مواجهة بالسياسة والفكر للفتن الطائفية في مصر

لجنة أمنية... ومشروع عقوبات... وزيارات للكنيسة

مواجهة بالسياسة والفكر للفتن الطائفية في مصر
TT

مواجهة بالسياسة والفكر للفتن الطائفية في مصر

مواجهة بالسياسة والفكر للفتن الطائفية في مصر

جهود مكثفة تبذلها السلطات المصرية لمحاصرة الفتنة الطائفية، التي أصبحت عامل تهديد خطير للأمن والاستقرار في البلد، الذي ينشد تحقيق نقلة كبيرة في مجال الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. فبعد سنتين من واقعة ذبح صاحب «محمصة» قبطي، اسمه يوسف لمعي، في مدينة الإسكندرية الساحلية، لبيعه خموراً، نفّذ حكم الإعدام بالجاني الشهير بـ«عسلية» في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وبذا انتهت واحدة من القضايا الطائفية التي شغلت الرأي العام منذ يناير (كانون الثاني) عام 2017. عندما ارتكب «عسلية» جريمته، وسجلتها كاميرات المحل.
إلا أن هذا العقاب لم يمنع وقوع أحداث طائفية أخرى شهدت قتلاً على الهوية، كان آخرها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما هاجم مسلحون حافلة تقل عدداً من الأقباط أثناء عودتهم من دير الأنبا صموئيل غرب مدينة العدوة، بمحافظة المنيا (على بعد 200 كيلومتر جنوب القاهرة)، ما أسفر عن مقتل 7 منهم وجرح 14. ولقد تبنى تنظيم داعش الإرهابي المتطرف مسؤولية الهجوم.

أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال الأسبوع الماضي، قراراً جمهورياً بتشكيل لجنة مركزية تحمل اسم «اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية»، يرأسها مستشار الرئيس لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب، وتضم في عضويتها ممثلين عن هيئة عمليات القوات المسلحة، والمخابرات الحربية، والمخابرات العامة، والرقابة الإدارية، والأمن الوطني. ويحق للجنة أن تدعو من تشاء من الوزراء أو ممثليهم، وممثلي الجهات المعنية لحضور اجتماعاتها عند نظر مواضيع ذات صلة.
مهام اللجنة وضع الاستراتيجية العامة لمنع ومواجهة الأحداث الطائفية ومتابعة تنفيذها، وآليات التعامل مع الأحداث الطائفية حال وقوعها، وإعداد تقرير دوري بنتائج أعمالها وتوصياتها وآليات للعرض على الرئيس. وقال مراقبون إن «القرار يشكل اعترافاً رسمياً بوجود مشكلة طائفية، للمرة الأولى، وذلك بعدما اعتادت الجهات الرسمية في الدولة، ووسائل الإعلام منذ أحداث الخانكة عام 1972. التأكيد على الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط، واعتبار أي مشاكل أو أحداث ذات بعد طائفي مشاكل فردية، أو مؤامرات خارجية... كما ينقل قرار اللجنة مواجهة الأحداث الطائفية من الجانب الفكري والديني، إلى الجانب السياسي والأمني والمعلوماتي».

مواجهة أمنية
حظي قرار تشكيل اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية، بترحيب رسمي على المستوى الحكومي والبرلماني، وأيضاً على المستوى الديني. وقال الدكتور شوقي علاّم، مفتي مصر، إن «اللجنة تعد خطوة مهمة في طريق تحقيق المواطنة الكاملة للمصريين، ودعم جهود تعزيز العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد»، مؤكداً «استعداد دار الإفتاء للتعاون مع اللجنة، ودعمها».
أيضاً رحّبت الطائفة الإنجيلية في بيان صحافي باللجنة، معتبرة إياها «نقلة نوعية على طريق المواطنة». ووصف كمال زاخر، منسّق التيار العلماني بالكنيسة الأرثوذكسية، قرار تشكيل اللجنة بأنه «خطوة إيجابية لمواجهة الأحداث الطائفية والإرهاب»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اللجنة تضم بجوار جهاز عمليات القوات المسلحة، أجهزة المعلومات، ممثلة في المخابرات العامة والحربية، وممثلا للرقابة الإدارية. وهذا يعني أن هناك اتجاها لمتابعة جذور المشكلة في الجهاز الإداري للدولة، فطبيعة عمل الرقابة الإدارية تختص بملاحقة المنحرفين في الجهاز الإداري، مما يعطي انطباعاً بأن لدى القيادة السياسية معلومات حول وجود دور لبعض القيادات التنفيذية أو الإدارية في استفحال ظاهرة الإرهاب».
وأردف زاخر أن «قرار تشكيل اللجنة يتماس مع القرار الجمهوري بتشكيل المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب، حيث يوجد جميع أعضائه في اللجنة، مع استبعاد الجهات الدينية من تشكيل الأخيرة، ما يعني نقل الأمر من دائرة التعاطي الفكري والثقافي، إلى العمل في مواجهة حقيقية على الأرض».
جدير بالذكر، أن الرئيس السيسي كان قد أصدر في يوليو (تموز) 2017 قراراً بإنشاء «المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف» برئاسته وعضوية كل من رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، وشيخ الأزهر، وبابا الإسكندرية، ووزراء الدفاع، والأوقاف، والشباب والرياضة، والتضامن الاجتماعي، والخارجية، والداخلية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والعدل، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، ورئيس جهاز المخابرات العامة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، وعدد من الشخصيات العامة.
وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب (البرلمان) إن «شعار مصر الآن هو يد تبني ويد تحمل السلاح»، مشيراً إلى أن «مصر تواجه أعمالا إرهابية تستهدف النيل من استقرارها. وفي فترة الأعياد التي تعيشها مصر حالياً، تزداد المؤامرات التي تسعى إلى التفريق بين شقي الأمة، وتهدف إلى تشويه الحقائق، والتأثير على البلاد اقتصاديا وسياسيا، من هنا كان لا بد من العمل عبر استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب أمنياً وعسكرياً وفكرياً وثقافياً ودينياً أيضا». ثم تابع «نظراً لزيادة محاولة القوى الكارهة المساس بأمن مصر، تم تشكيل لجنة ميدانية يقودها مستشار الرئيس الأمني، ومهمتها وضع دراسة مسبقة لاحتمالات الإرهاب، والاستعداد له وإحباطه في مهده، وهذا يتم من خلال قوات الداخلية والجيش»، لافتاً إلى بيان الجيش المصري رقم 30 الذي «أكد أن الضربات المسبقة أحدثت خسائر كبيرة في صفوف الإرهابيين، وأجهضت 95 في المائة من قوتهم». واستطرد أن «اللجنة ستعمل أيضاً على مواجهة الحدث وقت حدوثه، وإزالة آثاره بالتنسيق مع الوزارات المعنية».
من جهتها، أكدت الكاتبة الصحافية فريدة الشوباشي، أهمية اللجنة، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تشكيلها يأتي في وقت تتزايد فيه المؤامرات على مصر... واللجنة ستضع يدها على أوجاعنا، وتقدم علاجاً حاسما لمشاكلنا»، منتقدة ما اعتبرته «تقصيراً من جانب وسائل الإعلام المحلية في الاحتفاء بهذا القرار».

