«الشباب» و«داعش»... حرب المواجهة المفتوحة في الصومال

نظرة على صراع التنظيمات الإرهابية في أفريقيا

صوماليون قرب موقع تفجير انتحاري في مقديشو الأسبوع الماضي (رويترز)
صوماليون قرب موقع تفجير انتحاري في مقديشو الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

«الشباب» و«داعش»... حرب المواجهة المفتوحة في الصومال

صوماليون قرب موقع تفجير انتحاري في مقديشو الأسبوع الماضي (رويترز)
صوماليون قرب موقع تفجير انتحاري في مقديشو الأسبوع الماضي (رويترز)

شهدت الأيام القليلة الماضية تطورا لافتا للنظر في المواجهة العسكرية بين تنظيمين إرهابيين نشيطين في الصومال. ورغم أن الاشتباك الأخير، لا يعد الأول من نوعه، حيث كانت بداية المواجهات بين المجموعتين قد انطلقت سنة 2015. غير أنه ينهي، مرحلة توصل فيها الطرفان لما يشبه هدنة، صمدت لنحو ثلاث سنوات؛ وساعدتهما على تنسيق جهودهما، الخاصة بشن عمليات منسقة على الحدود الصومالية الإثيوبية.
ويبدو أن انهيار الهدنة القائمة بين الجماعتين المتطرفتين، تظهر أنهما دخلا في صراع جديد، مختلف من حيث الدوافع، والأهداف عن تلك المواجهات الدامية السابقة؛ التي جاءت بسبب ولادة «داعش» الصومال، وانشقاق بعض القيادات الشابة عن تنظيم الشباب سنة 2015.
وتفيد المواجهة المسلحة الأخيرة، والمختلف حول نتائجها بين التنظيمين المتطرفين، أن حرب «القاعدة» و«داعش»، بالصومال، انتقلت إلى مرحلة جديدة بين «حركة الشباب» و«جماعة البغدادي»؛ خاصة فرعها بزعامة عبد القادر مؤمن. فقد كانت المواجهات السابقة، في عمومها تتركز على اغتيال شخصيات منشقة من التنظيمين؛ لتتحول في شهر ديسمبر (كانون الأول) سنة 2018 إلى مواجهة شاملة، وتكفير متبادل، ودعوة كل طرف لمنافسه للخروج من الصومال. كما أن الاقتتال بين «الشباب» وفرع «داعش»، حمي وطيسه سنة 2015، وشهد فصولا من المواجهات النادرة سنة 2017، وكذلك الحدث المعزول الذي وقع بداية سنة 2018؛ ظل ملفوفا بالكتمان من الجانبين، الشيء الذي فهم منه أن المواجهات لم تكن اختيارا آيديولوجيا، وعقديا. غير أن خروج حركة الشباب، ببيان، ونداء لقتال «داعش» الصومال، سرعان ما رد عليه تنظيم عبد القادر مؤمن بتوثيق المعركة ونشر شريط الفيديو، الذي يوثق للمعركة التي وقعت بين الطرفين يوم 14 ديسمبر (كانون الأول) 2018. وهذا التوجه الجديد من كلا الطرفين، يؤكد أنهما في بداية الحرب المفتوحة.
ويظهر أن ما أقدمت عليه وكالة أنباء «أعماق» التابعة لـ«داعش»، يشكل واحدة من سمات المرحلة الجديدة للصراع الناشب بين الطرفين. حيث نشرت الوكالة، لأول مرة في تاريخها شريطا مرئيا يوثق المواجهة بين وكلاء «القاعدة» و«داعش»، في 16 ديسمبر. وبحسب رواية تنظيم عبد القادر مؤمن، فإن مقاتليه، هاجموا حركة الشباب، في منطقة بونتلاند الشمالية، مما أسفر عن مقتل 14 من أعضاء الشباب بزعامة «أحمد ديري أبو عبيدة». ورغم أن الشريط المصور، لا يظهر كل فصول المعركة، واقتصر على جانب منها، فإنه تعمد إظهار تبادل لإطلاق النار بين الجانبين، وجثث لأربعة من مقاتلي تنظيم حركة الشباب؛ تزعم «داعش» أنهم قتلوا في المواجهات، بالإضافة إلى ثماني بنادق كلاشنيكوف.

شرارة المواجهة
جاءت الاشتباكات الأخيرة التي استمرت لأكثر من أسبوع؛ تماشيا مع توجهات قرار حركة «شباب المجاهدين»، الذي اتخذته الحركة، ثلاثة أسابيع قبل نهاية 2018. فقد أعلن الناطق باسم الحركة علي طيري، يوم الخميس 20 ديسمبر 2018 عبر قناة التنظيم بـ«التيليغرام»، أن تنظيمه سيحارب «داعش»؛ وهو ما تم ترجمته بعنف بعد أربعة أيام من الإعلان. حيث هاجمت الشباب فرع «داعش»، في منطقة جبلية تسمى «عيل عدي»، بإقليم غدو جنوب غربي الصومال. وقد أشارت تقارير صحافية محلية إلى أن الاشتباكات اندلعت، يوم 22 و23 ديسمبر 2018 وأسفرت عن مقتل 10 أشخاص من الجانبين.
وكانت حركة الشباب قد دعت، في بيان لها بعنوان «والله يعلم المفسد من المصلح»، إلى ضرورة استئصال «داعش». معتبرة أن هذا التنظيم كفر المسلمين، واستحل أموالهم وأنفسهم»، كما أنه يحاول زرع الفتنة وسط المتطرفين؛ حيث عمل على خلق نزاعات وانشقاقات، مستغلا العناصر الأجنبية الوافدة من خارج الصومال.
وفي هذا السياق، شهدت مدينة «جلب» جنوب الصومال، مواجهات داخلية عنيفة بين أعضاء تنظيم الشباب. ويأتي ذلك بعد مقتل قيادي أجنبي من التنظيم الإرهابي على يد مقاتلين بالحركة، يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بسبب اتهامه بالانشقاق عن الشباب وانضمامه لـ«داعش». ويبدو فعلا أن جماعة، عبد القادر مؤمن، رغم قلة عناصرها، استطاعت استمالة بعض المقاتلين الأجانب التابعين للشباب إلى صفوفها؛ وهو ما أدى إلى حدوث الاشتباكات بين العناصر الأجنبية الموالية للقيادي المقتول، المسمى «أبو يونس المصري»، ومجموعة أجنبية لها ولاء كامل لحركة الشباب.
ويشبه هذا الحدث ما وقع بداية سنة 2017، جنوب الصومال، بإقليم «جوبا الوسطى»، حيث دارت مواجهات بين مقاتلين من الشباب بينهم أجانب وعناصر أخرى تنتمي إلى الحركة نفسها، أعلنت مبايعتها لتنظيم داعش في الصومال.
ومن الواضح أن هذه الاشتباكات الأخيرة، بين الجماعتين الإرهابيتين، تأتي بعد تحول الصراع بين الجانبين، إلى تنافس على بسط النفوذ الجغرافي. فبحسب الحكومة الصومالية، فإن أجهزتها الأمنية رصدت في نوفمبر، انتشارا لعناصر «داعش»، في مختلف الأقاليم؛ مما يعني أن التنظيم الإرهابي لم يعد يكتفي بالمناطق الجنوبية الجبلية، والحدودية التي كان يتمركز فيها منذ سنة 2015.
ويبدو أن «حركة الشباب»، واعية بأن مثل هذه الخطوة الجديدة لـ«داعش»، من شأنها التأثير على الحركة، على المستوى التنظيمي، وعلى مستوى التمويل والتسليح. ذلك أن «الشباب» مهيمنة على مناطق شاسعة من الجنوب وفي الريف الصومالي عموما. وهو ما يمكنها من مداخل مهمة، تهم التجارة والخدمات، وفرض الضرائب؛ كما تهم بعض الموارد الاقتصادية مثل الفحم.
حيث استطاعت «حركة الشباب» بحسب تقديرات الأمم المتحدة تصدير وإنتاج نحو 3.6 مليون كيس من الفحم سنة 2017، ربحت منه الحركة، عائدات لا تقل عن 7.5 مليون دولار؛ أي بسعر 2.5 دولار عن كل كيس بيعت بطرق ملتوية في السوق الدولية.

