هكذا يتحوّل الأطفال المهاجرون إلى وقود للجماعات الإرهابية في ليبيا

«المنظمة الدولية للهجرة» أكدت أن أعداد الصغار غير المصحوبين بذويهم يتعدى 30 ألف طفل (2 ــ 2)

طفل من إريتريا يرفع يديه شكراً لله بعد أن تمكّن من الوصول إلى أوروبا إثر إنقاذه من طرف خفر السواحل الإسباني (أ.ب)
طفل من إريتريا يرفع يديه شكراً لله بعد أن تمكّن من الوصول إلى أوروبا إثر إنقاذه من طرف خفر السواحل الإسباني (أ.ب)
TT

هكذا يتحوّل الأطفال المهاجرون إلى وقود للجماعات الإرهابية في ليبيا

طفل من إريتريا يرفع يديه شكراً لله بعد أن تمكّن من الوصول إلى أوروبا إثر إنقاذه من طرف خفر السواحل الإسباني (أ.ب)
طفل من إريتريا يرفع يديه شكراً لله بعد أن تمكّن من الوصول إلى أوروبا إثر إنقاذه من طرف خفر السواحل الإسباني (أ.ب)

أنهك ملف الهجرة غير المشروعة الحكومات المتعاقبة في ليبيا، منذ إسقاط نظام معمر القذافي في عام 2011، ولم تفلح في الحد من تنامي الظاهرة، التي تشير أدلة موثقة إلى أنها باتت تشكل خطراً يهدد مستقبل البلد المنقسم سياسياً، وبخاصة في ظل تدفق الآلاف من الأطفال غير المصحوبين بذويهم بين مدنه وبلداته، وهو ما يزيد من فرص وقوعهم فريسة لعصابات إجرامية، أو جماعات إرهابية.
وفي ظل عدم وجود جهاز أمني قوي، وجيش موحد في البلد المترامي جغرافياً، تنحصر مواجهة هذه الظاهرة في شكل مداهمات فردية ومطاردات لأوكار العصابات المتاجرة بالبشر في شرق البلاد، وبالمثل تفعل الأجهزة الأمنية في غربها. لكن حكومة «الوفاق الوطني» في طرابلس، المُعترف بها دولياً، تؤكد في معرض الدفاع عن نفسها لمواجهة الاتهامات الدولية بأن «ليبيا ليست إلا معبراً» للمهاجرين، وأنها تتعرض لظلم من دول «المنبع» الأفريقية والآسيوية، ودول أوروبا التي تعتبر مقصد كل هؤلاء المهاجرين القصّر، وليست ليبيا.
مخاطر العصابات و«داعش»
لم تكن تدرك المهاجرة الإريترية، التي ماتت أثناء ولادة رضيعها، أنها ستتركه وحيداً لدى جماعات مسلحة، أو أنه قد ينخرط يوماً بين صفوفها. فعلى مقربة من تحقيق «الحلم المؤجل» بالفرار إلى أوروبا، فاضت روح تلك المهاجرة الإريترية، وهي تضع طفلها الرابع في مخبأ سري لإحدى عصابات الاتجار بالبشر، كانت تحتجزها فيه مع أبنائها الثلاثة ومئات المهاجرين، على مقربة من مدينة صبراتة الليبية، المطلة على ساحل البحر المتوسط.
هذه الواقعة التي حدثت داخل عنبر مسقوف برقائق الصاج، يُطلق عليه محلياً اسم «كمبو»، كشفت عنها السلطات الأمنية مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بعد فرار عصابة مسلحة، مصطحبة معها جموع المهاجرين، ومُخلفة وراءها جثة السيدة، وبعض المهاجرين المرضى والمصابين.
وتعد مدينة صبراتة منصة مهمة لاستقبال وفود المهاجرين من أعمار وجنسيات مختلفة، والدفع بهم إلى عرض البحر، ولا تقل أهمية عن مدينتي زوارة، أو القرة بوللي، في نظر المهربين. ورغم كل محاولات التضييق والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها سلطات طرابلس، بالاتفاق مع الحكومة الإيطالية لوقف عمليات التهريب، فإن عيون القادمين من مسارات تهريب مختلفة، لا تزال تتجه إلى «الشط الثاني»، ولا يزال البحر يبتلع مزيداً منهم كل أسبوع على الأقل.
