تعزيزات عسكرية مصرية على الحدود مع ليبيا

مواقع حرس الحدود في الشرق الليبي نقاط ارتكاز لمتطرفين ومهربي أسلحة

واحدة من نقاط تمركز حرس الحدود الليبي قبالة حدود مصر بعد أن جرى ترميمها ومحاولة تفعيل عملها
واحدة من نقاط تمركز حرس الحدود الليبي قبالة حدود مصر بعد أن جرى ترميمها ومحاولة تفعيل عملها
TT

تعزيزات عسكرية مصرية على الحدود مع ليبيا

واحدة من نقاط تمركز حرس الحدود الليبي قبالة حدود مصر بعد أن جرى ترميمها ومحاولة تفعيل عملها
واحدة من نقاط تمركز حرس الحدود الليبي قبالة حدود مصر بعد أن جرى ترميمها ومحاولة تفعيل عملها

قبيل حلول المساء شد الجندي «جابر» البالغ من العمر 23 عاما خوذته على رأسه وبدأ نوبة المراقبة بمنظار الرؤية المعظم، من أعلى الهضبة الضخمة التي يبلغ ارتفاعها نحو مائتي متر فوق مستوى سطح البحر، وتفصل بين حدود مصر وليبيا وتشرف على البحر المتوسط. تبدو مساحات المياه، بزرقتها الداكنة، واسعة ومخيفة. ووفقا للمصادر الأمنية فقد جرت زيادة القوات المصرية المتمركزة على الحدود الغربية بعد يومين فقط من سيطرة تنظيمات الجهاديين على بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية والواقعة ناحية الشرق، وفي مناطق أخرى قريبة من خط الحدود المصري.
ويمكن بسهولة ملاحظة التعزيزات المصرية بالعين المجردة على الحدود هنا، من آليات عسكرية مع كثافة في حركة العربات والجنود، في وقت يتهم فيه فريق من الليبيين الفريق الآخر بالاستعانة بالمصريين في الحرب على تنظيمات المتشددين داخل بلادهم التي تعمها الفوضى والاقتتال.
ويتخذ الجندي «جابر» موقعه مع ألوف الجنود المصريين الآخرين، على طول الحدود، لكن طبيعة العمل اختلفت الآن. يقول: «نحن الآن كأننا في حالة حرب». ويشير إلى امتداد البحر أمامه حيث تبدو إحدى القطع البحرية المصرية وهي تقوم بمهمتها الجديدة في مراقبة الأجواء، ثم يشير إلى الجنوب حيث تنزلق هضبة السلوم المغبرة التي ينتشر عليها الحصى، بشكل حاد، بما فيها من وديان ومسارب، وترى من بعيد سيارات الجيش ومن فوقها فوهات الأسلحة، وهي تمرق وتثير التراب وراءها، بحثا عن أي متسللين.
وتنخفض هضبة السلوم نحو الجنوب رويدا رويدا، بطول نحو ستين كيلومترا، حتى تتحول إلى مجرد بيداء جرداء تغطيها الرمال والحطب الصحراوي الجاف الذي تراه متناثرا عبر الآفاق الصفراء وكأنه خيالات تتحرك في الفراغ. وفي داخل هذه التجاويف داكنة اللون يبدو أن هناك أيضا آليات عسكرية جديدة ومواسير بنادق لم تكن موجودة من قبل في هذه المواقع.
ومن هنا، وقبل أسابيع من الآن، كان يمر مهربو الأسلحة والمخدرات وكانت تعبر أفواج «الهجرة غير الشرعية».. كان هذا يجري من خلال مسارين؛ الأول فوق التراب، أي عبر الوديان والكثبان الرملية الوعرة بسيارات الدفع الرباعي، من الجهة القبلية.. والثاني من ناحية الشمال، أي فوق ماء البحر، حيث تعبر شحنات السلاح والغرباء تحت جنح الظلام على مراكب صغيرة، ما بين خليج البردي، الواقع تحت السيادة الليبية، وخليج السلوم التابع للدولة المصرية. ويزيد التكوين الجغرافي لهذا الخليج الواسع الممتد على جانبي حدود البلدين، من صعوبة تأمين عمليات التسلل البحري.
