الخروقات المتتالية للدستور اللبناني تحوّلت إلى أعراف

عون يشكو من علة كان يطبقها... ومرجع دستوري ينتقد {الفوضى}

عون يتقبل التهنئة من قادة الجيش في القصر الجمهوري الجمعة الماضي (دالاتي ونهرا)
عون يتقبل التهنئة من قادة الجيش في القصر الجمهوري الجمعة الماضي (دالاتي ونهرا)
TT

الخروقات المتتالية للدستور اللبناني تحوّلت إلى أعراف

عون يتقبل التهنئة من قادة الجيش في القصر الجمهوري الجمعة الماضي (دالاتي ونهرا)
عون يتقبل التهنئة من قادة الجيش في القصر الجمهوري الجمعة الماضي (دالاتي ونهرا)

شخَّص رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون علة عدم تشكيل الحكومة، بأنها «معركة سياسية، ويبدو أن هناك تغييراً في التقاليد والأعراف في لبنان».
وتشخيص عون في محله لجهة توصيف العلة، وفي غير محله لاعتباره ما يحصل جديداً. فما يشكو منه، كان يطبقه في مراحل سابقة. واللبنانيون لم ينسوا عبارته الشهيرة «لعيون الصهر»، التي أشار من خلالها إلى أن الحكومة لن تتشكل ما لم يكن صهره وزير الخارجية جبران باسيل فيها ومعه الحقيبة الوزارية التي يريد رغم الرفض الأولي لرئيس الحكومة المكلف في حينه ليعود ويرضخ بعد أشهر من التعطيل. كذلك أقفل مجلس النواب أبوابه سنتين ونصفا حتى تمت التسوية التي أدت إلى انتخاب عون رئيساً.
وظاهرة تجاوز الدستور شكلت علامة فارقة منذ العام 2005. بعد خروج النظام السوري من لبنان واشتباك فريقي 8 و14 آذار عند كل استحقاق. وراجت بدع، كمحاولة نسف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بحجة الميثاقية، ورفض الأكثرية الناتجة عن الانتخابات النيابية لاستبدالها بالأكثرية العددية. كذلك الترويج للديمقراطية التوافقية على حساب الديمقراطية الدستورية.
ويقول النائب السابق والمرجع الدستوري صلاح حنين لـ«الشرق الأوسط»، بأن «فرض التقاليد والأعراف ومخالفة الدستور متعمدة منذ خروج لبنان مع اتفاق الوفاق الوطني في الطائف مطلع التسعينات من القرن الماضي. فقد شُكِّلت حكومة وحدة وطنية لتنفيذ ما نص عليه الاتفاق من إصلاحات، كإلغاء الطائفية السياسية ووضع قانون عصري للانتخابات وما إلى ذلك، على أن لا يتكرر الأمر بعد إنجاز الإصلاحات، التي لا تزال حبراً على ورق. وكل الحكومات التي تلتها بقيت نسخة مصغرة عن مجلس النواب لتغيب المساءلة، ما شكل خرقاً واضحاً وأساسيا لبنية النظام الديمقراطي».
ويشير حنين إلى أن «الخرق الثاني هو استبدال التوازن الطائفي مع المحافظة على الكفاءة والاختصاص في تشكيل الحكومة والتعيينات، بالمحاصصة التي لا تستثني أي طرف سياسي. وتدريجياً صارت المحاصصة هي الأساس. أما النقطة الثالثة، فهي في اعتماد المعايير الغريبة والعجيبة في تشكيل الحكومة، كأن يكون لكل خمسة نواب وزير، وفي ذلك خطيئة فاضحة وفلتان دستوري وافتقار إلى القيم والأخلاق. بالتالي ما يحصل ليس أعرافاً جديدة، فالأعراف هي ما تنتجه المبادرات الجيدة. والواقع الحالي يعكس فوضى دستورية، وبإرادة كل من يشارك في الحكم».
ويقول الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد يحترم الدستور، زعماء الأحزاب أبقوا البلاد في فراغ دستوري طوال عامين ونصف، ومددوا ثلاث مرات للمجلس النيابي وعطلوا المجلس الدستوري، فهم يجلسون حول طاولة ويديرون البلاد على طريقة المافيا تماماً كما في فيلم «العراب»، ويتصارعون على الحصص وليس على تطبيق الدستور».
