صقلية... معبر العرب الثاني إلى العالم

{يونيسكو} تقيم معرضاً كبيراً عن الحضارة العربية ـ النورماندية

من المعرض
من المعرض
TT

صقلية... معبر العرب الثاني إلى العالم

من المعرض
من المعرض

في قاعات قصر «زيتو» التاريخي العريق بمدينة باليرمو؛ العاصمة الإقليمية لجزيرة صقلية الإيطالية، أقيم معرض كبير للفنون العربية - النورماندية، برعاية منظمة اليونيسكو، تحت عنوان: «باليرمو العربية - النورماندية... كاتدرائية جيفالو ومونرياله»، يستعرض أعمالا ومجسمات لفترة قاربت القرنين ونصف القرن من الزمن، كانت فيها جزيرة صقلية الإيطالية المعبر الحضاري الثاني بعد الأندلس، الذي سلكته الحضارة العربية في وصولها إلى غرب أوروبا؛ فاستحالت هذه الجزيرة بعد فتح العرب لها واستقرارهم فيها مركزا حضاريا يشع منه نور العلم وبريق المعرفة لينيرا جوانبها، بل جوانب البلاد الأخرى المجاورة وغير المجاورة، سيما أن فتح العرب صقلية، وهي كبرى جزر البحر الأبيض المتوسط، قد بدأ بسرعة؛ إذ لم يكن لدى العرب في تلك الفترة أي سبب يدعوهم للشعور بالنقص كما يشير عدد من المستشرقين الإيطاليين، وذلك على ضوء إعجابهم ورغبتهم في «محاكاة» الإمبراطورية البيزنطية في المجالات الإدارية والاجتماعية، بل إن العرب كانت لديهم عقدة الشعور بالتفوق ولأسباب كثيرة. أما التشابه الذي يظهر في الأعمال الفنية والنظم الإدارية مع ما في بلاد بيزنطة، فإن السبب فيه هو خصوصية الموقع الجغرافي لهذه البلاد وما كانت تتوفر عليه من رصيد حضاري، ولذلك، فإن رجالها هم الذين كانوا يعرفون أسرار تلك الأعمال التي ابتكروا فيها ما شاءوا، ومن ثم؛ فإنه من المجازفة القول بالتقليد الإسلامي للروم.
وصلت عناصر من الثقافة المادية العربية والعلم والفن إلى عدد من الدويلات والإمارات الإيطالية المستقلة من خلال طرق أخرى بعيدة عن الحروب والغزوات، ذلك أنها لم تصل عبر اللقاء الصدامي الحربي بين الحضارتين؛ بل عبر لقاء الإخاء والتعاون والتفاوض والاستيعاب؛ أي عن طريق التجارة والهجرات الثقافية، وحركة الترجمة الكبيرة التي كشفت للإيطاليين ثمار إسهام العرب في علوم الطب والصيدلة والرياضيات والفلك والجغرافيا والكيمياء، حتى النصف الثاني من القرن الحادي عشر، أي قبل تدفق العلم المبدع باللسان العربي بكل صنوفه وأبوابه على أوروبا من خلال الدولة العربية في الأندلس.
ظلت جزيرة صقلية تحت السيادة العربية من سنة 827 إلى سنة 1091 ميلادية، وأصبحت مدينة باليرمو تضاهي قرطبة الأموية في عهد الخليفة الناصر عمرانا ورخاء... وظلت باليرمو حاضرة صقلية العربية إلى أن سقطت المدينة في أيدي النورمان من جنوب إيطاليا في سنة 1072م، أي إنها بقيت حاضرة عربية نحو قرنين ونصف القرن.
في قاعات المعرض الكبير توزع نحو مائتين وخمسين من الأعمال الفنية والحرفية النادرة والشائعة، فإلى جانب الصور الفوتوغرافية وقطع السيراميك والأواني والمنسوجات والنماذج البلاستيكية للروائع المعمارية التي أنجزت في العهدين العربي والنورماندي، عرضت مجموعة من المصوغات الفضية والذهبية، والسجاد والنسيج والحرير، ولوحات فنية زيتية، وسيراميك وصناعات زجاجية، ومصابيح وأدوات منزلية ومعادن ثمينة، ومصكوكات وصناعات فلكلورية وعسكرية، إضافة إلى تجليد الكتب بالجلود وتذهيبها، وعدد كبير من الخرائط والمخطوطات والوثائق الطباعية. قاعات أخرى عرض فيها روائع ما خلفه المسلمون في صقلية من تحف نادرة من أسلحة بكل أنواعها، إضافة إلى كثير من الحاجيات والكتب والوثائق والمخطوطات التي يحمل كثير منها أروع القصائد الشعرية العربية الصقلية.
