508 أجانب بين المتهمين بالانتماء إلى {داعش} في العراق

TT

508 أجانب بين المتهمين بالانتماء إلى {داعش} في العراق

على الرغم من مرور أكثر من عام على إعلان الحكومة العراقية هزيمة «داعش» والانتصار عليه عسكرياً، فإن الصفحة القاسية لهذا التنظيم الإرهابي الذي سيطر على نحو ثلث الأراضي العراقية عقب يونيو (تموز) 2014، ما زالت مفتوحة على أكثر من صعيد، سواء على صعيد أعداد المعتقلين الأجانب الصادر بحقهم أحكاماً قضائية، أو أطفالهم بعد مقتل أو سجن آبائهم وأمهاتهم داخل الأراضي العراقية، أو على صعيد صفحة المقاتلين الذين ما زالوا ناشطين ولم تتمكن القوات الأمنية من قتلهم أو اعتقالهم، الذين يقدّر عددهم بنحو ألفي مقاتل طبقاً لبعض التقديرات. في غضون ذلك، تؤكد مصادر رسمية مطلعة، أن العراق سلّم نحو 30 طفلاً من أبناء المقاتلين الأجانب في صفوف «داعش» إلى مبعوثة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشؤون الطفولة آنا كازنتروفا أثناء زيارتها للعراق أول من أمس، ولقائها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي. كان رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي أعلن في 9 ديسمبر (كانون الأول) 2017، الانتصار عسكرياً على «داعش» بعد قتال شرس ضده خاضته القوات العراقية لنحو 3 سنوات. وفي آخر تطور المقاتلين في صفوف «داعش» من الأجانب في العراق، أصدر القضاء العراقي أمس، إحصاءً مفصلا عن عدد المتهمين الأجانب بالانتماء إلى تنظيم داعش الإرهابي خلال فترتي احتلال وتحرير محافظة نينوى. وقال القاضي عبد الستار بيرقدار، المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى في بيان: إن «أعداد المتهمين بالانتماء إلى تنظيم داعش خلال احتلال محافظة نينوى وبعد التحرير والذين ألقي القبض عليهم بلغ 616 متهماً تمت محاكمتهم، فضلاً عن 99 متهماً ما زالوا قيد التحقيق والمحاكمة، وهذه الأعداد تشمل المتهمين من الذكور والإناث، وكذلك الأحداث». وفي التفاصيل، ذكر البيرقدار، أن «عدد المتهمين الأجانب الذين ثبت انتماؤهم إلى (داعش) الإرهابي والذين تمت محاكمتهم بلغ 508 صدرت بحقهم أحكاماً وفق قانون مكافحة الإرهاب العراقي، وبلغت نسبة الإناث منهم 466، والذكور 42، وبلغ عددهم الأحداث منهم 108 مدانين، 31 من الذكور و77 من الإناث».
وأشار المتحدث الرسمي إلى أن «أعداد المتهمين من أفراد التنظيم الأجانب ممن ما زالت قضاياهم قيد التحقيق من الذكور وصلت إلى 24 متهماً، في حين وصلت أعداد الإناث إلى 67 متهمة، فضلاً عن متهمين اثنين من الذكور و6 متهمات من الإناث ما زالت قضاياهم قيد المحاكمة». ولم يشر البيرقدار إلى العقوبات التي تنتظر المدانين وفقاً للقضاء العراقي، كما لم يذكر الجنسيات التي ينتمون إليها، لكن المعروف أن قانون مكافحة الإرهاب العراقي تتراوح أحكام المدانين استناداً إليه بين الإعدام والسجن المؤبد، كما أن المقاتلين الأجانب في العراق يتوزعون على أكثر من 15 دولة عربية وآسيوية وأوروبية.
من جهة أخرى، وفيما يتعلق بالأطفال المرتبطين بـ«داعش» ممن قُتل آباؤهم أو أمهاتهم، أو ما زالوا محتجزين مع ذوييهم في السجون العراقية، أكد مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء العراقية ما تردد حول تسليم العراق لمبعوثة الرئيس الروسي إلى بغداد آنا كازنتروفا نحو 30 طفلاً، وقال المصدر، الذي يفضّل عدم الإشارة إلى اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «نعم سلّم العراق هذا العدد إلى المبعوثة الروسية، ولعل البيان الذي صدر عن رئاسة الوزراء العراقية يكشف جزءاً من ذلك».
وعن سبب إحجام الحكومة العراقية عن ذكر تفاصيل تسليم الأطفال في بيانها، ذكر المصدر أن «التعامل مع جماعات (داعش) أو المرتبطين بها حتى من الأطفال قضية حساسة جداً، ويبدو أن الحكومة العراقية لا تريد الدخول في معمعة الاعتراضات من هذا الطرف أو ذاك». وكان بيان مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ذكر، أن الأخير قال أثناء لقائه المبعوثة الروسية لشؤون الطفولة آنا كازنتروفا أول من أمس: «يجب عدم التساهل مع الإرهاب وضرورة الفصل بين القضايا الإنسانية والجرائم الإرهابية وعدم السماح بتكرار زج الأطفال والنساء في القتال مع الإرهابيين، مع إدراكنا أن هؤلاء الأطفال هم ضحايا أيضاً». وكانت وسائل إعلام مختلفة نقلت عن الرئيس الشيشاني رمضان قديروف قوله: إن «طائرة تحمل على متنها 30 طفلاً من أيتام (داعش) من مواطني روسيا أقلعت من العاصمة العراقية بغداد إلى العاصمة الروسية موسكو».
بدوره، أكد الخبير في الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، خبر نقل الأطفال المرتبطين بـ«داعش» إلى روسيا، وقال الهاشمي لـ«الشرق الأوسط»: «عملية تسليم العراق لأطفال (داعش) جاء بعد مباحثات أجراها مع الجانب الروسي منذ نحو سنة، وأعمارهم جميعاً دون 14 سنة؛ لأن العراق لا يسلم من هم فوق ذلك العمر؛ إذ يشك في انتمائهم إلى أشبال (الخلافة) ويعاملهم كأحداث ذات منحى عنفي». وحول أعداد عناصر «داعش» الذين ما زالوا يعملون في العراق من العراقيين والأجانب، فيرجّح الهاشمي استناداً إلى معلومات عن التحالف الدولي والأمم المتحدة أن يكون عددهم نحو ألفي مقاتل، ضمنهم 200 من الأجانب يتوزعون على 14 جنسية.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.