ويرى بيضون أن «الثنائية الشيعية (حركة أمل وحزب الله) اخترعت الثلث المعطل في التشكيلات الحكومية، وجملوها لتصبح الثلث الضامن، واليوم يسعى رئيس الجمهورية ومعه باسيل لاستيرادها. وما يجري حالياً هو منع باسيل من الحصول على 11 وزيراً في الحكومة المرتقبة، ما يضع باقي الأطراف تحت رحمة فريقه السياسي، فيتحكم بالحكومة والمشاريع والقرارات. إلا أن حزب الله لن يسمح بذلك. وسيتم اختيار وزير سني سيقبل به عون، لأنه لا يستطيع مواجهة الحزب. وسيرضى في آخر المسار بالأعراف التي استفاد منها سابقاً وينتقدها اليوم».
ويتمنى بيضون «لو يتوجه الرئيس سعد الحريري إلى تشكيل حكومة بعشرة وزراء، فقد جرب الحكومة الثلاثينية ويعرف أن نموذجها لم يعد صالحاً. أما بالنسبة إلى عون، فهو يعتبر أن توزير أحد الوزراء السنة المحسوبين على حزب الله، وتحديداً جهاد الصمد أو فيصل كرامي، لا يصب فقط في مصلحة الحزب، وإنما في مصلحة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. بالتالي مشكلة عون هي رفضه دعم حصة فرنجية بوزير سني إضافة إلى الوزير الماروني. لا سيما أنه يحضِّر باسيل لخلافته على رئاسة الجمهورية، فالتيار العوني لا يرى إلا الرئاسة في المرحلة المقبلة، ويعمل على إلغاء أي منافس آخر، لذا عمد خلال المفاوضات على الحصة المسيحية في الوزارة، إلى تحجيم سمير جعجع ومحاولة تحجيم فرنجية، ليتمكن من السيطرة على الساحة المسيحية بالكامل».
وتقول رئيسة المجلس العالمي لثورة الأرز المحامية ريجينا قنطرة لـ«الشرق الأوسط»، بأن «أكبر عرف مخالف للدستور هو اختيار القوى السياسية أسماء وزرائها وحقائبهم، وكأن لا دور لرئيس الحكومة المكلف. كذلك السماح لموظف برتبة مدير عام للأمن العام، بأن يشارك في تشكيل الحكومة مع باسيل».
وتضيف: «البدعة تبرز في تمسك قوى سياسية بالمذهبية عندما يتعلق الأمر بالتعيينات، سواء للوزراء أو المديرين العامين أو أعضاء السلك الدبلوماسي. ووصل الأمر بهذه القوى إلى انتهاك الدستور في السلك القضائي ليتحاصصوا تعييناته، رغم الخطر الذي يشكله هذا الانتهاك على القضاء».
وحذر حنين من «الوصول إلى حائط مسدود عبر تعقيد تشكيل الحكومة والترويج لتغيير الصيغة اللبنانية ونسف اتفاق الطائف. فأي تغيير للصيغة يفترض أجواء سياسية هادئة وظروفا ناضجة لتتطور الأمور إيجابياً وليس قلب الموازين. وما يتم تداوله اليوم فهو أشبه بمن يفجر بيته ويشرد عائلته، مع الإشارة إلى أن الطبقة السياسية الحالية بجميع المشاركين فيها، لم تقرأ الدستور ولا تفهمه. المفروض أن نطبق الطائف لنعرف مدى الحاجة إلى تطويره».
وتحذر قنطرة من «قبطة مخفية» في الخلاف الحالي العلني بين باسيل وحزب الله. وتقول: «كأننا نشهد توزيع أدوار في إطار التسوية التي سعى إليها حزب الله من خلال إيصال عون إلى سدة الرئاسة، فلننتظر لنتبين إلى أين ستؤول الأمور، وما إذا كانت الصيغة اللبنانية هي المطلوب رأسها من خلال تعقيد تشكيل الحكومة».
إلا أن بيضون يستبعد أي سعي لتغيير الصيغة السياسية الحالية لدى أي من الأطراف، «لأنه لا أحد يملك تصوراً لتغيير ما هو موجود، والاقتراحات الدستورية التي كان اقترحها الرئيس السابق ميشال سليمان لم يناقشها أحد. وما دام الدستور معلقاً لا يشعر الزعماء السياسيون بأي حاجة لتعديل الوضع الذي يناسبهم».



مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
TT

مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)

تسعى الحكومة المصرية، لتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في مجال إدارة الموارد المائية، في ظل تحديات كبيرة تواجهها تتعلق بـ«محدودية مواردها». وخلال لقائه سفيرة الاتحاد الأوروبي في القاهرة أنجلينا إيخورست، الاثنين، ناقش وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، التعاون بين الجانبين، في «إعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجتها».

وتعاني مصر عجزاً مائياً، حيث يبلغ إجمالي الموارد المائية، نحو 60 مليار متر مكعب سنوياً، في مقابل احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً، وبنسبة عجز تقدر 54 مليار متر مكعب، وفق «الري المصرية».

وتعتمد مصر على حصتها من مياه نهر النيل بنسبة 98 في المائة، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وحسب بيان لـ«الري المصرية»، ناقش سويلم، مع سفيرة الاتحاد الأوروبي، مقترحات تطوير خطة العمل الاستراتيجية (2024-2027)، طبقاً للأولويات المصرية، مشيراً إلى الدعم الأوروبي لبلاده في مجالات «رفع كفاءة الري، وإعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجة المياه، والتكيف مع تغير المناخ».

ووقَّعت الحكومة المصرية، والاتحاد الأوروبي، إعلاناً للشراكة المائية، خلال فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، COP28، الذي عُقد في دبي عام 2023، بهدف تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية، وتعزيز الحوار، وتبادل الخبرات.

وأوضح وزير الري المصري أن «الإجراءات التي تتبعها بلاده لرفع كفاءة استخدام المياه، تندرج تحت مظلة الجيل الثاني لمنظومة الري»، منوهاً بقيام الوزارة حالياً «بتأهيل المنشآت المائية، ودراسة التحكم الآلي في تشغيلها لتحسين إدارة وتوزيع المياه، والتوسع في مشروعات الري الحديث»، إلى جانب «مشروعات معالجة وإعادة استخدام المياه، ودراسة تقنيات تحلية المياه من أجل الإنتاج الكثيف للغذاء».

ومن بين المشروعات المائية التي تنفذها الحكومة المصرية، بالتعاون مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي، «البرنامج القومي الثالث للصرف، وتحسين نوعية المياه في مصرف (كيتشنر)، وتحديث تقنيات الري لتحسين سبل عيش صغار المزارعين في صعيد مصر، ومراقبة إنتاجية الأراضي والمياه عن طريق الاستشعار عن بعد».

وتعوِّل الحكومة المصرية على الخبرات الأوروبية في مواجهة ندرة المياه، وفق أستاذ الموارد المائية، في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، الذي أشار إلى أن «القاهرة سبق أن استعانت بخبراء أوروبيين لصياغة حلول للتحديات المائية التي تواجهها مصر»، وقال إن «كثيراً من المقترحات التي قدمها الخبراء تنفذها الحكومة المصرية في سياستها المائية، ومن بينها التوسع في مشروعات معالجة المياه، وتحلية مياه البحر، واعتماد نظم الري الحديث».

وللتغلب على العجز المائي شرعت الحكومة المصرية في تطبيق استراتيجية لإدارة وتلبية الطلب على المياه حتى عام 2037 باستثمارات تقارب 50 مليون دولار، تشمل بناء محطات لتحلية مياه البحر، ومحطات لإعادة تدوير مياه الصرف بمعالجة ثلاثية، إضافة إلى تطبيق مشروع تحول للري الزراعي الحديث.

ويعتقد نور الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخبرة الأوروبية في مجال تطوير إدارة المياه والتغيرات المناخية هي الأفضل في هذا المجال»، مشيراً إلى أن «القاهرة تسعى إلى الاستفادة من المنح الأوروبية المقدَّمة في تلك المجالات، وخصوصاً، التكيف مع التغيرات المناخية»، معتبراً أن «التعامل مع العجز المائي في مصر من أولويات السياسة المائية المصرية».

ويُعد الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء في المجال التنموي بالنسبة لمصر، وفق أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، الذي أشار إلى أن «التعاون المائي بين الجانبين يأتي ضمن الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي جرى توقيعها بين الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، لتطوير التعاون بمختلف المجالات».

ويرى شراقي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتحاد الأوروبي يمتلك التكنولوجيا والخبرات الحديثة بشأن تطوير استخدام المياه، خصوصاً في الدول التي تعاني من شح مائي».