شهدت مدينة منبج عمليات انتقال للسيطرة من طرف لآخر أكثر من معظم الأماكن خلال الحرب الأهلية في سوريا.
ومع استعداد القوات الأميركية للرحيل بعد قرار الرئيس دونالد ترمب بسحبها، يخشى السكان من اندفاع أطراف أخرى لملء الفراغ، مما يسبب مزيداً من الاضطرابات. ففي حين نشر الجيش السوري قواته على مقربة منها، تهدد تركيا بشن هجوم على المدينة.
وتحافظ القوات الأميركية على الاستقرار في منبج منذ هزيمة تنظيم داعش في عام 2016.
وعلى بعد 30 كيلومترا من الحدود التركية تحتل المدينة موقعا حساسا على خريطة الصراع السوري؛ إذ تقع قرب نقطة التقاء 3 مناطق منفصلة تمثل مجالا للنفوذ الروسي والتركي، وحتى الآن، الأميركي.
ورغم أن القوات الأميركية لم ترحل بعد، فإن تداعيات قرار ترمب بدت ظاهرة بالفعل في منبج. ودخلت القوات الحكومية السورية التي تدعمها روسيا ضواحي المدينة يوم الجمعة للمرة الأولى منذ سنوات، بدعوة من «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تخشى أن يفتح رحيل القوات الأميركية الطريق أمام هجوم تركي.
وقال إسماعيل شعلان (41 عاما) لمراسل «رويترز» وهو نازح يعيش في منبج منذ نزوحه من حلب قبل عامين: «من كام يوم ونحن عايشين بخوف، وما بنعرف شو عم بيصير (ماذا سيحدث) ومين راح يدخل، الجيش السوري أو الأتراك؛ ما بنعرف».
وقال ترمب إن الانسحاب سيتم ببطء. وشوهدت طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وطائرات الهليكوبتر الهجومية في سماء منبج يوم السبت الماضي.
وواصل مسلحون محليون من «مجلس منبج العسكري» المتحالف مع «قوات سوريا الديمقراطية»، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر على المدينة منذ 2016، القيام بدوريات اعتيادية يوم السبت الماضي وهم يحملون بنادق الكلاشنيكوف. وقال أبو حمزة، وهو أب لخمسة أولاد ويبلغ من العمر 43 عاما: «لقد أفلتنا من الحرب. لن نرى أسوأ من (داعش)». لكنه عبر أيضا عن خوفه قائلا: «خايفين... احنا بوضع مكركب».
ومنذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011 انتقلت السيطرة على منبج من طرف إلى آخر 3 مرات؛ إذ انتزعها مسلحو الجيش السوري الحر من القوات الحكومية السورية في وقت مبكر من الصراع، ثم سقطت في أيدي تنظيم داعش الذي أعلنها جزءا من «خلافته».
وبعد ذلك تمكنت «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي فصيل تقوده «وحدات حماية الشعب» الكردية ويدعمه تحالف بقيادة الولايات المتحدة، من طرد مسلحي التنظيم من منبج عام 2016. ومنذ ذلك الحين تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» وقوات متحالفة معها على منبج، مما أثار حنق تركيا التي تعد نفوذ «وحدات حماية الشعب» الكردية في شمال سوريا تهديدا لأمنها القومي.
وتقوم قوات أميركية وتركية بدوريات مشتركة قرب منبج منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وهو اتفاق تم في إطار جهود الولايات المتحدة لتبديد قلق الأتراك.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يوم الجمعة الماضي إنه لن تكون هناك حاجة لتركيا كي تقوم بأي شيء في منبج فور رحيل «الإرهابيين»، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب» التي تقول إن قواتها انسحبت بالفعل من المدينة. وتقول تركيا إن «وحدات حماية الشعب» لا يمكن فصلها عن «حزب العمال الكردستاني» الذي يشن تمردا في تركيا منذ 34 عاما. وتعهدت بسحق «وحدات حماية الشعب» بمساعدة حلفاء من مسلحي المعارضة السورية والذين جاء بعضهم من مناطق تسيطر عليها حاليا «قوات سوريا الديمقراطية» ويشعرون بعداء شديد تجاه المقاتلين الأكراد.
ويحشد مسلحون من المعارضة السورية تدعمهم تركيا قواتهم لشن هجوم على منبج في مناطق قريبة تخضع لسيطرة أنقرة منذ توغل الجيش التركي في شمال سوريا عام 2016، في إطار محاولته لطرد «وحدات حماية الشعب» الكردية. ولمح إردوغان يوم الجمعة الماضي إلى أن تركيا ليست في عجلة من أمرها لشن الهجوم.
وناشدت «وحدات حماية الشعب»، التي باغتها قرار ترمب بسحب القوات الأميركية، دمشق يوم الجمعة الماضي حماية منبج. وبعد قليل من هذه الدعوة، قال الجيش السوري إنه نشر قواته في منبج لضمان أمن «جميع المواطنين السوريين وغيرهم» في المدينة. ولم تدخل القوات الحكومية السورية المدينة، لكنها انتشرت في مناطق قريبة تمثل خطوط مواجهة مع مسلحي المعارضة السورية الذين تدعمهم تركيا.
وقال مصدر عسكري في «مجلس منبج العسكري» إن مناقشات مع الحكومة السورية أفضت إلى اتفاق بشأن الحاجة لمنع «الاحتلال التركي لمنبج». وأضاف المصدر أن انتشار الجيش السوري في منطقة منبج حتى الآن هو انتشار «جزئي»، مشيرا إلى أن مزيدا من عمليات الانتشار في المنطقة ستأخذ في الحسبان الوجود الأميركي.
وبالنسبة للدولة السورية وما إذا كانت تستعد لاستعادة سلطتها على منبج، قال المصدر إنه سيتم «تشكيل لجان في وقت لاحق بشأن كيفية إدارة المدينة».
وتعد قضية ما إذا كانت الحكومة السورية ستعود لحكم منبج أمرا بالغ الأهمية لكثيرين في منبج. وأحد أهم بواعث القلق هو الخوف من استدعائهم للخدمة في الجيش. لكن مع ذلك، فإن البعض يفضلون عودة حكم الأسد على احتمال تعرضهم لهجوم تركي.
منبج السورية تستعد لفوضى مع رحيل القوات الأميركية
جهات تبادلت السيطرة عليها 3 مرات خلال الحرب
منبج السورية تستعد لفوضى مع رحيل القوات الأميركية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة