معارض الكتب بين الثقافة والتسويق والفولكلور

الجانب الوردي منها يجب ألا يحجب الكثير من الجوانب السلبية

جانب من معرض بيروت للكتاب في دورته الأخيرة 2018
جانب من معرض بيروت للكتاب في دورته الأخيرة 2018
TT

معارض الكتب بين الثقافة والتسويق والفولكلور

جانب من معرض بيروت للكتاب في دورته الأخيرة 2018
جانب من معرض بيروت للكتاب في دورته الأخيرة 2018

ليس أمراً بلا دلالة أن تحتفظ معارض الكتب بكل هذا القدر من الاهتمام، وأن تحتضن بين جنباتها وافدين كثراً من مختلف الأعمار والانتماءات السياسية والشرائح الاجتماعية. وسواء كان أولئك الوافدون مدفوعين إلى المكان بسبب تعطشهم إلى المعرفة والاطلاع، أو رغبة في تزجية الوقت، أو بغية التواصل الاجتماعي والإنساني، فإن الأمر في الحالين يؤشر إلى المكانة المرموقة التي لا يزال يحتلها الكتاب في أذهان الناس ووجدانهم العميق، رغم كل العثرات والمعوقات التي تعترض هذه المكانة، ورغم المنافسة غير المتكافئة بينه وبين وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث العملاقة. ولعل تلك الحشود الغفيرة التي تتقاطر باتجاه المعارض ما هي إلا الشهادة الدامغة على مكانة الكتاب الورقي المطبوع في دواخل الناس، وعلى الطمأنينة الروحية التي يصعب أن توفرها لهؤلاء شاشات الكومبيوتر والوسائط المعرفية الأخرى. فلا شيء يمكن للتكنولوجيا أن تفعله إزاء ذلك الدفء الرحمي الحميم الذي تغمرنا به قاعات المعارض المختلفة ما إن نطأ عتبات أبوابها ونغوص في بهوها الواسع. ولا غبطة توازي تلك الغبطة التي يوفرها لنا التجول البطيء في ردهات المعارض ومتاهاتها المحيرة. ولا بريق يضاهي بريق تلك الأغلفة المتراصفة التي تلمع كبطاقات المعايدة قبالة أعيننا المترعة بالنهم والفضول.
قد يكون للحشود المتقاطرة إلى معارض الكتب دور فعال في منح الأماكن التي تشغلها المعارض ألفتها وبهجتها ونكهتها المميزة. ذلك أن المعارض الخاوية أو شبه الفارغة من الزائرين تمنحنا شعوراً معاكساً بالضيق والتبرم والوحشة، أو تشعرنا بنوع من الفوبيا الخاصة الناجمة عن التفاوت الجلي بين الجسد الفردي المحدود وبين الفضاء غير المحدود للردهات الشاسعة، كما أن خلو المعارض من الزائرين يضعنا، عن وعي أو غير وعي، إزاء نوع آخر من التفاوت القائم بين محدودية الحياة وبين لا نهائية الكتب، التي تحتاج قراءتها إلى أعمار كثيرة لا قبل لنا بامتلاكها. وإذا كان الشعور بقصر الحياة مقابل وفرة الكتب يمكن له أن يتولد من وقوفنا أمام مكتبات بيوتنا الخاصة، فإنه في المعارض عرضة للتنامي والتفاقم دون شك. فمكتبات البيوت، على ما يقول أحد الكتاب، تشبه الحدائق المنزلية التي لا يتصل التجول فيها بغير البهجة والاستمتاع، فيما أن المعارض الكبرى تشبه الغابات التي تخلف متاهاتها الشائكة شعوراً بمتعة الاكتشاف من جهة، وشعوراً بالرهبة والضياع، من جهة أخرى. ولعل المعارض في بعدها الدلالي الأعمق هي نوع من القيامات الرمزية لآلاف الكتّاب والمبدعين الذين تركوا لنا، على شكل كتب ومصنفات، عصارات تجاربهم وثمار عقولهم وخلاصات أعمارهم، قبل أن توارى أجسادهم في غيابة التراب. إلا أن ما ينتابنا لدى تصفح الكتب من أحاسيس ليس الحزن على رحيل المؤلفين، بل الفرح بما خلفوه لنا من هدايا وعطاءات، والرغبة في إعادتهم إلى الحياة عبر قراءة أعمالهم ونتاجاتهم الإبداعية.