الحادث السابق، وغيره من الحوادث المؤلمة، كشف عنه صالح قريسيعة، مدير الإعلام بغرفة عمليات محاربة «داعش» في صبراتة، الذي كشف لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «عصابات تهريب المهاجرين في المدينة تجمّع ضحاياها في الـ(كمبوهات) لفترات طويلة، انتظاراً للظروف المواتية كي يتم الدفع بهم إلى البحر المتوسط».
وسرد قريسيعة وقائع مثيلة لوفاة السيدة الإريترية، فقال: «في أحيان كثيرة تموت الأم المهاجرة، وبخاصة إذا كانت مريضة، وتترك صغارها بمفردهم دون عائل، وأحياناً تموت سيدة حامل وهي تلد، ويظل رضيعها لدى عصابة التهريب». مبرزاً «وقوع مشاجرات كثيرة بالرصاص بين المهربين، وتكون النتيجة موت الأم أو الأب، أو كلاهما فيبقى الأطفال ليواجهوا مصيراً مجهولاً».
وأوضح قريسيعة، بصفته مطلعاً على أدبيات التنظيم «الإرهابي» وكيفية تجنيده لضحاياه، أن «عصابات التهريب تتولى هؤلاء الأطفال، وتستثمرهم بمعرفتها... فالصبيان المراهقون يتم التغرير بهم دينياً وإدماجهم في صفوف (داعش)، والفتيات الصغيرات يتم استغلالهن جنسياً من طرف أفراد عصابات التهريب، ومثل هذه الجرائم تكون سبباً في نقل الأمراض المُعدية».
دوريات الصحراء والساحل
في الصحراء الشاسعة للشرق الليبي، تتناثر جثث أطفال مهاجرين غير نظاميين، تطايرت أجسادهم النحيلة من مؤخرات حافلات كانت تقلّهم «إلى المجهول»، بينما في الغرب، حيث عاصمة «الحُكم» طرابلس، يصطف هؤلاء المهاجرون الصغار على قارعة الطرق للتسول، بعدما تقطعت بهم السبل في الوصول إلى سواحل البلاد، في رحلة دامية لم تخل من الابتزاز والتعذيب والاغتصاب.
وبعيداً عن الساحل الليبي، المطل على البحر المتوسط بطول 1800 كيلومتر، الذي تدفع إليه عصابات الاتجار بالبشر أفواج الطامحين في الهجرة، «تضبط الدوريات الأمنية التي تجوب صحراء طبرق وما حولها في الشرق الليبي، مهاجرين بينهم أطفال كثر غير مصحوبين بذويهم». وفي هذا الصدد، كشف وهّاب الهنداوي، أحد أعضاء «جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية» في مدينة القبة، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «الدوريات الصحراوية غالباً ما تعثر على أطفال من دول أفريقية، وبخاصة من مصر وتشاد»، مبرزاً أن «كل عملية تهريب مهاجرين نضبطها، نجد بينهم أطفالاً بمفردهم تتراوح أعمارهم ما بين 12 و15 عاماً».
وتابع وهّاب، الذي يعمل في هذه الدوريات المتحركة: «أحياناً نجد صغاراً سقطوا من العربات في الصحراء، فتكسرت سيقانهم وأضلعهم، أو أشرفوا على الموت، فنُحوّلهم إلى المستشفيات للعلاج قبل اتخاذ أي إجراء معهم».
وفي موازاة الدوريات الأمنية في الصحراء الشرقية، تشنّ الأجهزة الأمنية حملات على معاقل الجماعات المتاجرة بالبشر، بالقرب من الساحل الليبي، في مدن زوارة، والزاوية، والخمس، وصبراتة لضبط أفواج المهاجرين، وفي هذا السياق يكشف العقيد عبد السلام عليوان، مدير إدارة الفروع بجهاز الهجرة غير الشرعية بطرابلس في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، عن أنهم يعثرون باستمرار على أطفال كثيرين غير مصحوبين بذويهم في كل عملية إنقاذ.
لكن مثل هذه المداهمات لم تمنع انتشار الأطفال المهاجرين في شوارع العاصمة بهدف التسول، وهي الظاهرة التي اشتكى منها بعض مواطني طرابلس، الذي أصبحوا يرون أن بلادهم أصبحت امتداداً لشبكات تستخدم الأطفال لأغراض خاصة.
يقول حميد الوافي، الناشط المدني الليبي، لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحت أعداد هؤلاء الصغار كبيرة؛ فقد تشاهد عشرة أطفال دفعة واحدة، أعمارهم ما بين 5 و7 سنوات، غالبيتهم من تشاد والنيجر وغانا، يتسولون في نقطة واحدة بأحد شوارع طرابلس».
