اتفاق اقتصادي طويل الأمد بين دمشق وطهران

مسؤول: الأولوية في إعادة الإعمار بسوريا ستكون للشركات الإيرانية

رتل عسكري أميركي في منبج شمال سوريا أمس (أ.ف.ب)
رتل عسكري أميركي في منبج شمال سوريا أمس (أ.ف.ب)
TT

اتفاق اقتصادي طويل الأمد بين دمشق وطهران

رتل عسكري أميركي في منبج شمال سوريا أمس (أ.ف.ب)
رتل عسكري أميركي في منبج شمال سوريا أمس (أ.ف.ب)

وقّعت إيران وسوريا بالأحرف الأولى، أمس، على اتفاقية للتعاون الاقتصادي الاستراتيجي طويل الأمد، بحسب ما أعلنته وسائل الإعلام الرسمية التابعة للنظام السوري.
وقال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري محمد سامر الخليل الذي وقع الاتفاق ممثلا الجانب السوري، إن الاتفاق يشكل «تعاوناً شاملاً على المستوى المالي والمصرفي سيتيح فرصة كبيرة للشركات الإيرانية لأن تكون حاضرة في مجال الاستثمار في سوريا»، مؤكداً أن هذه الاتفاقية تسهم في تسهيل التبادلات التجارية وتذليل العقبات التي تحد من تطوير التعاون، لافتا إلى أن الجانبين ينتظران عملاً جاداً من اللجنة التي ستشكل وفق الاتفاقية لوضع كل البنود حيز التنفيذ العملي.
من جانبه، قال وزير الطرق وبناء المدن الإيراني محمد إسلامي وممثل الجانب الإيراني في الاتفاق الذي تم توقيعه، في طهران إن العلاقات «التاريخية بين البلدين باتت الآن في أهم منعطفاتها»، مبينا أن «خطة اليوم مقدمة للعمل الواسع بين البلدين مستقبلاً». وبحسب الوزير الإيراني، فإن طهران حددت 20 محوراً للقيام بأنشطة اقتصادية عبرها في سوريا، وستقدم في سياق استثمارات بين البلدين عبر الحكومة السورية. وأشار إلى عقد اجتماع اللجنة المشتركة بين الجانبين بمشاركة كبار المسؤولين في دمشق. ولفت إسلامي إلى أن بلاده تتابع عن كثب حضور القطاع الخاص الإيراني حرصا منها على فرصة الاستثمار في سوريا.
وفي لقاء للوزير السوري محمد سامر الخليل مع رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة في إيران غلام حسين شافعي، دعا خليل إلى «فتح حسابات متبادلة وبنوك مشتركة بين البلدين» وشدد على «أهمية التعاون بين مصرف سوريا المركزي والبنك المركزي الإيراني، خصوصاً مع استقبال توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي»، مؤكدا على أن الأولوية في إعادة الإعمار في سوريا ستكون للشركات الإيرانية، سواء كانت على المستوى الحكومي أو على مستوى القطاع الخاص.
وأشار شافعي خلال اللقاء إلى أن «غرفة التجارة الإيرانية أطلقت العام الماضي فريق إعادة الإعمار في سوريا بالتعاون مع بعض الغرف التجارية الإقليمية من أجل توفير الخدمات الفنية والهندسية للشركات الإيرانية، خصوصاً في بناء السدود والجسور ومحطات الطاقة والمصافي وإمدادات المياه وصناعة الأغذية والزراعة والسياحة الصحية وبناء الطرق ووحدات سكنية».
وأفادت وكالة «فارس» نقلا عن رئيس غرفة التجارة الإيرانية غلام حسين شافعي، باستعداد القطاع الخاص الإيراني للمشاركة في عملية إعادة البناء والإعمار في سوريا.
وانتقد شافعي إهمال اتفاقية التجارة الحرة بين طهران ودمشق، موضحا أن قيمة الرسوم الجمركية بين إيران وسوريا تبلغ 4 في المائة عدا بعض السلع المهمة. وعدّ رئيس غرفة التجارة الإيرانية أن إبرام الاتفاقية والوثيقة الاستراتيجية للتعاون بين البلدين ترتقي بالأرضيات التجارية اللازمة بما يتناسب مع العلاقات السياسية.
وعدّت مصادر اقتصادية سورية متابعة، أن إيران تسعى، وسط حالة من التنافس مع النفوذ الروسي في السيطرة على سوريا، إلى استثمار هيمنتها على النظام السوري في وضع خطط تمكنها من التحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليها، لا سيما فيما يخص قطاع المصارف، وهو الموضوع الذي أعيد طرحه على طاولات المناقشات خلال الشهرين الأخيرين، حيث تجدد الحديث عن تأسيس بنك إيراني ـ سوري مشترك.
وقالت المصادر استنادا إلى تصريحات المسؤولين في طهران ودمشق، إن «التعاون المصرفي أحد أهم الموضوعات التي تتناولها اللقاءات الاقتصادية الإيرانية ـ السورية، مع اعتبار أن استثمار الحساب المصرفي المشترك خطوة أولى للتعاون»، خصوصا أن البلدين يواجهان عقوبات اقتصادية دولية، كما يتم بحث الانضمام إلى نظام «سويفت» الروسي للتعاملات المالية والمصرفية، بهدف تجنب الهيمنة الأميركية على التمويلات.‏
وقطعت «سويفت للمراسلات المالية» خدماتها عن بعض المصارف الإيرانية، امتثالا للعقوبات الأميركية على إيران التي دخلت حيز التنفيذ قبل نحو شهرين، وهذه الخطوة تضع إيران في «عزلة» مصرفية تدفعها للبحث عن بدائل لتنفيذ تعاملاتها المصرفية لدعم عمليات التصدير والاستيراد لديها.
وكانت لجنة الصداقة البرلمانية السورية - الإيرانية التي عقدت في طهران قبل شهر ونصف قد ناقشت توسيع نطاق التعاون في مجال العلاقات البنكية بين البلدين، وتصدير السلع والبضائع الإيرانية عبر سوريا.
وكانت طهران قد أعلنت قبل شهرين عن بدء تنفيذ أهم مشروعتها على الأراضي السورية، وهو مد السكة من منفذ شلمجة على الحدود الإيرانية - العراقية وحتى مدينة البصرة جنوب العراق، وصولاً إلى ميناء اللاذقية، بطول 32 كلم، مع جسر متحرك بطول 800 متر، بتكلفة بين شلمجة والبصرة تريليونين ومائتي مليار ريال إيراني تتحملها إيران، بينما العراق يمد باقي السكة حتى الحدود السورية.
وتنص اتفاقية موقعة بين إيران والنظام السوري بشأن إعادة الإعمار على أن تبدأ إيران بمد خط حديدي عبر البصرة العراقية إلى سوريا عن طريق البوكمال ثم دير الزور، إضافة إلى صيانة البنية التحتية للمواصلات في سوريا، خصوصا السكك الحديدية.
يذكر أن حكومة النظام السوري وقعت أكثر من 5 اتفاقيات اقتصادية مع إيران في مجالات الزراعة والصناعة والنفط والاتصالات والثروة الحيوانية. ضمن إطار بناء علاقات اقتصادية «طويلة الأمد مع إيران» أبرزها اتفاق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بقيمة 400 مليون يورو لإنشاء محطة كهرباء في مدينة اللاذقية. كما اتفقت وزارة الإسكان والأشغال العامة في حكومة النظام السوري مع شركات إيرانية على تنفيذ وحدات سكنية ضمن مشروعاتها للإسكان.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.