... ومواجهة بالفكر
لكن المواجهة الأمنية التي تفرضها اللجنة لا تعني وقف إجراءات المواجهة الفكرية، بل شهد الأسبوع الماضي زيارات متبادلة من قيادات الأزهر إلى الكنائس المصرية للتهنئة بعيد الميلاد. إذ زار الدكتور أحمد الطيّب، شيخ الأزهر، على رأس وفد أزهري رفيع المستوى يتقدمهم الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ومفتي البلاد، مقر الكاتدرائية بالعباسية في القاهرة لتهنئة البابا تواضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
وهنأ شيخ الأزهر الأقباط، مؤكداً أن «مشاعر التراحم والود، والزيارات المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين، نابعة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يفرض على المسلم أن يتواصل مع أخيه في الوطن». وأضاف «أن الأزهر يعلم أبناءه أن الأديان السماوية تنبع من مصدر إلهي واحد، وأن جميع الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأن الدين الإسلامي الخاتم ليس منفصلاً عن باقي الأديان، وإنما حلقة في سلسلة الدين الإلهي، مبيناً أن هذه المفاهيم هي التي حمت المجتمعات في المشرق العربي من الصراعات الدينية بين مكوناتها المختلفة».
ورد البابا تواضروس الثاني خلال لقائه وفد الأزهر، مشدداً على أن «مشاعر الحب والود المتبادلة هي نعمة من الله على الشعب المصري، وتأتي الأعياد والمناسبات الإسلامية والمسيحية كفرصة لإظهار هذه النعمة». ثم أوضح أن «تعاليم المسيح كلها تدعو للمحبة للآخرين... وهذه المحبة تنشر الفرح والسعادة في المجتمع، وهو ما يعني أن يسود السلام النفسي والمجتمعي... ولذلك فإن زيارات شيخ الأزهر للكاتدرائية في مختلف المناسبات تسهم في نشر الفرح والسلام والسعادة في المجتمع المصري».
وقبل بضعة أيام، في السياق نفسه، حضر الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة المصري، احتفالات الطائفة الإنجيلية (البروتستانتية) بعيد الميلاد المجيد في الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة.
عودة إلى كمال زاخر، فإنه أكد أن «الحل الأمني غير كاف لعلاج المشكلة، ولو طرحنا البعد الثقافي والاجتماعي، فالمسألة تحتاج إلى أخذ وعطاء ومدارس حتى نصل لنتيجة، تتمكن من تغيير وجدان تم تكوينه عبر عقود من الزمن بشكل متطرف، وهو أمر يحتاج إلى وقت طويل». ثم أضاف «علينا أن نسير في كلا الاتجاهين بالتوازي: مواجهات أمنية سريعة معتمدة على جهاز معلوماتي، وفي الوقت نفسه العمل على البعد الثقافي، والقرار يتيح للجنة الاستعانة بمن تشاء من الوزارات والهيئات المعنية. ومن المؤكد أنه سيكون هناك دور للإعلام والتعليم والثقافة... فعلى المستوى التكتيكي تأتي المواجهة في المقدمة، وعلى المستوى الاستراتيجي تأتي المواجهة الفكرية، وآن الأوان لنعترف بوجود أزمة الإعلام، والتعليم، والثقافة، فمنفذي الهجمات الإرهابية من خريجي الجامعات، مما يعني أن هناك خللا في التكوين».