وينتشر هؤلاء الأطفال في أماكن عدة بالعاصمة، بداية من منطقة قصر بن غشير، إلى امتداد طريق السواني حتى السراج، أحد أحياء طرابلس، وتزيد أعدادهم بكثرة في منطقة أبو سليم والهضبة، وغوط الشعال وقرقارش.
لذلك؛ يتخوّف الناشط الليبي، من «استغلال هؤلاء الأطفال في تجارة الأعضاء البشرية»، مبرراً ذلك بـ«افتقاد الرقابة والأمن، وعدم وجود معالم حقيقية للدولة»، متسائلاً: «من يضمن عدم حدوث ذلك؟».
شبكات التسول
تفشي ظاهرة انتشار الأطفال المهاجرين في شوارع العاصمة الليبية، دفعنا أثناء إعداد التحقيق للتوجه إلى عميد بلدية طرابلس الكبرى عبد الرؤوف بيت المال، الذي أقر لـ«الشرق الأوسط» بـ«تفشي ظاهرة التسوّل وانتشارها في العاصمة»، وقال إنه «سينفذ حملة أمنية لمكافحتها».
وفي حملة شارك فيها جهاز مكافحة الهجرة، ووزارة الشؤون الاجتماعية منتصف ديسمبر الحالي ألقي القبض على عدد كبير من المتسولين، وأوضحت النتيجة التي أعلنتها البلدية، أن 85 في المائة من المتسولين، الذين قبض عليهم من جنسيات أجنبية، منذ إطلاق الحملة التي استهدفت الشوارع الرئيسية داخل طرابلس، وأن عدد الليبيين الذين تم اعتقالهم لا يتجاوز 15 في المائة، قبل أن يتم إطلاق سراحهم.
وقالت السلطات المحلية، إنها قبضت في الحملة نفسها على 48 متسولاً، بينهم رجال ونساء وأطفال من مختلف الأعمار والجنسيات، في حين لاذ الباقون بالفرار عند قدوم الأجهزة الأمنية.
غير أن الحقوقي الليبي جمال المبروك، رئيس «منظمة الإغاثة والتعاون الدولية»، أوضح لنا أن «عمليات التسول التي يمارسها أطفال المهاجرين تشرف عليها شبكات دولية من جنسيات عدة، والمداهمات الأمنية أسفرت عن العثور على مبالغ مالية كبيرة مع عدد من الأطفال». مبرزاً أن «بعض المتسولين عندما يجمّعون مبلغاً من المال يدفعون به إلى عصابات التهريب قصد نقلهم إلى الشط، ومن هناك يركبون الزوارق إلى أوروبا».
في السياق نفسه، لفت المبروك إلى أن المنظمة بصدد الانتهاء من دراسة ميدانية موسعة، تتعلق بحصر المهاجرين داخل المجتمع الليبي، موضحاً أنهم توصلوا من خلال الدراسة، التي أجريت على عشر بلدات غرب طرابلس: «إلى وجود عدد من الأطفال غير المصحوبين بذويهم، كما تبين لباحثي المنظمة وجود أطفال آخرين مع عائلاتهم، ويعملون أيضاً في التسول، وظروفهم المعيشية سيئة، ولا تتوفر لهم فرص تعليمية أو للعلاج».
وأوضح المبروك لـ«الشرق الأوسط»، أن «مدن الجنوب تضم حالياً أعداداً كبيرة من الأطفال غير المصحوبين بذويهم»، وأرجع ذلك إلى سببين: الأول عدم وجود مؤسسات فاعلة للدولة في تلك المدن، وثانياً النشاط الكبير لشبكات التهريب هناك؛ نظراً لحدود البلاد الواسعة والمفتوحة».
مطالب حقوقية
بعيداً عن الانتهاكات التي تقع في حق الأطفال المهاجرين في الشارع الليبي، أوضح رئيس «منظمة الإغاثة والتعاون الدولية» أن فريق الباحثين رصد خلال زيارته الأخيرة إلى مركز إيواء المهاجرين غير الشرعيين «أبو رشادة» بمنطقة غريان (شمال غربي ليبيا)، أعداداً كبيرة من الأطفال، تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاماً، «محتجزين مع مجموعات الشباب، وتثبتنا من تعرض هذه الفئة المستضعفة لانتهاكات جسدية من كبار السن، كما وجدنا هناك أطفالاً حديثي الولادة، ليس لهم سند، بعد فقد أمهاتهم». ونوّه رئيس منظمة الإغاثة إلى أن فريقه لفت نظر المسؤولين عن المركز لهذا الإجراء المخالف للمعايير الإنسانية، فتمت الاستجابة بتوفير أماكن إقامة بديلة للأطفال. كما أبرز المبروك أن منظمة الإغاثة تتواصل مع «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسف) لوضع برنامج لتثقيف وتوعية الضباط والعاملين في مراكز إيواء المهاجرين بحقوق الأطفال المهاجرين.