ملء الفراغ
يبدو أن الصراع بين حركة الشباب وفرع «داعش» بالصومال، قد دخل منعطفا جديدا؛ وأن هذا الصراع يدور حول مسألة بناء النفوذ وسط دولة فاشلة، لم تستطع القوات الأفريقية ولا المساعدات الخارجية، لا استعادة الدولة ولا القضاء على الإرهاب. فما زال الصومال يعيش في نزاعات وانقسامات سياسية، على المستويين المركزي وداخل الولايات؛ ومثال ذلك منع مختار روبو المعروف بأبي منصور من الترشح للانتخابات، رغم أنه كان أول من ترشح رسميا لولاية بيدوا، جنوب غربي الصومال.
وفي هذا السياق الانقسامي والعشائري، يأتي إلقاء القبض على أبي منصور القيادي ومؤسس حركة الشباب؛ في الوقت الذي اعتبر بعض المختصين ترشحه، طريقة سلمية انتخابية لإضعاف الإرهاب، وخصوصا تنظيم الشباب، وبالتالي تدعيما للاستقرار.
فرضت الحكومة المركزية على السكان عبد العزيز حسن محمد لفتاغرين لحكم ولاية جنوب غربي الصومال؛ الشيء الذي قرب من جديد بين أنصار أبي منصور وتنظيم الشباب، رغم أن أبا منصور انشق منذ 2017 عن التنظيم الإرهابي، وهدر هذا الأخير دم المنشق الملتحق بالحكومة المركزية. أما على المستوى العسكري، فإن المواجهة المسلحة بين «داعش»، و«الشباب»، تخفي من ورائها سعي هذا الأخير إلى ملء الفراغ الذي يتركه ضعف الجيش الصومالي. بالإضافة إلى قرب موعد انسحاب القوات الأفريقية بحلول سنة 2020. وبحكم التجربة الطويلة «لحركة الشباب»، فإن المواجهة الشاملة التي أعلنتها ضد «داعش»؛ هي استباق لملء الفراغ ومنع جماعة عبد القادر مؤمن، من بناء أي نفوذ في المناطق الاستراتيجية، أو تلك التي يسيطر عليها حاليا تنظيم أبي عبيدة.
يبدو أن «حركة الشباب» لها خطة استباقية لما سيؤول إليه الوضع الصومالي الهش، وهي واعية، بمحدودية الغارات الجوية الأميركية، ومجهودات القوات الصومالية والأفريقية؛ وبالتالي فإن خروجها العلني وإعلان المواجهة الشاملة يأتيان من اعتبار التنظيم نفسه هو المنافس الوحيد للحكومة الحالية على السلطة.
ويشير اللواء عبديلي جاما قائد قوات الدفاع الصومالية إلى العمل غير الدقيق والبطيء للقوات الأفريقية ببلاده، حيث يقول في حوار مع موقع منتدى الدفاع الأفريقي: «نحن‭ ‬نعمل‭ ‬سوياً‭ ‬مع‭ ‬بعثة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬(أميصوم) ‬ونعمل‭ ‬على‭ ‬سد‭ ‬الثغرات؛‭ ‬فنحن‭ ‬الآن‭ ‬نقوم‭ ‬بعمليات‭ ‬مشتركة، ‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بولو‭ ‬مارير‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬الصومال». وكان‭ ‬هذا‭ ‬نجاحاً‭ ‬كبيراً‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الصومالي‭ ‬وبعثة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬في‭ ‬الصومال ‬لكن‭ ‬الأمر ‬فيه صعوبات،‭ ‬ففي فترة‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬عدم‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬القيادة‭ ‬والتنفيذ‭ .‬فلا يُعلِم‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬مساهم‭ ‬بقوات، ‭ ‬عند‭ ‬مباشرة‭ ‬عملياتها، ‭ ‬قائد‭ ‬قطاع‭ ‬بعثة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬بهذه‭ ‬العمليات‭ ‬مباشر‭ ة‬ بل‭ ‬يرسلون‭ ‬إلى‭ ‬بلدانهم‭ ‬الأصلية‭ ‬التعليمات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بنيتهم‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ .
ويضيف اللواء عبديلي: «ربما‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬وثكنات‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬الضباط‭ .‬نفتقر‭ ‬إلى‭ ‬هذا، ‭ ‬وتنقصنا‭ ‬الموارد، ‭ ‬ونحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المعدات‭ .‬نحن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬شركاء‭ ‬ومتبرعين‭ ‬أيضاً‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يساعدونا‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الصومالي‭ .‬نحن‭ ‬حريصون‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الصومالي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشراكات‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان. دون‭ ‬أن‭ ‬نستغل‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬لتشكيل‭ ‬جيشنا‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬الصوماليين‭.»‬
من جانب آخر، يمكن فهم هذا الصراع، في سياق عام؛ يتعلق بالصراع المرير بين تنظيمي «القاعدة»، و«داعش»، والممتد من العراق إلى سوريا واليمن إلى الصومال. فتوجهات المركز، واستراتيجيته، تؤثر بشكل كبير على الأطراف. وبالتالي يمكن القول إن «القاعدة» بالصومال لا تريد منح أي فرصة لتوسع «داعش» في أحد مواقعها التاريخية.
- أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».