ويوجد على الجانب الآخر من السلك الشائك، مخافر ونقاط أمنية ليبية لكنها، في أغلبها، فارغة ومهجورة منذ انهيار نظام معمر القذافي في خريف 2011 حتى الآن، وتحول العديد منها إلى نقاط ارتكاز للجهاديين ومهربي الأسلحة، مما زاد الضغط على الجانب المصري في تأمين الحدود من جانب واحد، وهو عبء اشتكى منه عدد من كبار القادة المصريين لأنه ببساطة يحتاج إلى ملايين الدولارات في بلد يعاني من صعوبات اقتصادية جمة.
ولا توجد مظاهر لحرس الحدود الليبي، فيما عدا نقطة إمساعد شمالا، والتي تعد بمثابة المعبر الرسمي للبضائع والمسافرين بين البلدين. أما فوق الهضبة من الجانب المصري، فقد بدت حالة تأهب وترقب لم تشهدها مدينة السلوم منذ حرب المصريين على ليبيا قبل 35 سنة، كما يقول أحمد حسين، أحد القيادات المحلية في المدينة. ويضيف أنه، وفي الأسبوع الماضي، أي عقب استيلاء تنظيم «أنصار الشريعة» في المنطقة الشرقية من ليبيا على معسكرات في بنغازي، زادت السلطات المصرية من عدد جنودها على الحدود وعززت قدرات الأمن، مشيرا إلى أن ناقلات شوهدت وهي تمر من هنا إلى أعلى الهضبة وبمحاذاة السلك الحدودي، تحمل أسلحة وجنودا وآليات ومعدات.
ويزيد حسين قائلا إن هذا الأمر أشاع فكرة تتردد أصداؤها هنا عن أن مصر تستعد لتوجيه ضربات للمتشددين في الداخل الليبي، لكن أحد كبار المسؤولين الأمنيين في السلوم قال إن «هذا غير صحيح»، مشيرا إلى أن تعزيز قدرات المراقبة يهدف بالأساس إلى كبح جماح التهريب الذي زاد بشكل غير مسبوق نظرا لانتشار السلاح في ليبيا «بلا ضابط ولا رابط».
ويضيف هذا المسؤول أن العشرات من معسكرات الجيش الليبي السابق تركت لعدة أشهر بلا حراسة وتعرضت للنهب، وجرى بيعها في الأسواق، وانتقلت لأيدي المهربين والإرهابيين»، لكنه يوضح قائلا عما يتردد بأن مصر يمكن أن تنفذ عملية عسكرية في الداخل الليبي ضد المتطرفين، بأن هذا «لا توجد عنه تعليمات أو استعدادات، ولا حتى أي مؤشرات.. ما لدينا هي أوامر مشددة بضرورة ضبط وتأمين الحدود.. هذا أصبح أمرا لا بد منه، بسبب الفوضى داخل ليبيا».
ويشكو المصريون من أن غالبية النقاط الأمنية على الجانب الليبي، والمفترض أن يكون فيها جنود ليبيون لمراقبة الحدود وتأمينها من جانبهم، ما زالت ضعيفة، وهو أمر يقر به الليبيون أيضا، خاصة في القطاع الجنوبي ناحية الجغبوب وإلى أقصى الحدود الجنوبية في العوينات، والتي تتلاقى فيها حدود كل من ليبيا والسودان ومصر. ويعتقد أن مئات المقاتلين الأجانب تسللوا من بلدانهم وعبروا إلى داخل الجنوب الليبي إلى مناطق محاذية للحدود، واستغلوا عدة طرق هشة التأمين في التسلل إلى داخل الصحراء الغربية المصرية.. لكن التشديد الأمني من جانب مصر الذي يتركز في السلوم، من ناحيتي الهضبة البحرية والقبلية، أدى إلى أمرين.. الأول انحصار عمليات التهريب والمهربين، والثاني توقيف من حاولوا اجتياز الحدود من المناطق التقليدية القديمة.
ويقول العقيد محمد، أحد ضباط التأمين الحدودي في السلوم: «ألقينا القبض على العشرات خلال الأسبوع الماضي حين كانوا يحاولون تهريب آلاف من الأسلحة إلى داخل البلاد.. صواريخ (غراد) وبنادق من نوع (إيه كيه 47) و(إف إن)، وذخيرة مدفعية، إلى جانب المخدرات والسجائر. وتشير إحصاءات مصرية غير نهائية إلى أن معدل توقيف المهربين، في السابق، كان لا يزيد عن عشرين في المائة أو خمسة وعشرين في المائة، بسبب طول الحدود وصعوبتها، من جانب، وبسبب عدم وجود حرس حدود ليبي، من جانب آخر، لكن معدل الضبط ارتفع خاصة في الشهور الأخيرة ووصل خلال الشهرين الماضيين لأكثر من سبعين في المائة.
