«الشباب» و«داعش»... حرب المواجهة المفتوحة في الصومال

نظرة على صراع التنظيمات الإرهابية في أفريقيا

صوماليون قرب موقع تفجير انتحاري في مقديشو الأسبوع الماضي (رويترز)
صوماليون قرب موقع تفجير انتحاري في مقديشو الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

«الشباب» و«داعش»... حرب المواجهة المفتوحة في الصومال

صوماليون قرب موقع تفجير انتحاري في مقديشو الأسبوع الماضي (رويترز)
صوماليون قرب موقع تفجير انتحاري في مقديشو الأسبوع الماضي (رويترز)

شهدت الأيام القليلة الماضية تطورا لافتا للنظر في المواجهة العسكرية بين تنظيمين إرهابيين نشيطين في الصومال. ورغم أن الاشتباك الأخير، لا يعد الأول من نوعه، حيث كانت بداية المواجهات بين المجموعتين قد انطلقت سنة 2015. غير أنه ينهي، مرحلة توصل فيها الطرفان لما يشبه هدنة، صمدت لنحو ثلاث سنوات؛ وساعدتهما على تنسيق جهودهما، الخاصة بشن عمليات منسقة على الحدود الصومالية الإثيوبية.
ويبدو أن انهيار الهدنة القائمة بين الجماعتين المتطرفتين، تظهر أنهما دخلا في صراع جديد، مختلف من حيث الدوافع، والأهداف عن تلك المواجهات الدامية السابقة؛ التي جاءت بسبب ولادة «داعش» الصومال، وانشقاق بعض القيادات الشابة عن تنظيم الشباب سنة 2015.
وتفيد المواجهة المسلحة الأخيرة، والمختلف حول نتائجها بين التنظيمين المتطرفين، أن حرب «القاعدة» و«داعش»، بالصومال، انتقلت إلى مرحلة جديدة بين «حركة الشباب» و«جماعة البغدادي»؛ خاصة فرعها بزعامة عبد القادر مؤمن. فقد كانت المواجهات السابقة، في عمومها تتركز على اغتيال شخصيات منشقة من التنظيمين؛ لتتحول في شهر ديسمبر (كانون الأول) سنة 2018 إلى مواجهة شاملة، وتكفير متبادل، ودعوة كل طرف لمنافسه للخروج من الصومال. كما أن الاقتتال بين «الشباب» وفرع «داعش»، حمي وطيسه سنة 2015، وشهد فصولا من المواجهات النادرة سنة 2017، وكذلك الحدث المعزول الذي وقع بداية سنة 2018؛ ظل ملفوفا بالكتمان من الجانبين، الشيء الذي فهم منه أن المواجهات لم تكن اختيارا آيديولوجيا، وعقديا. غير أن خروج حركة الشباب، ببيان، ونداء لقتال «داعش» الصومال، سرعان ما رد عليه تنظيم عبد القادر مؤمن بتوثيق المعركة ونشر شريط الفيديو، الذي يوثق للمعركة التي وقعت بين الطرفين يوم 14 ديسمبر (كانون الأول) 2018. وهذا التوجه الجديد من كلا الطرفين، يؤكد أنهما في بداية الحرب المفتوحة.
ويظهر أن ما أقدمت عليه وكالة أنباء «أعماق» التابعة لـ«داعش»، يشكل واحدة من سمات المرحلة الجديدة للصراع الناشب بين الطرفين. حيث نشرت الوكالة، لأول مرة في تاريخها شريطا مرئيا يوثق المواجهة بين وكلاء «القاعدة» و«داعش»، في 16 ديسمبر. وبحسب رواية تنظيم عبد القادر مؤمن، فإن مقاتليه، هاجموا حركة الشباب، في منطقة بونتلاند الشمالية، مما أسفر عن مقتل 14 من أعضاء الشباب بزعامة «أحمد ديري أبو عبيدة». ورغم أن الشريط المصور، لا يظهر كل فصول المعركة، واقتصر على جانب منها، فإنه تعمد إظهار تبادل لإطلاق النار بين الجانبين، وجثث لأربعة من مقاتلي تنظيم حركة الشباب؛ تزعم «داعش» أنهم قتلوا في المواجهات، بالإضافة إلى ثماني بنادق كلاشنيكوف.