«بيت العائلة المصرية»
وما يستحق الذكر أن بعض المراقبين يرى في الخطوات السياسية الأخيرة تقليصاً لدور «بيت العائلة المصرية»، الذي أسس عام 2011 ويتكون من قيادات إسلامية ومسيحية، وكان طوال السنوات الماضية قد تدخل لحل الإشكالات الطائفية عبر جلسات عرفية كانت تنتهي بالصلح دون معاقبة الجناة، ما يتسبب في تكرار الإشكالات مرات أخرى. وفي هذا الشأن، قال زاخر إن «هناك خللاً في تشكيل «بيت العائلة» منذ نشأته عام 2011. حيث كانت الظروف ملتبسة ليخرج «بيت العائلة» عن الخط المرسوم له ويتدخل لحل المشاكل الطائفية والإرهابية عرفياً، قفزاً على القانون، وهو ما ثبت فشله في علاج المشكلة».
أما الشوباشي فرأت أنه من الأفضل حل هذه الإشكالات بالقانون، وقالت «نريد دولة قانون، لا دولة فتاوى دينية... خاصة، أن هذه الفتاوى تحدث لبساً عند المواطن العادي الذي قد لا يدرك الفرق بين الفتوى الصادرة عن مؤسسة الأزهر، أو عن شخص متشدّد» - على حد قولها.
إلا أن النائب شكري الجندي، وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب المصري، يؤمن بأن «تشكيل اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية بهذا الشكل لا بد أنه جاء بعد الدراسة لتحقق الغرض المنشود منها، والمقصود من هذا الملف، وهو ملف أمني، الحفاظ على أمن مصر، وأمن الشرق الأوسط والأمة العربية بالكامل».
وللعلم، وفقاً لتقديرات رسمية تتراوح نسبة المسيحيين في مصر بين 10 و15 في المائة من عدد السكان. ويشدد البابا تواضروس دائماً على أن «أي محاولة للعبث بالرباط القوي الذي يجمعنا بالمسلمين سوف تنتهي بالفشل»، وأن «مشاعر الحب والود المتبادلة هي نعمة من الله على الشعب المصري، وتأتي الأعياد والمناسبات الإسلامية والمسيحية كفرصة لإظهار هذه النعمة».
مقالات وصحف
في سياق متصل، تناول عدد من المقالات ومساحات الرأي في الصحف قضية الفتنة الطائفية وقرار اللجنة، وأبرزت زيارات القيادات الدينية المتبادلة. وقال الكاتب الصحافي عبد اللطيف المناوي، رئيس تحرير صحيفة «المصري اليوم» اليومية الخاصة، في مقاله تحت عنوان «المعلومات... ومواجهة الطائفية»، إن «فتوى تحريم تهنئة الأقباط بعيدهم فتوى متكرّرة لدرجة الملل»، مؤكداً «أن المشكلة لن تحل وحدها؛ بل بالشفافية والمعلومات».
وخصصت صحيفة «صوت الأزهر»، التي تصدرها مؤسسة الأزهر، عددها الأخير للمشاركة في احتفالات الأقباط بعيد الميلاد. وأشارت في واحد من عناوينها الرئيسية على الصفحة الأولى إلى دور الأزهر في تجديد الخطاب الديني، وفتوى شيخ الأزهر التي تؤكد أن «تحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم ليس من الإسلام». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الكاتب الصحافي أحمد الصاوي، رئيس التحرير، بأن «الصحيفة شاركت الأقباط أعيادهم في العام الماضي أيضاً، تأكيداً لمنهج الأزهر في التعامل مع الآخر، والتقدير الإسلامي المجمع عليه الموجود في نصوص القرآن والسنة لشخصية المسيح وأمه العذراء». وأردف قائلاً «أن من ينتقد مناهج الأزهر ويتهمها بأنها تحرض ضد المسيحيين، عليه قراءة المناهج قبل انتقادها، والاطلاع على خطب وكلمات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، التي تؤكد أن مصطلح أهل الذمة لم يعد صالحاً للاستخدام، وأن المواطنة أصل في الإسلام، وأن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن دينهم، وهو ما تؤكده «وثيقة التعايش» التي أصدرها الأزهر في مارس (آذار) عام 2017».
وتابع الصاوي أن «العدد الأخير من الصحيفة الذي صدر الأربعاء الماضي تطرّق إلى تصريحات شيخ الأزهر الدكتور الطيب التي أكدت عدم وجود نصوص دينية تحرّم بناء الكنائس، مستعرضاً نماذج من مناهج الأزهر تحث على التعاون بين المسلمين والأقباط، من خلال مواد المواطنة والثقافة الإسلامية».

