في سياق شرحه للفرق بين قدرة عشائر الأنبار على طرد تنظيم «القاعدة» من مدن محافظة الأنبار وإعادة الاستقرار إليها عند تشكيل «الصحوات» عام 2007 وقدرتها حاليا في مواجهة «داعش»، يقول الشيخ محمد الهايس، رئيس مجلس أبناء العراق (إحدى فصائل الصحوات الجديدة التي تأسست أواخر العام الماضي بتنسيق مع الحكومة العراقية) لـ«الشرق الأوسط» إن «الأوضاع تغيرت كثيرا بين تلك الفترة وهذه الأيام».
وتابع الهايس «أن محافظة الأنبار ومنذ عام 2005 بدأت تعيش أوضاعا صعبة بسبب (القاعدة) آنذاك وممارساتها الأمر الذي جعل عشائر المحافظة تتكتل من أجل طرد هذه العناصر من مدن المحافظة وبالفعل نجحنا إلى حد كبير جدا بحيث تم فيما بعد وخلال السنوات اللاحقة تحقيق قدر من الأمن والاستقرار في كل العراق تقريبا برغم انتقال بعض خلاياها إلى مدن ومحافظات أخرى».
ويضيف الهايس، وهو شقيق رئيس مجلس إنقاذ الأنبار حميد الهايس الذي لا يزال متحالفا مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أن «الفرق اليوم بين ما حصل في محافظتي نينوى وصلاح الدين عما حصل في الأنبار هو أن عصابات داعش دخلوا أول الأمر باستراتيجية، أو لنقل بتكتيك جديد تمكنوا خلاله من استمالة عشائر وفصائل مسلحة وبعثيين وغيرهم من الجهات في كل من الموصل وتكريت وهو ما لم يحصل في الأنبار برغم أن الدواعش هم الذين أفشلوا أي اتفاقية مع الحكومة بشأن المطالب التي تقدم بها المتظاهرون على مدى أكثر من عام ونصف عندما اختطفوا ساحة الاعتصام». وردا على سؤال بشأن نجاحهم في احتلال الفلوجة وإقامة «إمارة إسلامية» فيها، قال الهايس بأن «هذا الأمر يقترب من أن يكون خدعة فهم تورطوا في الفلوجة وهم محاصرون فيها وقد تقطعت بهم السبل إلى حد كبير والحكومة الآن تقوم بعمليات قصف على مواقعهم»، كاشفا عن «بدء صراعات بين فصائلهم لا سيما مع رجال الطريقة النقشبندية وحزب البعث وهو صراع سيعمل على تفتيتهم تماما»، مشيرا إلى أن «داعش لم تتمكن من اختراق النسيج العشائري داخل الأنبار بالطريقة التي ربما تمكنت فيها في محافظات أخرى حيث لا توجد رؤيا ضبابية فمن هم مع داعش معروفون وهم الأقلية ومن هم ضدها معروفون وهم الأكثرية».
لكن رؤية الهايس، الذي قتل ابنه ليث العام الماضي على يد داعش في الأنبار الأمر الذي أدى إلى حصول مصادمات كبيرة بين الصحوات مدعومة بالقوات الحكومية وعناصر داعش، تبدو متقاربة إلى حد كبير مع الرؤية الرسمية لأن الفصيل الذي يتزعمه تم إنشاؤه بدعم وإسناد حكوميين.
غير أن الشيخ حميد الكرطاني، أحد شيوخ محافظة الأنبار المحايدين، أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «أهالي الأنبار هم من هزم (القاعدة) لأنهم أول من تضرر من ممارساتها لكن الذي حصل منذ أواخر عام 2012 أن الحكومة للأسف خلطت الأوراق عندما لم تتعامل بجدية مع ساحات الاعتصام ومطالب المتظاهرين وتجاهلت ما يجري الأمر الذي انعكس على كل شيء في المحافظة ومن ثم امتد إلى المحافظات الأخرى المنتفضة مثل صلاح الدين وديالى وكركوك وأحياء بغداد السنية والموصل». ويرى الكرطاني أن «رؤية الحكومة اليوم لا تزال كما هي ولم تتغير فهي تنظر إلى ما يجري على أنه كله من عمل داعش ولا تعترف بوجود حراك شعبي ولا تميز بين ثوار العشائر وداعش وهو أمر خاطئ». وفيما ينفي الكرطاني أن يكون هو أحد قادة هؤلاء الثوار إلا أنه يؤكد أن «هناك انتفاضة شعبية ضد الظلم وإن محاولة خلط الأوراق لا تعبر إلا عن سياسة قاصرة»، مؤكدا أن «الحكومة تسعى إلى استمالة العشائر بطريقة فرق تسد بينما العمل على تمزيق النسيج العشائري في المحافظة أو غيرها من المحافظات لن يؤدي إلا إلى المزيد من الإرباك الأمني والسياسي».
