مصر تواجه شائعات حول توقف شركات أجنبية وأموال المودعين بالبنوك

آخرها إعادة بث فيديو قديم من داخل قسم شرطة... والداخلية تنفي

TT

مصر تواجه شائعات حول توقف شركات أجنبية وأموال المودعين بالبنوك

في إطار حرب تخوضها مصر للرد على ما يتردد في العديد من المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، نفت الحكومة أمس، بشكل رسمي، شائعات تعلقت بمواطنيها وبقضايا حساسة. وناشدت الحكومة أمس جميع وسائل الإعلام تحري الدقة والموضوعية في نشر الحقائق والتواصل مع الجهات المعنية بالوزارة، للتأكد من الحقائق قبل نشر معلومات لا تستند إلى أي حقائق، وتؤدي إلى بلبلة الرأي العام وإثارة غضب المواطنين.
وأكدت وزارة الإسكان أن ما تردد بشأن رفع الحكومة للدعم نهائياً عن شرائح المياه خلال يناير (كانون الثاني) الحالي، غير صحيح، موضحة أنه لم يتم رفع الدعم نهائياً، أو إقرار أي زيادات جديدة على أسعار المياه في الوقت الحالي، وأن تسعيرة المياه المطبقة حالياً كما هي تماماً دون أي تغيير.
كما نفت وزارة المالية أمس ما تداولته بعض المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي من أنباء تُفيد بحجز الحكومة على أموال المودعين بالبنوك لسداد عجز الموازنة، وقالت الوزارة إن «كافة ودائع وأموال المودعين بالبنوك آمنة تماماً، ولن يتم المساس بها لأي سبب من الأسباب»، مُشددة على استقرار وتحسن وضع الاقتصاد المصري، وأن كل ما يثار في هذا الشأن شائعات مغرضة تستهدف الإضرار بالاقتصاد الوطني وخطط الدولة الاستثمارية.
من جهته، أكد المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، أنه تواصل مع وزارة الصحة حول ما تردد من توزيع وزارة الصحة كبسولات مجانية تسمى «الإمبلانون» تسبب العقم، وذلك في إطار حملات تنظيم الأسرة. وقال المركز إنه تواصل مع وزارة الصحة والسكان، التي نفت تلك الأنباء تماماً، مُؤكدة سلامة وصلاحية الكبسولات المتداولة، وجميع أدوية تنظيم الأسرة ومطابقتها للشروط والمعايير الصحية المطبقة في مختلف دول العالم، وأنها لا تتسبب في العقم على الإطلاق أو أي أمراض أخرى.
وبدا لافتاً أخيراً انتشار أخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع إعلامية بعضها ينتمي إلى جماعة «الإخوان»، التي تعتبرها السلطات المصرية تنظيماً إرهابياً، تتعلق بأحوال معيشية للمواطن المصري؛ لكن سرعان ما يتم نفيها رسمياً ويتبين عدم صحتها. ومنذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي عن الحكم، في يوليو (تموز) 2013 فر المئات من قادة وأنصار «الإخوان» إلى دول خارجية، حيث تم توفير الحماية الكاملة لهم، مع امتلاكهم منصات إعلامية، تُبث من هناك، تهاجم النظام المصري على مدار الساعة.
ونفت مصادر أمنية في وزارة الداخلية المصرية أمس، صحة مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» بشأن وجود تكدس داخل غرفة الاحتجاز بأحد أقسام الشرطة في القاهرة، موضحة أن «أحد المنابر الإعلامية لجماعة «الإخوان» هو من بث مقطع الفيديو الذي يعود لعام 2014. وقامت هذه المنابر بإعادة بثه مرة أخرى بتعليق صوتي حديث، في محاولة لإثارة الفتنة في المجتمع، وتأجيج المشاعر ضد الشرطة المصرية».
وحذر الرئيس عبد الفتاح السيسي في وقت سابق من تعرض بلاده لما اعتبره «خطراً حقيقياً يسعى إلى تدمير الدولة من الداخل، عبر نشر إشاعات تستهدف فقد الأمل، والإحساس بالإحباط، وتحريك الناس للتدمير».
وقال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان) لـ«الشرق الأوسط» أمس، إنه «لا بد من إقرار تشريع يحدد عقوبة مشددة على مروجي الشائعات»، لافتاً إلى أن «مروجي الشائعات هم أكثر خطراً على مصر، ولأن هدفهم إحداث بلبلة وفتنة في المجتمع».
في غضون ذلك، نفت وزارة الكهرباء والطاقة أمس توقف الشركات الأجنبية العاملة بقطاع الكهرباء عن تنفيذ مشروعاتها واستثماراتها. مُؤكدة أن معدلات العمل في كافة مشروعات القطاع - سواء التي تنفذها الشركات الأجنبية أو المحلية - تسير بشكل طبيعي ومنتظم وفقاً للجداول الزمنية المحددة. وأكدت الوزارة حرصها التام على إقامة شراكات مع الشركات الأجنبية في مجال إنشاء محطات نقل وتوزيع الكهرباء، وأهمية تبادل الأفكار والخبرات والتكنولوجيا الحديثة لإنتاج هذه المحطات... كما نفت وزارة التربية والتعليم ما انتشر في بعض صفحات التواصل الاجتماعي بتخصيص سنة دراسية إضافية لتأهيل الطلاب إلى المرحلة الثانوية.
إلى ذلك تابع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري أمس، موقف إنشاء «سد روفيجي» بتنزانيا لتوليد الطاقة الكهرومائية. مؤكداً أن الرئيس السيسي يولي اهتماماً كبيراً لهذا المشروع. وقال المستشار نادر سعد، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، إن المسؤولين عن تنفيذ المشروع أكدوا أنه تم البدء في أعمال الرفع المساحي للمشروع والكشف عن الطبيعة الطبوغرافية للموقع... ومن المتوقع أن يبلغ عدد العاملين في المشروع نحو 5 آلاف عامل في جميع المهن، مضيفاً: إنه تم البدء في أعمال تطهير الموقع من الأشجار المحيطة، وكذا تمهيد الطرق التي تخدم وتسهل عملية الانتقال داخل المشروع، كما تمت مناقشة النقاط المهمة بالمشروع، ومنها التأكيد على ضرورة البدء في تصنيع المولدات مبكراً، وكذا ضرورة اختبارات التربة لإنشاء السد الرئيسي، ومباني المولدات المائية.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء المصري سبق أن زار تنزانيا خلال النصف الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث شارك في احتفالية بمناسبة توقيع عقد إنشاء سد روفيجي بين التحالف المصري «المقاولون العرب– السويدي إلكتريك» والحكومة التنزانية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.