ونظراً لكثرة الانتهاكات التي شهدها مركز إيواء «أبو رشادة»، فقد تم إغلاقه مع أربعة مراكز أخرى، عبر قرارات صدرت تباعاً من رئيس جهاز الهجرة العميد علي بشر، وهي مركز «شهداء النصر» بالزاوية، و«الشقيقة» في غريان، و«درج»، و«الجفرة».
جهود المنظمات الدولية
مخاوف وقوع أطفال المهاجرين في براثن تنظيم داعش، كانت محور تحذيرات «المنظمة الدولية للهجرة»، و«منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)»، و«المفوضية السامية لشؤون اللاجئين»، الذين رأوا أن هذه الفئة المستضعفة باتت «معرّضة أكثر من غيرها لخطر الاتجار بالبشر، والاحتجاز التعسفي، والاستغلال الجنسي». وفي هذا السياق، أطلع عثمان البلبيسي، رئيس المنظمة الدولية للهجرة لدى ليبيا، «الشرق الأوسط» على تقدير لعدد الأطفال غير المصحوبين بذويهم في ليبيا، وقال: «إنهم يمثلون 6 إلى 7 في المائة من بين كل مجموعة يتم ضبطها من المهاجرين»، لافتاً إلى أن «الوصول إلى هذه الأرقام جاء بناءً على تقديرات ومقابلات للأطفال والمهاجرين غير الشرعيين، وتتبع رحلاتهم من الدول الأفريقية، ومقارنة الرحلات بعضها ببعض».
وقال رئيس «المنظمة الدولية للهجرة»: «سبق أن رصدنا أعداد الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم داخل الأراضي الليبية، بقرابة 30 ألف طفل (وفق تقدير جرى منتصف عام 2018)». لكنه أبرز أن «الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك بكثير». ووضعت المنظمات الثلاث ضمانات إجرائية لتنفيذ مجموعة شاملة من التدابير لحماية الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم، أو المنفصلين عنهم، واللاجئين الذكور والإناث الأصغر من 18 سنة، والموجودين في ليبيا. ووفق إحصائيات للمنظمات الثلاث، فإن عام 2017 شهد وصول ما يزيد على 119 ألفاً بين مهاجر ولاجئ إلى إيطاليا، قادمين من ليبيا عبر طريق وسط البحر المتوسط، بينما فارق الحياة ما لا يقل عن 2832 مهاجراً أو لاجئاً. وسجّل عدد الواصلين إلى إيطاليا انخفاضاً حاداً منذ يوليو (تموز) عام 2017، مقارنة بالفترة نفسها في 2016، على الرغم من الارتفاع الاعتيادي في الأعداد خلال أشهر الصيف، وقد استمر هذا التراجع عام 2018 عندما وصل قرابة 21 ألف مهاجر ولاجئ إلى إيطاليا، بينما وصل 234 لاجئاً إلى مالطا بحلول سبتمبر (أيلول) 2018، لكن رغم انخفاض عدد الواصلين، فإن الرحلات أصبحت أكثر خطورة.
ونجحت المنظمات الثلاث في إعادة طفلة تدعى صوفيا، فقدت والدتها تحت أمواج المتوسط، إلى والدها في غرب أفريقيا. لكن حالة صوفيا التي لا يتجاوز عمرها سبع سنوات، تنطبق تماماً على مئات من أمثالها، الذين عطّلت الأمواج خطة انتقالهم مع ذويهم إلى أوروبا في موجات متلاحقة من الهجرة غير الشرعية. وفي هذا الإطار يؤكد خفر السواحل الليبي، أنه لا يمر أسبوع دون إنقاذ مئات المهاجرين من الغرق، بينهم أطفال فقدوا أقاربهم في مياه البحر.
حدود المسؤولية
في هذا البلد الذي يموج بالفوضى، منذ الانتفاضة التي أسقطت نظام القذافي عام 2011، بات من الصعب أن تجد مسؤولاً يخضع للمحاسبة على تقصير أو فشل، رغم اتهامات طالت غالبية رجال الحكم في البلاد بالفساد. فالمبررات موجودة والتعليلات متاحة، أقلها أن تجد من يقول: «إذا كان أهل البلد يتعرضون للاستهداف والاغتيال، فلن تجد من يبكي على مواطنين تسللوا عبر حدوده على خلاف القانون».
ولأن هناك حكومة معترف بها دولياً، مكلفة حماية البلاد واللاجئين، سعينا للتواصل مع وزارتي الداخلية و«شؤون النازحين والمهجرين» للاستفسار حول الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للتعامل مع هؤلاء الأطفال، فجاءت الإجابات لتؤكد أن «ليبيا مجني عليها في هذه القضية... والعالم الخارجي اكتفى بالاتهامات دون وضع حلول جذرية، مثل تنمية الدول الأفريقية، أو إيجاد فرص عمل لهؤلاء المهاجرين، بهدف منعهم من مغادرة أوطانهم، والمجازفة بأرواحهم في رحلة تنتهي حتماً بهلاكهم في مياه المتوسط».
يقول العميد محمد علي بشر، رئيس جهاز الهجرة غير الشرعية لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يستهدف إغلاق جميع مراكز الإيواء نهائياً، بعد تكثيف رحلات العودة الطوعية للمهاجرين».
ورغم تزايد عمليات اعتقال بعض المهاجرين، وإنقاذ غيرهم من الغرق في مياه البحر المتوسط، فإن بشر يرى أن «أعداد المهاجرين في تناقص»، في إشارة إلى من هم داخل مراكز الإيواء.
وتابع بشر متحدثاً عن الأضرار التي لحقت ببلاده بسبب عمليات الهجرة، وما أنفقته عليها رغم معاناتها، وأرجع استمرار تدفق المهاجرين إلى «المسافات المترامية لبلاده، التي تستفيد منها عصابات المتاجرة بالبشر، وعدم وجود بوابات حدودية تصد المعتدين».
غير أن عبد الرحمن غندور، الممثل الخاص لـ«يونيسف» في ليبيا، قال: إنه «بغض النظر عن الوضعية القانونية والظروف والأسباب الكامنة وراء ترحال الأطفال، يظلّ الطفل طفلاً، وقد يؤدي الحرمان والأذى، الذي يعيشه خلال رحلته المحفوفة بالمخاطر، إلى زعزعة الأسس التي يرتكز عليها نموّه الجسدي والعاطفي»، وذهب إلى «أن التعاون القائم بين المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين ضروري لإيجاد حل دائم لكل طفل».
مطلب أممي للسلطات الليبية
في مواجهة هذه الظاهرة، طالبت البعثة الأممية السلطات الليبية بسرعة الإفراج عن جميع المهاجرين واللاجئين المحتجزين بشكل تعسفي، مع منح الأولوية للأشخاص الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال، وبخاصة غير المصحوبين أو المنفصلين عن ذويهم، والأسر والحوامل والمرضعات، والناجون من الاتجار بالبشر والتعذيب والاغتصاب، والأشخاص ذوو الاحتياجات الصحية البدنية والعقلية الخاصة، وذوو الإعاقة.
ودعت البعثة السلطات الليبية إلى تعديل التشريعات الليبية، بما في ذلك القانون رقم 6 لسنة 1987، والقانون رقم 19 لسنة 2010، بما يكفل إلغاء تجريم الدخول والإقامة والخروج غير القانوني من البلاد، وإنهاء ممارسة الاحتجاز الإلزامي أو التلقائي للمهاجرين، مع ضمان التعاطي مع أي مخالفات تتعلق بالهجرة على أنها «مخالفات إدارية بدلاً من جنائية».
وانتهت البعثة إلى ضرورة إعداد قانون لمكافحة الاتجار بالبشر، وتنفيذه بشكل فعال يضمن حماية الناجين والضحايا، وملاحقة مرتكبي الاتجار، وذلك عبر إجراءات تفي بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.