وفي إحدى صالات المعرض الكبير، نرى نماذج بلاستيكية لمشغولات فنية عربية تعود إلى بدايات القرن الثاني عشر الميلادي، فيها ما ندعوه «الفن المهجن» الذي استمر حتى القرن الثامن عشر، ونجده أكثر صراحة في الفنين الإسباني والإيطالي الجنوبي الشعبي، حتى بدا ذلك الطراز تعبيرا تلقائيا راسخا فيهما؛ والواقع أن الكتابة العربية وطرز الخط العربي استهويا الفنانين في عصر النهضة أيضا وانتقلا على سطوح أعمالهم الفنية الخالدة.
وهكذا استطاع العرب أن يغذّوا أوروبا بإنتاج مبتكر، وصناعات جديدة، وفنون كانت وما زالت موضع إكبار الأوروبيين ومثار إعجابهم. ففي الصناعة تجلت مهارة العرب واضحة في كثير من الصناعات، مثل صناعة النسيج والجلود والورق والخزف والزجاج.
أما النسيج فقد نبغ العرب في صنع أنواع مختلفة منه، وأقبلت أوروبا في العصور الوسطى على المنسوجات العربية إقبالا يتجلى في أسماء الأقمشة العربية التي ما زال بعضها مستعملا حتى يومنا هذا. فقماش «الفيستان» منسوب إلى الفسطاط، وقماش «الدمسقي» منسوب إلى دمشق، وقماش «الموسلين» منسوب إلى الموصل، وقماش «جرينادين» منسوب إلى غرناطة، وقماش «التابي» منسوب إلى محلة العتابية ببغداد، التي اشتهرت بصناعة هذا النوع من القماش ومنه انتقل إلى صقلية وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا. وقد حرف الإيطاليون اسم بغداد إلى «Baldacco» ثم أطلقوا هذا الاسم الأخير على أقمشة الحرير الفاخرة المستوردة عن طريق العرب، كما أطلقوه على المظلة الحريرية التي كانت تعلق على المذبح في كثير من الكنائس، وصارت تسمى «Baldacchino». وعندما وجد الأوروبيون في أواخر العصور الوسطى ومستهل الحديثة أن المنسوجات العربية لاقت رواجا كبيرا في بلادهم، وأن الطلب اشتد عليها في الأسواق، أدركوا الأهمية الاقتصادية لصناعة النسيج، وبدأوا ينافسون العرب في صناعتهم وتجارتهم.
باستطاعة المرء مشاهدة كثير من الآثار العربية في كثير من المدن بصقلية، إلا إن أبرز الآثار المعمارية العربية التي شملتها الرعاية في الآونة الأخيرة مجموعة من القصور والقلاع التي تحولت إلى فنادق ودور سياحة وقصور خاصة. ومن الأماكن العربية التي يمكن مشاهدتها في الوقت الحاضر بقايا حمامات «جفلوذي» وبقايا الأبنية، والحمامات في القصر الملكي الذي يقع بالقرب من مدينة باليرمو، والمعروفة بـ«البحر العذب»؛ إذ يلاحظ أن بناء هذه الحمامات وزخرفتها لا يختلفان على الإطلاق عن بناء وزخرفة الحمامات العربية في الأندلس وفي العراق في عهد العباسيين، حيث يمكن مشاهدة الخطوط الملتوية الخارجة عن المألوف وكتابات كوفية منمنمة مع زخارف عربية توريقية فسرت على أنها «حسن استخدام خطوط متلاقية متعانقة، ثم متجانسة متلامسة متهامسة» يستقيها الفنان العربي من الطبيعة، ثم يتظاهر الخيال المبدع والإحساس المرهف والحدس النافذ على إضفاء التناسب الهندسي على الشكل الزخرفي المتكون. أما الأثر المعماري الآخر المهم؛ فهو قصر «الفوارة»، حيث أكد المؤرخ الإيطالي ميخائيل آماري؛ منصف العرب وحضارتهم، أن هذا القصر يعود إلى عهد الأمير جعفر الكلبي الذي حكم في ما بين 988 و1019م، ويشير اسم القصر إلى أنه كان يحتوي على نوافير تستمد مياهها من أحد الجبال المجاورة. ولا تزال واجهة القصر تحمل حتى يومنا هذا بعض التشكيلات المعمارية التي تطلق عليها تسمية «البواكي» وهو شكل شائع يتكرر في فن العمارة العربية.



«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».