ويبلغ طول الحدود البرية المصرية مع جارتها الغنية بالسلاح والنفط والجهاديين أيضا، نحو 1050 كيلومترا. ومنذ أواخر عام 2011، أي مع بداية الفوضى الأمنية التي تعاني منها ليبيا حتى الآن، استغل المهربون وعورة الحدود وصعوبة تأمينها، في التسلل بالسيارات المجهزة ونقل الآلاف من قطع الأسلحة وصناديق الذخيرة والمخدرات إلى داخل البلاد. ويقول العقيد محمد، إن غالبية مهربي السلاح، كانوا يعملون في السابق مهربين للمخدرات، ويستخدمون نفس المسارات والدروب القديمة، سواء بالمراكب البحرية عبر خليج السلوم، أو من خلال وديان الهضبة، أو من ناحية الجغبوب وسيوة والكفرة.
وكشفت المصادر الأمنية المصرية في مدينة السلوم عن أن عملية تأمين الحدود مع ليبيا تنقسم إلى ثلاثة قطاعات؛ الأول يمتد من البحر المتوسط إلى منطقة الجغبوب جنوبا بطول نحو 200 كيلومتر، والثاني من الجغبوب وحتى واحة سيوة بطول حوالي 65 كيلومترا، والثالث من الجغبوب حتى نقطة العوينات بطول 785، ويعد الأخير هو الأصعب تأمينيا وفقا لإفادة مسؤول كبير في وزارة الدفاع المصرية، والذي قال في مقابلة موثقة مع «الشرق الأوسط» إن عبء تأمين القطاع الجنوبي من الحدود يحتاج لطائرات تراقب على مدار الساعة، وهذا أمر مستحيل لأنه ذو كلفة باهظة جدا لا تقدر عليه حتى الدول الغنية.
ومن بين طرق تعزيز القدرات التأمينية على حدودها مع ليبيا، اتخذت مصر إجراءات ضد مسؤولين يشتبه في أن لهم علاقات مع مهربين أو جهاديين. ووفقا لروايات من مسؤولين محليين تجري السلطات المصرية التحقيق في معلومات عن تهاون ضباط أمن، مع مهربين، وذلك بعد نحو شهر من استهداف «إرهابيين» يعتقد أنهم تسللوا من ليبيا لنقطة الفرافرة القريبة من الحدود وقيامهم بقتل 22 من الجنود المصريين هناك.
واطلعت «الشرق الأوسط» على مقاطع فيديو جرى تجميعها من قبل محققين مصريين ويظهر في واحد منها على الأقل قيام ضابط أمن في نقطة على حدود مصر مع ليبيا بالسماح لمهربين بالعبور بعد توقيفهم لعدة ساعات دون القبض عليهم أو إحالتهم إلى جهات التحقيق المختصة.
وقال مصدر قريب من التحقيقات إن ضابط الأمن في هذه الواقعة اكتفى بمصادرة البضائع من المهربين وسمح لهم بالعبور إلى داخل الأراضي المصرية. وعما إذا كانت هناك شبهة في علاقة الضابط المشار إليه بالمهربين أو الجماعات المتشددة التي تنشط عبر الحدود، قال المصدر إن هذا احتمال مستبعد لأن المهربين عدوا مصادرة البضائع منهم عملا عدائيا من جانب الضابط، وقاموا بإطلاق النار عليه فيما بعد انتقاما منه.
ويطلق الليبيون على التنظيمات المتشددة في داخل البلاد اسم «دواعش» نسبة إلى ما يعرف بتنظيم «داعش».. وزادت مخاوف القاهرة أكثر من السابق بعد أن أعلنت مواقع إلكترونية تابعة للجهاديين أن «داعش» موجودة في مصر، وستنفذ عمليات انتقامية ضد الجيش والشرطة خلال الفترة المقبلة. وجاء هذا الإعلان الذي لم يعرف مصدره الحقيقي، بعد أيام من فرض تنظيم أنصار الشريعة الذي يرفع علم تنظيم القاعدة الأسود ويشبه «داعش» في سلوكه الدموي، هيمنته على مدينتين رئيستين في شرق ليبيا، هما بنغازي ودرنة.