وبينما باتت خطط داعش في الأنبار معروفة إلى حد كبير وهو ما جعل التنظيم يركز جهوده الآن على المحافظات الشمالية مع مناوشات في محيط بغداد بوجود خلايا نائمة هناك مع امتداد إلى جرف الصخر التابعة إلى محافظة بابل ذات الأغلبية الشيعية وهو امتداد بات يمثل مخاوف حقيقية للحكومة العراقية والقيادات الشيعية، بما فيها المرجعيات التي تعمل بكل جهد على حماية المراقد الدينية المقدسة للشيعة حتى لا تتحول المواجهات إلى حرب طائفية شاملة، فإن سياسة داعش في محافظتي نينوى وصلاح الدين نجحت إلى حد كبير في استمالة عشائر إلى جانبها مع وجود عشائر أخرى ضدها.
وبينما بدت داعش أقل صلابة عند أول احتلالها الموصل وتكريت عندما جعلت الواجهة في المحافظتين بعثية إلى حد كبير وذلك باختيار محافظين لنينوى وصلاح الدين كلاهما ينتمي إلى عهد صدام حسين فإن خلافاته مع الفصائل المسلحة وثوار العشائر ممن أرادوا أن يكونوا هم لا داعش في الواجهة انطلاقا من السمعة غير الحسنة لها بالقياس إلى تاريخها في سوريا، فإن التنظيم لم يرفع الراية البيضاء أمام الفصائل والعشائر معا وبدأ يقاتل على عدة جبهات في آن واحد: جبهة الحكومة، وجبهة الفصائل المسلحة، وجبهة العشائر التي بدأت تنتفض ضدها. ففي تكريت أكد شيخ عشائر الجبور هناك خميس آل جبارة لـ«الشرق الأوسط» أن «عشائر الجبور وحدها الآن هي من تتصدى لداعش وإن هناك عشائر (لم يسمها) انخرطت مع داعش». لكن الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة الفريق قاسم عطا سمى هذه العشائر التكريتية في مؤتمره الصحافي أول من أمس قائلا إن «أطرافا في عشيرتي البوجواري والخزرج في صلاح الدين بدأوا يقاتلون أبناء جلدتهم مع داعش». الشيخ آل جبارة يضيف أن «موقفنا هذا نابع من قناعتنا بأن هذه العناصر عصابات لا تريد الخير لأحد»، مؤكدا صعوبة «الموقف من حيث عدم توفر الخدمات الأساسية وعدم وجود رواتب وهذه الأمور من شأنها أن تترك تأثيراتها ما لم يجر حلها».
وفي الموصل، أقصى الشمال العراقي، وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول سيد حاضر، أحد شيوخ العشائر هناك، لـ«الشرق الأوسط» بأن «هناك الكثير من المبالغات الإعلامية بشأن الدولة الإسلامية (رافضا تسميتها داعش)، إذ أن العشائر هي التي تتخذ الموقف الذي يناسبها دون إجبار من أحد»، مشيرا إلى أن «الجيش والشرطة ودوائر الدولة انسحبت وعناصر هذه الدولة هم الذين يتولون الآن تقديم الخدمات للناس من دون إكراه». ويضيف سيد حاضر إن «ما نعانيه الآن هو القصف الجوي بالطائرات والذي يستهدف المدنيين العزل ولا وجود لمسلحين في الكثير من القرى والنواحي بل عشائر تريد الحفاظ على وضعها وتأمين قوت يومها في ظل عدم اهتمام حكومي بالناس هنا».
«داعش» نجح في خلط أوراق التجاذبات العشائرية والسياسية لصالحه في العراق
خططه في الأنبار باتت معروفة فحول تركيزها شمالا إلى نينوى وصلاح الدين
عراقيون يعاينون الدمار الذي خلفه قصف لطيران الجيش في الموصل أمس (إ.ب.أ)
«داعش» نجح في خلط أوراق التجاذبات العشائرية والسياسية لصالحه في العراق
عراقيون يعاينون الدمار الذي خلفه قصف لطيران الجيش في الموصل أمس (إ.ب.أ)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة





