المعارضة تتهم حزب طالباني بعرقلة تشكيل الحكومة الجديدة في إقليم كردستان

النواب الجدد يدعون إلى الإسراع بتشكيل الهيئة الرئاسية للبرلمان

علي بابير
علي بابير
TT

المعارضة تتهم حزب طالباني بعرقلة تشكيل الحكومة الجديدة في إقليم كردستان

علي بابير
علي بابير

رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان، لا تزال جهود تشكيل الحكومة وانتخاب هيئة رئاسية جديدة للبرلمان متعثرة، والمفاوضات الجدية والحاسمة لم تبدأ بعد. فما جرى إلى الآن لا يعدو سوى عرض لوجهات النظر وتقديم بعض المطالب من الأطراف الفائزة في الانتخابات. وتعزو أطراف المعارضة أسباب هذا التلكؤ إلى شروط تعجيزية من بعض الأطراف.
وفي هذا السياق، وجه علي بابير، أمير الجماعة الإسلامية، وهي طرف فاعل في المعارضة، اتهامات واضحة وصريحة إلى قيادة الاتحاد الوطني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني بهذا الصدد. وقال أثناء مشاركته في برنامج تلفزيوني بقناة «روداو» المقربة من رئيس الحكومة المكلف، نيجيرفان بارزاني، إن هناك «عقدا مستعصية تواجه مشاورات تشكيل الحكومة، والعقدة الأساسية هي الشروط التعجيزية التي تضعها قيادة الاتحاد الوطني». وأضاف «لولا تلك الشروط لكانت الحكومة قد تشكلت منذ فترة». وتابع «ينبغي على الأطراف السياسية ألا تؤخر تشكيل الحكومة بسبب وضعها لشروط تعجيزية غير قابلة للقبول».
وفي اتصال مع عضو المكتب السياسي للجماعة الإسلامية عبد الستار مجيد أوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الاتحاد الوطني وانطلاقا من الاتفاق الاستراتيجي الذي يربطه بالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، يسعى لإيجاد صيغة المناصفة التي كانت سائدة منذ تحرر إقليم كردستان عام 1991 لإدارة شؤون الحكم بكردستان، ويبدو أن قيادة الاتحاد لا تستطيع هضم أو استيعاب نتائج الهزيمة الانتخابية الأخيرة وتحول هذا الحزب إلى المرتبة الثالثة، لذلك يريدون من خلال إحياء تلك الصيغة الفاشلة بالحكم تثبيت مركزهم وهذا أمر لا يتناسب مع الواقع الحالي. وحول موقف الجماعة من المشاورات الحالية لتشكيل الحكومة قال مجيد، «نحن قررنا المشاركة في الحكومة المقبلة، والمشاورات التي جرت إلى الآن كانت مثمرة وإيجابية، وبالنسبة للجماعة فإننا نطالب باعتماد صيغة النقاط لتوزيع المناصب الحكومية، أي أن يكون هناك معيار محدد لكيفية توزيع الحقائب الوزارية وغيرها من المناصب المهمة بالسلطة، ونعتقد أنه لو جرى اعتماد نظام النقاط عندها فإن الجماعة الإسلامية من حقها أن تحصل على وزارتين بالمقاعد الستة التي فازت بها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة».
من جانبه شدد فرهاد الملا صالح، القيادي في الاتحاد الإسلامي، على أهمية الإسراع بتشكيل الحكومة المقبلة «لأن ذلك متعلق باستقرار الوضع السياسي في كردستان، إلى جانب التأثيرات السيئة على سمعة الإقليم في حال تأخير تشكيلها أكثر من ذلك». وأضاف قائلا لـ«الشرق الأوسط» أن «أسباب التأخير معروفة، وهي تتمحور حول شروط الأطراف الفائزة بالانتخابات وبعضها مبالغ بها، ونحن في الوقت الذي نعترف بحق كل طرف فائز بالانتخابات باستحقاقاته، لكن يجب على جميع الأطراف أيضا أن تبدي المرونة الكافية لإخراج هذه الحكومة من عنق الزجاجة فالتأخير أكثر من ذلك لا يخدم الوضع السياسي ولا استقرار الإقليم».
تأخير تشكيل الحكومة جر معه تأخير انتخاب الهيئة الرئاسية الجديدة للبرلمان، الذي أحدث بدوره فراغا قانونيا في الإقليم. فالدورة الانتخابية السابقة انتهت في الأول من الشهر الماضي، وبسبب الخلافات حول تشكيل الحكومة لم تتمكن الأطراف الفائزة من الاتفاق على تشكيل الهيئة الرئاسية للبرلمان. وحسب يوسف محمد، رئيس كتلة التغيير البرلمانية «فإن 88 نائبا برلمانيا منتخبا قدموا مذكرة إلى الرئاسة المؤقتة الحالية لعقد اجتماع عاجل من أجل بحث مشكلة هذا التأخير».
يذكر أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة غيرت المعادلة السياسية القائمة في الإقليم منذ أكثر من عقدين، وبدلت المواقع والتراتيب بتحويل الاتحاد الوطني من القوة الثانية إلى المرتبة الثالثة لصالح حركة التغيير، ما فرض واقعا سياسيا جديدا يجر معه تحالفات وتفاهمات جديدة، وهذا ما يؤكد عليه رئيس كتلة التغيير بقوله إن «المناصب السيادية (رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة وبقية الحقائب السيادية (المالية والبيشمركة والداخلية والثروات النفطية) بحاجة إلى مفاوضات مكثفة لإعادة توزيعها وفقا للمعادلة الجديدة، ومن دون اتفاقات مسبقة لا يمكن لا إعلان الحكومة ولا انتخاب الهيئة الرئاسية للبرلمان، حتى طرفان محددان لا يستطيعان تشكيل الحكومة أو توزيع المناصب البرلمانية دون إشراك الآخرين، وعليه يجب أن ننتظر نتيجة المشاورات الحالية إلى حين الوصول إلى تفاهمات واتفاقات على توزيع المناصب السيادية». ورغم أن تأخير حسم هذه المسائل أحدث فراغا قانونيا في الإقليم، لكن محمد يعتقد أنه وفقا للأعراف البرلمانية لا يجوز حدوث فراغ قانوني لهذه الفترة الطويلة، ولكن الظروف السياسية الحالية وتغير المعادلات يفرض علينا أن نراعي الأوضاع وننتظر إلى حين حسم المفاوضات.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.