إيران في ربع قرن... صراع «الثورة» والدولة

امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)
امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)
TT

إيران في ربع قرن... صراع «الثورة» والدولة

امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)
امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)

عاشت إيران على مدى 25 عاماً صراعاً داخلياً مريراً بين البعد الآيديولوجي «الثوري» والنظرة الاستراتيجية الساعية لحماية الدولة ومصالحها في عالم متغير.

ورغم الآمال بتحولات جذرية، اصطدمت محاولات الإصلاح بمقاومة مراكز القوى التقليدية، مما حال دون حسم التناقض بين مبادئ «الثورة» ومتطلبات المصالح القومية بشكل جذري، أو تحقيق توافق مستدام بين هذين النهجين المتعارضين.

منذ عام 2000، شهدت إيران تداول السلطة بين خمسة رؤساء للجمهورية بصلاحيات محدودة، وتعاقب خمسة برلمانات تأثرت بالتيارين الرئيسيين «الإصلاحي» و«المحافظ»، في ظل جدل مستمر حول طبيعة الحكم، اتجاهاته، وأولوياته.

ومع دخول إيران منتصف العقد الرابع من عمر ثورة 1979، لا تزال صلاحيات الجهازين المنتخبين، التشريعي (البرلمان) والتنفيذي (الحكومة)، خاضعة بالكامل لهيمنة مراكز صنع القرار، على رأسها مؤسسة المرشد علي خامنئي الذي يتمتع بصلاحيات شبه مطلقة تجعله فوق جميع مؤسسات الدولة.

في المقابل، توسع دور المؤسسات العسكرية والسياسية مثل «الحرس الثوري» و«مجلس صيانة الدستور» اللذين يحملان على عاتقهما حماية المبادئ الآيديولوجية لنظام الحكم، المستند إلى دستور يقوم على مبدأ «ولاية الفقيه» الركيزة الثابتة في موازين القوى الداخلية. هذه المؤسسات تشكل أدوات أساسية في الحفاظ على هوية «الجمهورية الإسلامية» وتعزيز نهجها المعادي للغرب.

بعد نحو 45 عاماً من «الثورة الإسلامية» في إيران لم يحسم التناقض بين مبادئها والمصالح القومية (غيتي)

خاتمي وتحول الصراع

تزامنت بداية الألفية الجديدة في إيران مع مرحلة حاسمة من عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، تحديداً الفترة الأخيرة من رئاسته (1997 - 2005). اتسمت هذه المرحلة بتصاعد المواجهة بين الإصلاحيين والمحافظين، إذ عمل التيار المحافظ على عرقلة الشعارات الإصلاحية التي رفعها خاتمي، خصوصاً في مجالي الحريات المدنية وحرية التعبير.

