قيود واندماجات وتشريعات لـ«ضبط» المشهد الإعلامي العربي في 2018

الأخبار الكاذبة تمنح الصحافة أملاً بمواجهة مواقع التواصل

جاءت سوريا في ذيل القائمة في المرتبة الـ 177 لتقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» عن مؤشر حرية الصحافة هذا العام (غيتي)
جاءت سوريا في ذيل القائمة في المرتبة الـ 177 لتقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» عن مؤشر حرية الصحافة هذا العام (غيتي)
TT

قيود واندماجات وتشريعات لـ«ضبط» المشهد الإعلامي العربي في 2018

جاءت سوريا في ذيل القائمة في المرتبة الـ 177 لتقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» عن مؤشر حرية الصحافة هذا العام (غيتي)
جاءت سوريا في ذيل القائمة في المرتبة الـ 177 لتقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» عن مؤشر حرية الصحافة هذا العام (غيتي)

قد يكون العنوان الأبرز للمشهد الإعلامي العربي في عام 2018 هو مواجهة الأخبار الكاذبة وما ترتب على ذلك من تحديات وفرص، فعلى مدار العام أقيمت مؤتمرات وجلسات حوارية لإيجاد حل لهذه المشكلة التي أرقت المنطقة العربية والعالم على حدٍ سواء، ومع ذلك فإن هذه الأزمة أعطت بعض الأمل للإعلام التقليدي كوسيلة للتحقق من المعلومات في مواجهة الإعلام الجديد أو السوشيال ميديا.
لكن وعلى مستوى آخر، فإن المعركة لا تزال دائرة بين ما يسمى بالإعلام القديم والحديث، وباتت وسائل الإعلام العربية القديمة تعاني تحت وطأة سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحديث على الشبكة العنكبوتية.
ليس هذا هو الخطر الوحيد الذي يهدد الإعلام العربي فعام 2018 كان حافلاً بالتحديات سواء تلك المتعلقة بالقيود والتشريعات القانونية، أو بمستوى الحريات الممنوحة للصحافة والإعلام، ومحاولات جهات حكومية السيطرة على مضمون الرسالة الإعلامية عبر اندماجات وتحالفات، أو عن طريق أزمات مالية متلاحقة عصفت بالإعلام بشكل عام، والصحافة الورقية بشكل خاص، مما أدى إلى إغلاق قنوات تلفزيونية وصحف ورقية.
وعلى صعيد التشريعات القانونية شهد العام محاولات عربية عدة لسن تشريعات إعلامية لـ«ضبط المشهد»، فأصدرت مصر 3 قوانين لتنظيم الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، ووضعت للمرة الأولى نصوصاً خاصة بالمواقع الإلكترونية، وحددت طرقاً لترخيصها، وفي السودان تم تعديل قانون الصحافة والمطبوعات، بينما ما زالت دول أخرى مثل البحرين ولبنان تعمل بقوانين قديمة يؤكد قائمون على العمل الإعلامي أنها لم تعد تتواكب مع العصر، وفي الجزائر ما زال العاملون بقطاع الإعلامي المرئي والمسموع يعانون من عدم إصدار الحكومة للائحة التنفيذية للقانون الصادر عام 2014 لتنظيم عمل الإعلام المرئي والمسموع، وكسر احتكار الدولة للتلفزيون، لتعامل القنوات التلفزيونية الخاصة في الجزائر، باعتبارها مكاتب لوسائل إعلام أجنبية.
وتثير قضية التشريعات الإعلامية سواء كانت قديمة أو جديدة الجدل في كل دولة تثار فيها هذه القضية، فبينما يرى البعض في التعديلات قيوداً جديدة على حرية الإعلام، ومحاولة من جانب الدولة السيطرة عليه، يؤيد آخرون هذه القيود للحد من الفوضى الإعلامية.
الناشر المصري هشام قاسم يرى في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «القوانين الجديدة ما هي إلا محاولة لفرض مزيد من القيود على حرية الإعلام»، مؤكداً أن ضبط المشهد الإعلامي «لن يحدث إلا بمزيد من الحرية، فالمنافسة هي التي ستمنح الإعلام القدرة على التطور».
لكن الإعلامي اللبناني جورج قرداحي كان له رأي آخر، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «القوانين ضرورية لتنظيم الإعلام، ووضع قيود حتى لا يتجاوز الإعلام الخطوط الحمراء التي تمس بالسلم الأهلي والتعايش بين المواطنين».
الصحافي التونسي توفيق حبيب، رئيس تحرير مجلة ليدرز، كان أيضاً مع إنشاء كيانات لتنظيم عمل الإعلام، وإن كان يؤكد على «تمتع الإعلام التونسي بالحرية»، ويقول لـ«الشرق الأوسط» «إن الدستور التونسي الصادر في عام 2014، نص على تكوين هيئة للاتصال السمعي والبصري، لكن هذا لم يحدث حتى الآن».
ورصدت منظمة «مراسلون بلا حدود» في تقريرها الأخير عن مؤشر حرية الصحافة لعام 2018، أن «العداء للصحافيين يزداد عالمياً»، وصنف التقرير، الذي يقيس حرية الصحافة في 180 دولة، الدول العربية في مراكز متأخرة، بسبب النزاعات المسلحة والاتهامات بالإرهاب، وزيادة الرقابة، مما يجعل ممارسة المهنة في الوطن العربي «أمراً خطيراً»، وجاءت سوريا في ذيل القائمة في المرتبة 177، ثم اليمن 167، والبحرين 166، وليبيا 162، ومصر 161، والعراق 160، والجزائر 136، والمغرب 135، والإمارات 128، ولبنان 100، وتونس 97.
لكن التشريعات والقيود القانونية سواء مقيدة أم ضابطة للمشهد الإعلامي العربي، ليست هي الوسيلة الوحيدة التي يتم اللجوء إليها للسيطرة على الرسالة الإعلامية، فهناك وسائل أخرى مثل حبس الصحافيين والإعلاميين، ربما كان أبرزها في المغرب حبس الصحافي المغربي توفيق بوعشرين، أو امتلاك الدولة أو جهات محسوبة عليها لوسائل الإعلام وربما كان المثال الأوضح على ذلك خلال عام 2018 ما حدث في مصر، من اندماج عدة شبكات فضائية، ودخولها تحت مظلة واحدة، أدت في النهاية إلى إغلاق الكثير من القنوات وتسريح عدد من الإعلاميين، ووقف عدد من البرامج لمشاهير الإعلاميين مثل لميس الحديدي.
رئيس التحرير السابق لصحيفة «المصري اليوم» محمد السيد صالح، عدّ في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الاندماجات تمثل خطورة على المشهد الإعلامي»، وقال إن «قطاعاً كبيراً الآن يضم مؤيدين للسلطة ينتقدون تدخل جهات ذات طابع رسمي للسيطرة على المشهد الإعلامي، خصوصاً وأن إدارة الموقف لا تجري باحترافية».
ويضيف صالح: «ما نراه اليوم يثبت أن هذه الاندماجات كانت بلا خطة ولا هدف، فهناك قنوات أغلقت في نفس العام الذي أطلقت فيها»، ويقدر أن «الخسائر بالمليارات، لكن الخسارة الأكبر تكمن في الجمهور الذي انصرف عن هذه القنوات إلى وسائل إعلام أخرى خارجية».
الأزمات المالية تحدٍ آخر أضيف لما واجهه الإعلام العربي في العام المنصرم، وكان ذلك بسبب تراجع عائدات الإعلانات، وارتفاع تكلفة الطباعة، وسعر الورق، في ظل انخفاض التوزيع واتجاه الجمهور للصحافة الإلكترونية كبديل عن الورقية.
وشهد عام 2018 تقليص أماكن طباعة صحيفة الحياة ورقياً وتقديم نسخة إلكترونية لقرائها، كما تم إغلاق دور صحافية عريقة مثل دار الصياد في لبنان، وتوقف صحف تونسية عن الطباعة واكتفائها بالمواقع الإلكترونية، وما نتج عن ذلك من تشريد صحافيين، وكان أكبر تعبير عن الأزمة هو إصدار صحيفة النهار اللبنانية عدداً من الجريدة بصفحات بيضاء.
توضح الصحافية التونسية آسيا العتروس، رئيس تحرير أول في جريدة الصباح التونسية، لـ«الشرق الأوسط» أزمة صحيفتها كواحدة من الصحف المصادرة في تونس في أعقاب الثورة التونسية، وتقول: «صحيفة الصباح واحدة من المؤسسات الإعلامية التي نشأت في تونس في أعقاب استقلالها، فعمرها من عمر تونس لكنها اليوم مهددة، حيث لم تحظَ بالإصلاح المطلوب في ظل فساد المشهد الإعلامي عبر ما يسمى بتعيينات الولاءات (أصحاب الولاء)».
ورأت العتروس أن «مناخ الحريات الصحافية في تونس لم يقابله استثمار لهذه الحرية، لتشهد الساحة الإعلامية منافسة شرسة بين مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة التقليدية».
ويرى رئيس تحرير مجلة ليدرز التونسية أن «الصحافة كانت أكبر مستفيد من الثورة التونسية، خاصة فيما يتعلق بالتحرر والتعددية، وإن كانت هناك محاولات لتجنيدها أو احتوائها في بعص الأحيان»، ويشير حبيب إلى أن «قلة المنافسة الاقتصادية بسبب ما حدث في ليبيا، أدى إلى انحسار الإنفاق الإعلامي وغياب الإعلانات والاشتراكات».