تحريم تهنئة الأقباط
في المقابل، قبل أيام، جدّد الشيخ ياسر برهامي فتواه بحرمانية تهنئة الأقباط بـ«عيد ميلاد المسيح». واعتبر برهامي أن «التهنئة بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق»، ويذكر أن فتوى برهامي «سيناريو» متجدد كل عام يحرم فيه التهنئة، ويدخل على الخط أيضاً العديد من المشايخ غير الرسميين.
هذه الفتوى دفعت أحد المحامين المصريين لأن يتقدم ببلاغ للسلطات القضائية ضد برهامي، اتهمه فيه بإثارة الفتنة الطائفية، والتحريض ضد أقباط مصر من خلال فتواه الصادرة عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». ورأى البلاغ أن «فتوى برهامي تثير الفتنة الطائفية بين جناحي الوطن الواحد، وهو ما يؤدي إلى إثارة القلاقل وزعزعة الاستقرار الداخلي للبلاد والإضرار بمصالحها العليا وأمنها القومي، في ظل المؤامرات الداخلية والخارجية التي تستهدف الدولة المصرية ومواطنيها». ومن ثم، في محاولة لصد سيل الفتاوى التي تُطلق من دعاة غير رسميين تحرّم تهنئة الأقباط بأعيادهم، يسعى مجلس النواب لإقرار مشروع قانون يُعاقب كل من يُصدر مثل هذه الفتاوى بالحبس مدة لا تزيد عن 6 أشهر وغرامة لا تزيد عن 10 آلاف جنيه.
من جهة ثانية، انتهت اللجنة الدينية بمجلس النواب المصري، الأربعاء الماضي، من مناقشة مشروع قانون «تنظيم الفتوى» لوضع حد للفتاوى التحريضية. وقال وكيل اللجنة النائب شكري الجندي إن «القانون لن يمنح ترخيص الفتوى إلا لمن يستحق، ومن خلال هيئة «كبار العلماء» و«مجمع البحوث الإسلامية» وإدارة الفتوى بوزارة الأوقاف ودار الإفتاء، وهذا ليس إقصاء لأحد؛ لكنه من باب التنظيم». وتابع أن «القانون يعاقب كل من يفتي دون ترخيص أو يصدر فتاوى شاذة ومضللة».
وأضاف الجندي أن «اللجنة انتهت أيضاً من مشروع قانون حق الظهور الإعلامي لرجال الدين وغيرهم من المتحدثين في الأمور الدينية، وقانون تنظيم العمل بدار الإفتاء. وسيتم قريبا مناقشة المشاريع الثلاثة في الجلسة العامة لمجلس النواب»، مؤكداً أن «هذه القوانين تصب في صلاح الوطن والمواطن والدين، والإسلام بريء من أي تطرف أو إرهاب، فهو الدين الخاتم والجامع لما فيه خير البشرية».
هذا، وأكد مراقبون أن «ما حدث في مصر على مدار الأسبوع الماضي، لم يكن مرتبطاً بحادث طائفي معين، ما يشير إلى تغير نظرة مصر الرسمية وغير الرسمية للمشكلة، واتجاهها نحو حل المشكلة من جذورها دون انتظار لأحداث جديدة». وقال كمال زاخر بأن عام 2018 كان «عام المواجهة الشاملة ضد الإرهاب من خلال العملية الشاملة «سيناء 2018»، وأعتقد أن هذه العملية اتسع نطاقها الجغرافي لتشمل مصر كلها عام 2019. عبر مواجهة كافة أشكال الإرهاب والطائفية في كل الأماكن الملتهبة في سيناء والمنيا وغيرهما».

أبرز الأحداث الطائفية في مصر خلال السنوات الأخيرة

> 1972 إحراق كنيسة يجري تشييدها في الخانكة بمحافظة القليوبية المتاخمة للقاهرة.
> 1981 أحداث «الزاوية الحمراء» بشرق القاهرة، التي شهدت سقوط قتلى عقب اشتباكات مسلحة احتجاجا على بناء كنيسة.
> 1999 أحداث قرية الكشح في محافظة سوهاج، بصعيد مصر، التي تسببت في سقوط قتلى في اشتباكات نتيجة خلافات تجارية.
> 2010 شهد عدداً من الأحداث الطائفية من بينها، الاعتداء على مطرانية نجع حمادي في محافظة قنا بصعيد مصر، واشتباكات مرسى مطروح في الشمال الغربي، وأحداث كنيسة العمرانية بالجيزة.
> 2011 حادث تفجير كنيسة القديسين بمحافظة الإسكندرية، وشهد العام نفسه اشتباكات قرية أطفيح، وأحداث إمبابة، لينتهي العام بـ«أحداث ماسبيرو» في القاهرة.
> 2016 تفجير الكنيسة البطرسية في حي العباسية بالقاهرة، ومقتل 29 شخصاً، وتبني تنظيم داعش التفجير.
> 2017 الاعتداء على الأقباط في العريش بشبه جزيرة سيناء، وفرار الأسر المسيحية من المدينة. وفي العام نفسه وقع الهجوم على كنيسة مار جرجس في طنطا بمحافظة الغربية، والكاتدرائية المرقسية في الإسكندرية. وفي مايو (أيار) من العام نفسه قتل 29 شخصا في هجوم على حافلة أقباط كانت في طريقها لدير الأنبا صموئيل في المنيا بصعيد مصر.
> 2018 شهدت محافظة المنيا مجموعة من الأحداث الطائفية بدأت في قرية منبال، ثم قرية دمشاو هاشم على مدار العام، واختتمت بالاعتداء على حافلة دير الأنبا صموئيل.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.