ويقول مسؤول أمني ليبي على الحدود الشرقية من البلاد، إنه جرى نقل تحذيرات للجانب المصري، عن طريق لجنة مختصة بالتعاون بين الجانبين، عن نشاط لجهاديين ليبيين وعرب على الجانب الغربي من حدود مصر، ويضيف أن القسم الأول من هذه المعلومات جرى إبلاغه للمصريين في مطلع يونيو (حزيران) حين كان الجهاديون في ليبيا يشعرون بأنهم يخسرون شعبيتهم، ويتجهون للاستعانة بقوة السلاح، ويعدون العدة لإفشال انتخابات البرلمان الجديد. وأن هذه المعلومات تضمنت تحذيرات من أن مقاتلين ليبيين وأجانب يستغلون «الهشاشة الأمنية» على الحدود من الناحية الجنوبية، لتنفيذ أعمال تخريبية في الداخل، والهجوم على معسكرات مصرية بشكل مفاجئ وخاطف، مثلما حدث على يدي «داعش» في شمال غربي العراق.
ويضيف المسؤول الليبي في رواية مسجلة لـ«الشرق الأوسط» إن هذه التحذيرات جرى إبلاغها للمصريين قبل نحو شهر من تنفيذ «الإرهابيين» لهجوم مسلح على نقطة الفرافرة في الواحات المصرية قرب الحدود مع ليبيا الشهر الماضي، إلا أن الجانب المصري قلل من شأنها وقال إن الحدود مؤمنة بشكل قوي. ويقول إن القسم الثاني من التحذيرات التي جرى إبلاغها للمصريين، كانت تتعلق بخطورة تعرض القوى المدنية، وعلى رأسها قوات «عملية الكرامة» بقيادة اللواء خليفة حفتر، لهزيمة على أيدي المتطرفين «الذين تحالفت معهم جماعة الإخوان المسلمين لحكم ليبيا بالقوة، سواء فيما يتعلق بالحرب الدائرة الآن في طرابلس أو الدائرة في بنغازي بالمنطقة الشرقية»، مشيرا إلى أن المصريين «ردوا على طلبات ليبية بدعم حفتر، بفتور، بينما في مثل هذه الحروب والمواجهات إذا لم تقدم يد العون سريعا فسيتعرض صديقك للخسارة».
ورفضت مصادر مسؤولة في الحكومة المصرية تأكيد أو نفي هذه الرواية. لكن اللغط زاد في القاهرة على مستويات عليا، خلال الأيام الأخيرة، بشأن ما ينبغي عمله لصد أي خطر قد يأتي من ناحية الغرب.
وشارك العقيد المصري محمد، ضمن لجنة التنسيق المشترك، مع وفد عسكري ليبي، يرأسه العقيد سالم الرفادي، آمر المنطقة العسكرية في شرق ليبيا. ويعد الرفادي من المؤيدين لـ«عملية الكرامة» ضد المتشددين. وتعرض حفتر لخسارة فادحة بعد أن سيطر «أنصار الشريعة» على معسكرات ومقار أمنية في مدينة بنغازي الأسبوع الماضي. كما أصبح رجال الأمن المصريون على الحدود ينظرون بـ«قلق بالغ» من احتمال تنفيذ المتطرفين في المنطقة الشرقية من ليبيا، لهجوم مباغت على معسكرات مصرية مثل هجوم نقطة الفرافرة، وفقا للعقيد محمد، مشيرا إلى أن المتشددين يسيطرون على مدينة درنة التي جرى إعلانها كإمارة إسلامية أخيرا، وهي أقرب المدن إلى مدينة «طبرق» التي تعد بوابة ليبيا الشرقية وتبعد عن حدود مصر بنحو 150 كيلومترا فقط، ناهيك عن مواقع ارتكاز أخرى للمتشددين في عمق الصحراء الليبية بالقرب من حدود مصر، خاصة في المنطقة الجنوبية الوعرة.
