج الإدارة الذاتية. وعلى الأطراف الراعية لعملية السلام في المؤتمرات الدولية إشراك ممثلين من الرقة ومناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.