ويقول: «عام 2018 شهد صدور صحف ومحطات ومواقع مجهولة التمويل لا تخضع لأي منطق اقتصادي، واحتجاب صحف عتيدة مثل جريدة الصريح اليومية، وأخبار الجمهورية الأسبوعية، واكتفائها بنسخ إلكترونية، وتراكم ديون وأزمات مالية في دور صحافية أخرى مثل الصباح».
وتعد المنافسة مع مواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام الإلكتروني أحد أهم أسباب الأزمة التي تعاني منها الصحافة الورقية، خاصة مع هروب المعلنين إلى تلك المساحات الجديدة التي يمكن قياس مدى تأثيرها، بعيداً عن مؤشرات وهمية يتيحها الإعلام التقليدي.
خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الحديث، يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الصراع بدأ بين شركات السيلكون فالي وشركات الإعلام، على مساحة الإعلانات، لنصل اليوم إلى استحواذ (غوغل) و(فيسبوك) على 85 في المائة من الإعلانات، مقابل 15 في المائة لباقي وسائل الإعلام».
ويقول البرماوي إن «العالم استشعر خطورة السوشيال ميديا خاصة بعد الانتخابات الأميركية الأخيرة، وبدأت تحالفات إعلامية تضغط في مواجهة ما سمي بالأخبار المفبركة، واستطاعت خلال عام 2018 استعادة المصداقية لمنصاتها الإعلامية خاصة فيما يتعلق بالتحقق من الأخبار المفبركة والمغلوطة التي ثبت تأثيرها السلبي على المجتمع».
وإن كانت المعالجة عالمياً جاءت ملائمة بدرجة أو بأخرى، فإن الوضع مختلف عربياً، ويرى البرماوي أن «المنطقة العربية متأخرة في المشكلة والحل، رغم أن المشكلة أصعب هنا لأن وعي المواطن أقل»، لكنه في الوقت نفسه يرى أن «هناك حالة بسيطة متنامية في الشارع العربي مفادها أن السوشيال ميديا أكثر انتشاراً لكنها ليست الأكثر مصداقية، والتحقق من المعلومة يستلزم اللجوء لوسائل الإعلام التقليدية».
ودعا البرماوي وسائل الإعلام إلى «العمل على سد الفراغ على الإنترنت بتوفير محتوى نادر قادر على المنافسة في العصر الإلكتروني».
لكن فتحي أبو حطب، مدير عام مؤسسة المصري اليوم، يرى أن «وسائل الإعلام التقليدية في الوطن العربي خسرت المعركة في مواجهة الإعلام الحديث»، ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «النموذج الربحي للإعلام الذي كان قائماً على الإعلانات تغير، ولم يعد بإمكان الإعلام التقليدي جذب النسبة المطلوبة من المعلنين لافتقاده البيانات التي توفرها وسائل الإعلام الحديث عن طبيعة الجمهور وصفاته وحجمه، وما يدفع المعلنين إلى الإنترنت».
ويضيف أبو حطب أن «الإعلام في العالم تنبه إلى هذا التغير، وبدأ يعتمد على الاشتراكات، كما يحدث في نيويورك تايمز مثلاً»، متسائلاً: «هل لدى الإعلام العربي ما يستحق أن يدفع الجمهور مقابله؟»، ومشيراً إلى أن «المسألة تتطلب تحالفات وتوفير محتوى تستطيع تسويقه عالمياً»، واصفاً المؤسسات العربية بأنها «خارج الصناعة، وإن بقيت ستكون مؤسسات بائسة جداً».
وعلى صعيد التلفزيون والإنتاج التلفزيوني ضرب أبو حطب مثلا بشبكة نتفليكس، التي تحقق عائدات تبلغ 11 مليار دولار في السنة، مشيرا إلى أن «هناك شركات عربية بدأت تنتح لهذه المنصات، في ظل تراجع الإنتاج الدرامي والإعلامي في القنوات التقليدية»، ويقول: «للأسف فإن الإنترنت وسيط لم تنتبه له المؤسسات الصحافية».
ونظراً لطبيعة الإعلام العربي الذي يدخل المال السياسي فيه كجزء مهم من اللعبة فقد لا نشهد توقفاً للإعلام التقليدي، حيث سيستمر حتى وإن كان بلا جمهور لأن الساسة ما زالوا يؤمنون بأهميته ويسعون للتحكم فيه، وهو ما يعبر عنه الصحافي التونسي توفيق حبيب الذي يتوقع أن يشهد عام 2019 في تونس وهو عام الانتخابات، «محاولات لكسب وسائل الإعلام التقليدية واستمالتها وتمويلها لأغراض انتخابية».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.