شرارة المواجهة
جاءت الاشتباكات الأخيرة التي استمرت لأكثر من أسبوع؛ تماشيا مع توجهات قرار حركة «شباب المجاهدين»، الذي اتخذته الحركة، ثلاثة أسابيع قبل نهاية 2018. فقد أعلن الناطق باسم الحركة علي طيري، يوم الخميس 20 ديسمبر 2018 عبر قناة التنظيم بـ«التيليغرام»، أن تنظيمه سيحارب «داعش»؛ وهو ما تم ترجمته بعنف بعد أربعة أيام من الإعلان. حيث هاجمت الشباب فرع «داعش»، في منطقة جبلية تسمى «عيل عدي»، بإقليم غدو جنوب غربي الصومال. وقد أشارت تقارير صحافية محلية إلى أن الاشتباكات اندلعت، يوم 22 و23 ديسمبر 2018 وأسفرت عن مقتل 10 أشخاص من الجانبين.
وكانت حركة الشباب قد دعت، في بيان لها بعنوان «والله يعلم المفسد من المصلح»، إلى ضرورة استئصال «داعش». معتبرة أن هذا التنظيم كفر المسلمين، واستحل أموالهم وأنفسهم»، كما أنه يحاول زرع الفتنة وسط المتطرفين؛ حيث عمل على خلق نزاعات وانشقاقات، مستغلا العناصر الأجنبية الوافدة من خارج الصومال.
وفي هذا السياق، شهدت مدينة «جلب» جنوب الصومال، مواجهات داخلية عنيفة بين أعضاء تنظيم الشباب. ويأتي ذلك بعد مقتل قيادي أجنبي من التنظيم الإرهابي على يد مقاتلين بالحركة، يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بسبب اتهامه بالانشقاق عن الشباب وانضمامه لـ«داعش». ويبدو فعلا أن جماعة، عبد القادر مؤمن، رغم قلة عناصرها، استطاعت استمالة بعض المقاتلين الأجانب التابعين للشباب إلى صفوفها؛ وهو ما أدى إلى حدوث الاشتباكات بين العناصر الأجنبية الموالية للقيادي المقتول، المسمى «أبو يونس المصري»، ومجموعة أجنبية لها ولاء كامل لحركة الشباب.
ويشبه هذا الحدث ما وقع بداية سنة 2017، جنوب الصومال، بإقليم «جوبا الوسطى»، حيث دارت مواجهات بين مقاتلين من الشباب بينهم أجانب وعناصر أخرى تنتمي إلى الحركة نفسها، أعلنت مبايعتها لتنظيم داعش في الصومال.
ومن الواضح أن هذه الاشتباكات الأخيرة، بين الجماعتين الإرهابيتين، تأتي بعد تحول الصراع بين الجانبين، إلى تنافس على بسط النفوذ الجغرافي. فبحسب الحكومة الصومالية، فإن أجهزتها الأمنية رصدت في نوفمبر، انتشارا لعناصر «داعش»، في مختلف الأقاليم؛ مما يعني أن التنظيم الإرهابي لم يعد يكتفي بالمناطق الجنوبية الجبلية، والحدودية التي كان يتمركز فيها منذ سنة 2015.
ويبدو أن «حركة الشباب»، واعية بأن مثل هذه الخطوة الجديدة لـ«داعش»، من شأنها التأثير على الحركة، على المستوى التنظيمي، وعلى مستوى التمويل والتسليح. ذلك أن «الشباب» مهيمنة على مناطق شاسعة من الجنوب وفي الريف الصومالي عموما. وهو ما يمكنها من مداخل مهمة، تهم التجارة والخدمات، وفرض الضرائب؛ كما تهم بعض الموارد الاقتصادية مثل الفحم.
حيث استطاعت «حركة الشباب» بحسب تقديرات الأمم المتحدة تصدير وإنتاج نحو 3.6 مليون كيس من الفحم سنة 2017، ربحت منه الحركة، عائدات لا تقل عن 7.5 مليون دولار؛ أي بسعر 2.5 دولار عن كل كيس بيعت بطرق ملتوية في السوق الدولية.