وعلى خلاف العمل المحدود الذي كان يقوم به أمراء الحرب والجهاد في درنة على الأرض، بقيادة السجين السابق في غوانتانامو، المدعو سفيان بن جومة، توجد الآن قصص وحكايات عن تنامي نشاط المتشددين حول «طبرق» سواء من ناحية الميناء البحري في الشمال أو قرب المطار الجوي في الجنوب، كان آخرها زيارة «بن جومة» للمنطقة، لكن العقيد محمد يقول إن الجانب الأمني الليبي لم يؤكد اقتراب «بن جومة» من حدود مصر، وقال إن المسؤولين الليبيين في منطقتي «طبرق» و«البطنان» أرجعوا انتشار هذه الأقاويل حول «بن جومة» في المنطقة، إلى مخاوف المواطنين في المدن الليبية القريبة من مصر، من تمركز المتشددين في ديارهم. وعلى غرار ما تقوم به عناصر «داعش» في العراق، شوهد «بن جومة» وعدد من أنصاره وهم يقطعون رؤوس خصومهم ويمثلون بجثثهم. ويضيف العقيد محمد: «طبعا نحن نراقب كل هذا.. هذا مقلق».
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تشعر فيها القاهرة بالانزعاج من جانب الحدود الغربية، وتبدأ في حشد استعدادات قتالية كبيرة.. ففي عام 1977 قامت القوات المصرية بقصف مواقع في الشرق الليبي واحتلت أراضي هناك لعدة أيام، بسبب خلافات بين معمر القذافي وأنور السادات حين بدأ الأخير يعد لتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو ما أغضب القذافي وجعله يطرد نحو ربع مليون مصري يعملون في بلاده، ويهدد بالزحف الليبي إلى القاهرة.
وفي الوقت الحالي تقول تقارير أمنية مصرية إن الجانب الآخر من الحدود، داخل الأراضي الليبية، هش ودون فاعلية تذكر. وإنه لهذا لم تعد قنوات الاتصال مع الجانب الليبي تقتصر على أجهزة الجيش والأمن محدودة الفاعلية، ولكنها امتدت لتشمل التنسيق مع شيوخ قبائل ووجهاء بالمنطقة ولجان ثورية. وتتميز المنطقة الشرقية، فيما عدا قطاعات في بنغازي ودرنة، بمعاداة المتشددينالمتشددين، وتأييد حفتر، لكن فاعلية خصوم المتشددينعلى الأرض وعلى الحدود المواجهة لمصر، ما زال ضعيفا. ويقول الشيخ عبد الله أحمدية، أحد أبناء قبيلة «المنفة» التي ينتمي إليها المجاهد الليبي التاريخي عمر المختار: «شباب الثورة شكلوا لجانا للمساعدة في حماية الحدود مع مصر لكن لا توجد لدينا سيارات ولا أسلحة ولا أموال».
ومنذ الإطاحة بنظام القذافي لم يعد في مقدور الحكام الجدد في طرابلس الغرب بسط سلطانهم على حدود البلاد مترامية الأطراف. وبينما يتناوب عشرات الجنود وموظفو الجوازات والجمارك من الليبيين على تشغيل منفذ إمساعد البري (الليبي)، المواجه لمنفذ السلوم (المصري)، يبدو الأمر مأساويا على طول الحدود البرية مع مصر، من البحر المتوسط شمالا حتى الحدود مع السودان في الجنوب. وتعاني كتيبة حرس الحدود «كتيبة 418» من نقص في التجهيزات وتأخر رواتب الجنود.
ويقول الضابط فوزي عبد ربه، وهو آمر سابق في الكتيبة الحدودية الليبية إنه يئس من الاستمرار في العمل مع منتسبي حرس الحدود، لأنه لم يتمكن طوال أكثر من سنة من إقناع الحكومة بصرف رواتب القائمين على التأمين هنا. ويضيف: «كتبنا لهم عشرات الرسائل دون جدوى.. ونحن نعرف السبب، وهو سبب سياسي، لأن من في أيديهم صرف الرواتب وتخصيص الإمكانات العسكرية التي نحتاجها، يعتقدون أننا غير موالين لهم. في الحقيقة نحن نعمل من أجل الوطن ولا علاقة لنا بالصراع السياسي».
