ترمب يتوقع استمرار الإغلاق الجزئي للحكومة «فترة طويلة»

بحث مع إدارته التحديات الاقتصادية والخارجية

ترمب وشانهان خلال اجتماع حكومي بالبيت الأبيض أمس (رويترز)
ترمب وشانهان خلال اجتماع حكومي بالبيت الأبيض أمس (رويترز)
TT

ترمب يتوقع استمرار الإغلاق الجزئي للحكومة «فترة طويلة»

ترمب وشانهان خلال اجتماع حكومي بالبيت الأبيض أمس (رويترز)
ترمب وشانهان خلال اجتماع حكومي بالبيت الأبيض أمس (رويترز)

عقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، أول اجتماع لإدارته في العام الجديد وسط تراجع في الأسواق واستمرار أزمة الإغلاق الجزئي للحكومة. وتطرّق ترمب، الذي كان محاطاً بالقائم بأعمال وزير الداخلية ديفيد بيرناردت، والقائم بأعمال وزير الدفاع باتريك شانهان، إلى قضايا سياسية واقتصادية عدة، بينها سحب القوات الأميركية من سوريا، وقمة محتملة مع زعيم كوريا الشمالية، والمفاوضات التجارية مع الصين.
وبدا ملصق لتغريدة سابقة نشرها الرئيس حول عودة العقوبات الأميركية على إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على طاولة الاجتماعات، وحملت الشعار المستلهم من مسلسل «صراع العروش»؛ «العقوبات قادمة».
وجدد ترمب تأكيده على سحب القوات الأميركية المتواجدة في سوريا «ببطء» وعلى امتداد «فترة زمنية»، عقب الانتصار التي حققته ضد تنظيم داعش الإرهابي. وقال: إن واشنطن ترغب في حماية الأكراد، حتى مع سحب قواتها من سوريا، كما نقلت عنه الوكالات الإخبارية.
إلى ذلك، تطرق الرئيس الأميركي إلى العلاقة مع كوريا الشمالية، وأكد تسلمه «رسالة رائعة» من الزعيم كيم جونغ أون، الذي حذّر قبل يوم من أن بيونغ يانغ قد تغير نهجها إزاء المحادثات النووية إذا أبقت واشنطن على عقوبات ضدها.
وقال ترمب: «تلقيت للتو رسالة رائعة من كيم جونغ أون»، مكرراً القول، إنه لا يزال يتوقع عقد قمة ثانية مع الزعيم الكوري الشمالي بعد توقيع الرجلين على تعهد بنزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية في سنغافورة في يونيو (حزيران) الماضي. وأضاف: «أرسينا علاقة جيدة جداً. ربما نعقد اجتماعاً آخر».
لكن حصة الأسد من تعليقاته كانت من نصيب الإغلاق الحكومي الذي تعاني منه الولايات المتحدة منذ نحو أسبوعين. وأكد سيد البيت الأبيض، أن الإغلاق الجزئي قد يستمر فترة طويلة، مشدداً على تمسّكه ببناء جدار حدودي يمنع المهاجريين غير القانونيين من العبور نحو بلاده. ورجّح تواجد بين 30 و35 مليون مهاجر غير قانوني في الولايات المتحدة، دون توضيح مصدر هذه الأرقام.
ومع دخول الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأميركية يومها الحادي عشر من الإغلاق الجزئي، زاد الرئيس الأميركي ضغوطه على القادة الديمقراطيين لإنهاء مأزق تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك، وذلك بدعوتهم رسمياً إلى اجتماع في البيت الأبيض للتوصل إلى اتفاق ينهي إغلاق الحكومة.
بيد أن الحزب الديمقراطي بدا وكأنه غير قابل بهذا العرض من الرئيس ترمب؛ إذ سيصبح مجلس النواب خلال الأيام المقبلة تحت سيطرتهم بأغلبية في المجلس.
ووجّهت دعوة ترمب التي صدرت في أول يوم رأس السنة الجديدة، إلى أكبر ثمانية زعماء جمهوريين وديمقراطيين في كل من مجلسي النواب والشيوخ. وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، فإن عدداً من مساعدي قادة الحزب الديمقراطي والجمهوري بالكونغرس لن يستطيعوا تلبية الدعوة بسبب الإجازات، وسفر الكثير منهم خارج العاصمة واشنطن.
وذكرت الصحيفة، أن النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب المقبلة، والسيناتور الديمقراطي تشاك شومر زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، قد يعتذران عن الحضور، في حين سيغيب بول رايان في آخر يوم له بالكونغرس.
وألقى الرئيس ترمب، الذي قضى عطلة رأس السنة في البيت الأبيض، ولم يغادر واشنطن إلى منتجعه الشهير في بالم بيتش بفلوريدا، اللوم على الديمقراطيين للإغلاق الجزئي للحكومة. وقال ترمب في تغريدة على حسابه بـ«تويتر»، أول من أمس: «أنا في المكتب البيضاوي، على الديمقراطيين العودة من الإجازة الآن والتصويت لصالح أمن الحدود، بمنح الأصوات الكافية لتحقيقه».
ويبدو أن «حالة العناد» والإصرار على عدم تغيير المواقف في «معركة الجدار» بين الرئيس ترمب والحزب الديمقراطي ستستمر في الأيام المقبلة؛ إذ تعهد ترمب بأنه لن يوقّع إجراءً يعيد فتح الحكومة ما لم يحصل على تصويت الكونغرس بمنح الحكومة الأموال مقابل بناء الجدار، بينما يظل الديمقراطيون معارضين بشدة موقف ترمب.
في هذه الأثناء، تعهد الديمقراطيون من خلال تصريحاتهم لوسائل الإعلام، بالتخطيط لإعادة فتح الحكومة، وذلك بالتصويت على ستة مشاريع قانونية من شأنها تمويل الحكومة حتى شهر سبتمبر (أيلول) من العام الجديد.
كما سيقدمون مشروع قانون منفصلاً من شأنه أن يمول وزارة الأمن الداخلي حتى الثامن من فبراير (شباط) المقبل، عبر مقترحات أخرى غير تمويل الجدار الحدودي الذي يسعى ترمب لوضعه في ميزانية تلك الوكالة.
ولا يبدو أن هذه المقترحات نالت موافقة البيت الأبيض، إذ قالت سارة ساندرز، المتحدثة باسمه، في بيان صحافي أخيراً: إن خطة الديمقراطيين غير مقبولة، وإن الزعيمة نانسي بيلوسي لم تبدأ العمل في منصبها الجديد بشكل جيد؛ «لأنها لا تمول أمننا القومي، وحماية العائلات الأميركية من الاتجار بالبشر والمخدرات والجريمة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