على أن شراء الكتب واقتناءها ليس هدف الناس الوحيد من زيارة المعارض، إذ ثمة من يأتي بهدف الهروب من واقعه البائس أو نمط حياته المضجر، مكتفياً بالتفرج على الواجهات المزدانة بمئات العناوين التي يحول غلاء الأسعار بينه وبين اقتناء أي منها. وثمة من يأتي للقاء بأصدقاء له لا يكاد يلتقي بهم إلا مرة كل عام. وثمة من يأتي بحثاً عن صدفة غريبة ونادرة تجمعه بحب قديم أضاعه على غفلة من الزمن. تكتسب كافتيريا المعارض من هذه الزاوية أهمية قصوى تذكّرنا بتلك التي يلتقي فيها طلاب الجامعات، بحثاً عن فسحة زمنية للتخفف من عناء الدراسة، أو رغبة في التواصل الإنساني وتشاكي الهموم السياسية والاجتماعية والعاطفية. ففي تلك الأماكن الغائصة في أحشاء المعارض تتلقف الأحاديث والحوارات المختلفة كل ما يدور في الخارج من وقائع ومجريات، وما يُعده القيمون على العالم من خرائط وهندسات للهيمنة والاستحواذ. وتنعقد في الوقت ذاته جلسات طويلة للمسامرة وإطلاق النكات وتذكّر الأزمنة المنقضية. وقد تشرع قصص غرامية في التكون، أو تتجدد قصص أخرى ظن أطرافها أنها قد دُفنت إلى غير رجعة. هكذا يتحول كل معرض إلى كرنفال بشري متنوع الأهداف والمقاصد، أو إلى فرصة سنوية دورية للإشاحة بالوجه عن بؤس الحياة اليومية، كما عن فساد الواقع المعيش واهترائه، حيث لا يبقى أمام الكثيرين بالتالي سوى البحث عن بقعة أخيرة للأمان، أو عن مكان نظيف لا تؤثثه سوى عقول المفكرين وأقلامهم وإبداعاتهم المتنوعة.
لا يعني ذلك بأي حال أن الجانب الوردي من معارض الكتب يمكن أن يحجب عن أعيننا الكثير من الجوانب السلبية المقابلة، ومن الهنات والآفات التي تشهدها المعارض العربية على نحو خاص. وإذا كان بعض هذه الآفات متصلاً بعزوف الجمهور العربي الملحوظ عن القراءة، فإن بعضها الآخر يتصل بالانحدار المطرد لمستويات الكتب والإصدارات التي لا تكف معظم دور النشر عن طباعتها وضخها في الأسواق لغايات تجارية بحتة، وبمعزل عن المستوى الفكري والإبداعي لهذه الإصدارات. فالقلة من الناشرين هي التي لم تزل تأبه لمستوى العمل المقدم إليها، أو تعنى بتكليف لجان متخصصة في قراءة الأعمال وإجازة نشرها، فيما الكثرة الكاثرة لا تهتم إلا باستعادة تكاليف الطباعة وجني الأرباح عن طريق حفلات التوقيع التي تنتشر كالفطر في كل زاوية، وتستهلك وحدها معظم المبالغ التي يخصصها الرواد لتلك المناسبة السنوية المنتظرة. ولم يعد بالأمر المتعذر أن تتصدر أعمال الكثير من الكتاب الرديئين قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، طالما يستطيع هؤلاء أن يحولوا حفلات توقيعهم إلى تظاهرات حاشدة تشارك فيها «جحافل» المبايعين من أبناء العشيرة أو الطائفة أو الحزب. وفي ظل هذه الحفلات التي تشبه الفخاخ المنصوبة للعابرين أشار علينا أحد الظرفاء، ذات معرض منصرم، بأن نستعين ببعض المرشدين ومستطلعي «الكمائن» المنتشرة بين الأروقة، بغية استطلاع الطرق الآمنة التي تجنبنا الوقوع في الأشراك وتكبد الخسائر الفادحة. وفي ظل غياب المتابعات النقدية والانكفاء شبه التام للصحافة الثقافية، كما في ظل الاستسهال غير المسبوق لتأليف الكتب وتلفيقها، لم تعد للكلمة المطبوعة تلك الهالة من «القداسة» التي طالما أحيطت بها قبل عقود من الزمن. هكذا باتت حفلات التوقيع ظاهرة اجتماعية وتسويقية أكثر من كونها ظاهرة ثقافية للاحتفال بالقيمة الإبداعية المضافة التي ينبغي أن يمثلها كل إصدار جديد. كما باتت معظم الندوات والأنشطة الثقافية الموازية نوعاً من الردح الزجلي والمجاملات المتبادلة بين المعنيين.
على أن هذه الهنات والثغرات، على أهميتها، لا يمكن لها أن تصرفنا عن حقيقة ما توفره لنا المعارض من فرصة نادرة للالتقاء بذواتنا المغيبة خلف قشور العيش وسطوحه الخلبية. فنحن هنا في ضيافة الكتّاب الموتى والأحياء الذين وأدوا حيواتهم الوحيدة والقصيرة ليقدّموا لنا على أطباق من كلمات كل ما ابتكرته مخيلاتهم من ثمار المعرفة وورود المجاز.
وليس غريباً والحالة هذه أن يرى الكاتب الأرجنتيني خورخي بورخيس الفردوس بوصفه مكتبة كونية هائلة تضم بين جنباتها ملايين الكتب والمؤلفات، وتوفر للفائزين بها كل ما يتوقون إليه من نشوة الروح وثمل الحواس. أما نحن المدمنين منذ يفاعتنا المبكرة على حضور المعارض، فقد بتنا ننتظر عودتها بفارغ الصبر، ونقيس بواسطتها أعمارنا المتسارعة، حتى ليسأل أحدنا الآخر: «كم بلغتَ من العمر؟»، فيجيبه الآخر قائلاً: «خمسين معرضاً للكتاب!».