ورغم أن مصدرا في الحكومة الليبية قال إنه جرى تخصيص أكثر من ثلاثين مليون دولار في الشهور الماضية، كرواتب للقائمين على حراسة الحدود مع مصر، فإن هذه الأموال يبدو أنها تذهب إلى جيوب أمراء الحرب من قادة الميليشيات الموالية للإسلاميين المهيمنين على أعمال البرلمان المنتهية ولايته (المؤتمر الوطني) والحكومة. ويوضح الضابط عبد ربه أن أهالي المناطق الحدودية الشرقية يرفضون وجود أي ميليشيات للإسلاميين المتشددين، ومع ذلك تعتمد الحكومة على أولئك المتشددينفي تأمين الحدود، ومع أننا طردناهم من هنا، فإنها ما زالت تصرف لهم الرواتب من خزينة الدولة، وذلك حتى بعد أن أصبحوا يوجهون كل قوتهم للاستيلاء على مدينة بنغازي ومحاربة أي محاولة لتشكيل جيش وشرطة وطنيين.
وترك الخدمة في حراسة الحدود الليبية الشرقية، مع الضابط عبد ربه، مئات الجنود الآخرين خاصة أولئك الذين لم يتحصلوا على رواتبهم الشهرية منذ الإطاحة بنظام القذافي حتى الآن.. «ولم تصرف لهم قطعة سلاح واحدة.. توجد عشرات النقاط الحدودية أصبحت مهجورة»، كما يقول عبد ربه. وفي مقابل هذه الظروف، ازدادت سطوة المهربين والمتطرفين ممن يمتلكون الأموال والسلاح وسيارات الدفع الرباعي.. «هم أقوى من حرس الحدود الليبي، ولا يتورعون عن إطلاق النار على من قد يفكر في اعتراض طريقهم. يعملون في كل شيء. من تهريب الصواريخ إلى تهريب الناس».
ويقول ممثل لمديرية الأمن في طبرق، يدعى الضابط علي، إن «عملية الكرامة» التي أطلقها اللواء حفتر في مايو (أيار) الماضي ضد المتشددين الإسلاميين، شجعت رجال الجيش والشرطة في طبرق وإمساعد، ممن كانوا يعملون مع الجيش الليبي القديم، للعودة إلى أعمالهم من جديد، لحفظ الأمن في البلاد.. «خاصة المنفذ البري والنقاط الحدودية مع مصر، وليس من أجل أي شيء آخر، كما يردد المتطرفون الذين يريدون إيهام الرأي العام أن كل من كان منتسبا للجيش السابق هو تابع بالضرورة لنظام القذافي، وهي مزاعم غير حقيقية».
ويضيف: «قلنا لليبيين في رسالة موجهة إلى الكافة، نحن تنادينا من أجل أن نعاود العمل لخدمة الجميع، أما السياسيون فليفعلوا ما يشاءون. ليست لنا علاقة بمن يفوز في الانتخابات أو لا يفوز فيها. مهمتنا أن نحافظ على منافذ ليبيا وحدودها».
ويتردد بين الليبيين أن المتشددين، تحت ستار سياسي من جماعة الإخوان المسلمين، يحاولون السيطرة سريعا على مقدرات الدولة الليبية بقوة السلاح بعد أن خسروا معركة الانتخابات الأخيرة في البرلمان الذي لم يبدأ أعماله الرسمية بعد. ومن بين الأهداف الحيوية لميليشيات الإسلاميين، المطارات والحدود والمرافق الرئيسة، لكن مجموعات الضباط والجنود خاصة من الكتيبة 418 بحرس الحدود الليبية في شرق البلاد ما زالت تحث منتسبيها القدامى على العودة للعمل لمواجهة «مخططات الفئة الباغية» في إشارة إلى المتطرفين. وعما إذا كانت الوحدات الصغيرة الموالية لحفتر والتي تحاول تأمين الحدود الشرقية مع مصر تتلقى أي دعم من المصريين، يقول عبد ربه إن هذا لم يحدث، وإن الوفود الأمنية الليبية التي زارت المسؤولين المصريين على الجانب الآخر من الحدود، ناقشوا فقط التعاون بين الجانبين فيما يتعلق بمنع التهريب، لكنه أشار إلى أن «مصر لم تعد تخشى تهريب السلاح والمخدرات وغيرها من السلع فقط، بل أصبح لديها مخاوف حقيقية من سيطرة المتشددين».



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».