ملء الفراغ
يبدو أن الصراع بين حركة الشباب وفرع «داعش» بالصومال، قد دخل منعطفا جديدا؛ وأن هذا الصراع يدور حول مسألة بناء النفوذ وسط دولة فاشلة، لم تستطع القوات الأفريقية ولا المساعدات الخارجية، لا استعادة الدولة ولا القضاء على الإرهاب. فما زال الصومال يعيش في نزاعات وانقسامات سياسية، على المستويين المركزي وداخل الولايات؛ ومثال ذلك منع مختار روبو المعروف بأبي منصور من الترشح للانتخابات، رغم أنه كان أول من ترشح رسميا لولاية بيدوا، جنوب غربي الصومال.
وفي هذا السياق الانقسامي والعشائري، يأتي إلقاء القبض على أبي منصور القيادي ومؤسس حركة الشباب؛ في الوقت الذي اعتبر بعض المختصين ترشحه، طريقة سلمية انتخابية لإضعاف الإرهاب، وخصوصا تنظيم الشباب، وبالتالي تدعيما للاستقرار.
فرضت الحكومة المركزية على السكان عبد العزيز حسن محمد لفتاغرين لحكم ولاية جنوب غربي الصومال؛ الشيء الذي قرب من جديد بين أنصار أبي منصور وتنظيم الشباب، رغم أن أبا منصور انشق منذ 2017 عن التنظيم الإرهابي، وهدر هذا الأخير دم المنشق الملتحق بالحكومة المركزية. أما على المستوى العسكري، فإن المواجهة المسلحة بين «داعش»، و«الشباب»، تخفي من ورائها سعي هذا الأخير إلى ملء الفراغ الذي يتركه ضعف الجيش الصومالي. بالإضافة إلى قرب موعد انسحاب القوات الأفريقية بحلول سنة 2020. وبحكم التجربة الطويلة «لحركة الشباب»، فإن المواجهة الشاملة التي أعلنتها ضد «داعش»؛ هي استباق لملء الفراغ ومنع جماعة عبد القادر مؤمن، من بناء أي نفوذ في المناطق الاستراتيجية، أو تلك التي يسيطر عليها حاليا تنظيم أبي عبيدة.
يبدو أن «حركة الشباب» لها خطة استباقية لما سيؤول إليه الوضع الصومالي الهش، وهي واعية، بمحدودية الغارات الجوية الأميركية، ومجهودات القوات الصومالية والأفريقية؛ وبالتالي فإن خروجها العلني وإعلان المواجهة الشاملة يأتيان من اعتبار التنظيم نفسه هو المنافس الوحيد للحكومة الحالية على السلطة.
ويشير اللواء عبديلي جاما قائد قوات الدفاع الصومالية إلى العمل غير الدقيق والبطيء للقوات الأفريقية ببلاده، حيث يقول في حوار مع موقع منتدى الدفاع الأفريقي: «نحن‭ ‬نعمل‭ ‬سوياً‭ ‬مع‭ ‬بعثة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬(أميصوم) ‬ونعمل‭ ‬على‭ ‬سد‭ ‬الثغرات؛‭ ‬فنحن‭ ‬الآن‭ ‬نقوم‭ ‬بعمليات‭ ‬مشتركة، ‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بولو‭ ‬مارير‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬الصومال». وكان‭ ‬هذا‭ ‬نجاحاً‭ ‬كبيراً‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الصومالي‭ ‬وبعثة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬في‭ ‬الصومال ‬لكن‭ ‬الأمر ‬فيه صعوبات،‭ ‬ففي فترة‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬عدم‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬القيادة‭ ‬والتنفيذ‭ .‬فلا يُعلِم‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬مساهم‭ ‬بقوات، ‭ ‬عند‭ ‬مباشرة‭ ‬عملياتها، ‭ ‬قائد‭ ‬قطاع‭ ‬بعثة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬بهذه‭ ‬العمليات‭ ‬مباشر‭ ة‬ بل‭ ‬يرسلون‭ ‬إلى‭ ‬بلدانهم‭ ‬الأصلية‭ ‬التعليمات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بنيتهم‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ .
ويضيف اللواء عبديلي: «ربما‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬وثكنات‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬الضباط‭ .‬نفتقر‭ ‬إلى‭ ‬هذا، ‭ ‬وتنقصنا‭ ‬الموارد، ‭ ‬ونحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المعدات‭ .‬نحن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬شركاء‭ ‬ومتبرعين‭ ‬أيضاً‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يساعدونا‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الصومالي‭ .‬نحن‭ ‬حريصون‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الصومالي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشراكات‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان. دون‭ ‬أن‭ ‬نستغل‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬لتشكيل‭ ‬جيشنا‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬الصوماليين‭.»‬
من جانب آخر، يمكن فهم هذا الصراع، في سياق عام؛ يتعلق بالصراع المرير بين تنظيمي «القاعدة»، و«داعش»، والممتد من العراق إلى سوريا واليمن إلى الصومال. فتوجهات المركز، واستراتيجيته، تؤثر بشكل كبير على الأطراف. وبالتالي يمكن القول إن «القاعدة» بالصومال لا تريد منح أي فرصة لتوسع «داعش» في أحد مواقعها التاريخية.
- أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».