مقالات ذات صلة

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق «جدة تقرأ» عنوان معرض الكتاب 2024 (المركز الإعلامي)

الكتاب الورقي ينتصر على الأجهزة الرقمية في معرض جدة

في ظل التطور التقني والاعتماد المتزايد على الكتب الإلكترونية، حسم زوار معرض جدة للكتاب 2024 الجدل لصالح الكتاب الورقي

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق دور النشر شهدت إقبالاً كبيراً من الزوار من مختلف الأعمار (هيئة الأدب والنشر والترجمة)

«جدة للكتاب»... مزيج غني بالمعرفة والإبداع بأحدث الإصدارات الأدبية

يعايش الزائر لـ«معرض جدة للكتاب 2024» مزيجاً غنياً من المعرفة والإبداع يستكشف عبره أحدث الإصدارات الأدبية، ويشهد العديد من الندوات وورش العمل والجلسات الحوارية.

إبراهيم القرشي (جدة)

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية
TT

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني في المنامة. تحوي هذه المجموعة البديعة عدداً من العقود المصنوعة من الأحجار المتعدّدة الأنواع، كما تحوي بضع قطع ذهبية تتميّز بأسلوبها الفني الرفيع، أبرزها زوج من أقراط الأذن المرصّعة بالأحجار الكريمة.

تعود هذه المجموعة المتنوعة من الحليّ إلى الحقبة التي عُرفت فيها البحرين باسم تايلوس، وهو الاسم الذي أطلقه المستكشفون الإغريقيون على هذه الجزيرة في القرن الثالث قبل الميلاد. امتدت هذه الحقبة على مدى ستة قرون، بلغت خلالها البحرين درجة عالية من الصقل الثقافي، كما تشهد اللُّقَى الكثيرة التي خرجت من تلال مقابرها الأثرية. ضمّت هذه اللُّقَى مجموعة هائلة من الأواني الفخارية والزجاجية الجميلة، كما ضمّت مجموعة من الحليّ المتنوعة الأشكال والأنواع. لا تحمل هذه الحليّ في الظاهر أي طابع جنائزي، غير أن موقعها يشير بشكل لا لبس فيه إلى أنهّا شكّلت جزءاً من أساس هذه القبور. رافقت هذه الحليّ أصحابها إلى مثواهم الأخير لكي يتزينوا بها في العالم الآخر، ولم تقتصر هذه الزينة على النساء من علية القوم، بل شملت كذلك الرجال والأطفال، كما تُجمع الدراسات العلمية الخاصة بهذه المقابر المثيرة.

حضرت الأدوات المنزلية بقوة في هذا الأثاث الجنائزي، كما حضر بعض القطع النقدية، ممّا يوحي بأن العقائد السائدة في هذا المجتمع كانت تُقرّ بأنّ الحياة تستمر وتتواصل في العالم الآخر. كان دفن الميت يتمّ بعد إلباسه أفضل وأثمن رداء، كما يُستدل من الأكفان التي تمثّلت في عدد هائل من الملابس والإبر والدبابيس، وكان الميت يُزيّن بالحليّ التي تعدّدت أنواعها، مما يوحي بأن هذه الحليّ شكّلت جزءاً من هذا الرداء، وتمثّلت في العقود والأساور والخواتم والأقراط التي جمعت بين الأشكال والخامات المعروفة كافة. حوى هذا الأساس كذلك مجموعة من المراهم وأدوات التجميل، وذلك كي يستمر ساكن القبر في الاعتناء بمحياه بعد أن يتمّ تزيينه قبل الدفن، وحوت هذه الأدوات الخاصة بالزينة مجموعة من أنابيب الكحل والأمشاط النسائية. تضمّ هذه المجموعة الكبيرة من الحليّ في الدرجة الأولى عدداً كبيراً من العقود المكونة من أحجار متعددة، منها ما تُعرف بالكريمة، ومنها ما تُعرف بشبه الكريمة. من الأحجار الكريمة، يحضر الجَمَشْت الذي يُعرف بالعربية بالحجر المعشوق، ويمتاز بلونه البنفسجي السماوي، والبِجَادِيّ الشبيه بالرمّان، والعقيق بأنواعه متعددة الألوان، والجَزْع الشهير بالأونيكس. ومصدر هذه الأحجار بلاد ما بين النهرين، ووادي النيل، ونواحي باختر التي تُعرف اليوم بالبلخ. في المقابل، تحضر اللآلئ من تايلوس، وهي الجزيرة الغنية بهذه الأحجار، كما أشار بلينيوس الأكبر في الكتاب السادس من موسوعته «التاريخ الطبيعي». من الأحجار شبه الكريمة، تحضر الأحجار الزجاجية والصابونية والخزفية، إلى جانب الأصفاد المتنوعة، بشكل مستقل في بعض القطع، وتحضر إلى جانب الأحجار الكريمة في البعض الآخر.

تشكّل هذه الأحجار المختلفة مادة لحليّ متنوعة، منها ما هو مستورد، ومنها ما هو محليّ، ومنها ما يصعب تصنيفه. يغلب الطابع التجريدي على الجزء الأكبر من هذه الحليّ، ويحضر الطابع التصويري في عدد محدود منها، كما في مجموعة من الحِرْز المصوغة على شكل عناقيد العنب. خرج عدد من هذه الحِرْز من مقبرة «كرانة»، وخرج البعض الآخر من مقبرة «سار»، وتتبنّى طرازاً معروفاً يرمز كما يبدو إلى الخصوبة، وهذا الطراز معروف في الشرق الأدنى، وقد بلغ كما يبدو شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، كما تشهد مجموعة مشابهة من الحِرْز عُثر عليها في موقع الدُّور التابع لإمارة أم القيوين.

مجموعة متنوعة من الحليّ تعود إلى حقبة تايلوس

إلى جانب هذه القطع المتنوعة، يحضر الذهب في مجموعة من القطع، خرج القسم الأكبر منها من مقبرة «الشاخورة» في المحافظة الشمالية. أشهر هذه القطع زوج من أقراط الأذن المرصّعة بالأحجار الكريمة، يتميّز بطابعه التصويري المجسّم. يتكوّن كل قطر من ثلاثة عناصر مترابطة كسلسلة، ويبلغ طول هذه السلسلة 8 سنتمترات. يأخذ العنصر الأول شكل طفل مجنّح يمتطي جدياً، وهذه الصورة معروفة في العالم الهلنستي المتعدد الأقطاب، وتمثّل إيروس، سيّد الرغبة المتّقدة في الميراث الإغريقي، ممتطياً جدياً يثب في الفضاء. تحلّ هذه الصورة في طرف حلقة قرط الأذن، وتبدو أشبه بمنحوتة ذهبية منمنمة صيغت بمهنية عالية، وفقاً لناموس الجمالية اليونانية الكلاسيكية التي تحاكي الواقع الحسي بشكل مطلق. من هذه الحلقة، يتدلّى العنصر الثاني، وهو على شكل دائرة ذهبية مرصّعة بحجر نفيس مجرّد. ومن هذه الدائرة، يتدلّى العنصر الثالث، وهو على شكل إناء يوناني تقليدي، عنقه وقاعدته من الذهب، وقالبه الأوسط من حجر لازوردي.

يبرز كذلك خاتم يحمل في وسطه حجراً نفيساً نُحت على شكل وجه آدمي في وضعية جانبية، وفقاً لطراز يُعرف باسم «قميو». شاع هذا الطراز في ميدان الفنون الفاخرة الكبرى بشكل واسع على مدى عصور، وتكرّر ظهوره بشكل مشابه على رقائق من الذهب، خرج بعضها من مقبرة «الشاخورة»، والبعض الآخر من مقبرة «أبو صيبع» المجاورة لها. مثل صورة إيروس ممتطياً الجدي، المنقوش على حجر ناعم بطابعها الكلاسيكي الصرف، وتمثّل رجلاً حليق الذقن مكللّاً برباط معقود حول هامته.