ولعبت المؤسسات غير المنتخبة التي تخضع لإشراف مباشر من المرشد علي خامنئي، مثل «مجلس صيانة الدستور» والقضاء، دوراً حاسماً في تعطيل الإجراءات الإصلاحية، مما جعل الإصلاحيين يواجهون تحديات متزايدة في تحقيق أجندتهم السياسية والاجتماعية.

شهدت فترة خاتمي تحولاً بارزاً في الصراع بين أنصار الآيديولوجية الثورية ودعاة المصالح الاستراتيجية. عدَّ خاتمي أن الإصلاحات ضرورة استراتيجية لضمان استمرارية نظام الحكم وتكيّفه مع المتغيرات الداخلية والخارجية، بينما رأى منتقدوه في طروحاته تدخلاً خطيراً يهدد أسس نظام «ولاية الفقيه».

عملت طهران على تحسين علاقاتها مع الغرب وتعزيز الهوية الوطنية من خلال مبادرات مثل «حوار الحضارات»، إلا أن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والغزو الأميركي للعراق عام 2003 شكّلا ضربة لهذا التوجه. ومع سقوط نظام صدام حسين، وجدت إيران فرصة لتوسيع نفوذها الآيديولوجي في العراق عبر دعم جماعات مرتبطة بها كانت قد نشأت وتشكّلت داخل أراضيها.

ساهم الملف النووي في تقويض مبادرة «حوار الحضارات» لخاتمي، وزيّف محاولات بناء الثقة مع الغرب، مما زاد من عزلة إيران والتوترات الإقليمية والدولية.

لعب «الحرس الثوري» دوراً أساسياً في البرنامج النووي وحروب المنطقة (موقع خامنئي)

«الحرس» والدور الإقليمي

كما لعب «الحرس الثوري» دوراً أساسياً في قضايا البرنامج النووي، والتطورات الداخلية، وحروب أفغانستان والعراق في نهاية عهد خاتمي.

في أفغانستان، دعم «الحرس الثوري»، الولايات المتحدة، في إطاحة حركة «طالبان». أما في العراق، فقد قاد «فيلق القدس» جماعات عراقية مسلحة لتعزيز النفوذ الإيراني الذي استمر لسنوات. كما توسعت أنشطة الفيلق بقيادة الجنرال قاسم سليماني في لبنان، مما أسهم في إنشاء شبكة عمل موازية للدبلوماسية الإيرانية في السياسة الإقليمية.

تعزيز الحضور العسكري الأميركي في المنطقة دفع إيران إلى الشعور بالتهديد، مما أدى إلى توسيع برامجها الأمنية والاستراتيجية، على رأسها البرنامج النووي وتطوير الصواريخ الباليستية.

وفي عام 2002، أثار اكتشاف منشآت نووية سرية شكوك المجتمع الدولي حول نيّات البرنامج الإيراني، بما في ذلك احتمال إنتاج أسلحة نووية. ومع تصاعد التوترات، تحولت أولويات الغرب مع طهران إلى لجم أنشطتها النووية.

كما هدد المسؤولون الأميركيون، خصوصاً خلال فترة حكم جورج بوش، مراراً باستخدام الخيار العسكري إذا استمرت إيران في أنشطتها النووية.

شهدت فترة خاتمي تحولاً بارزاً في الصراع بين أنصار الآيديولوجية الثورية ودعاة المصالح الاستراتيجية

«النووي» ملفاً للجدل الداخلي

مُذّاك، أثار الملف النووي جدلاً داخلياً في إيران حول الأولويات الوطنية، إذ سعى الإصلاحيون للحفاظ على العلاقات الدولية وتقليل التوتر، بينما دفع المحافظون نحو التشبث بالمبادئ الآيديولوجية.

في 2003، أعلنت طهران وقف تخصيب اليورانيوم «طواعية» كجزء من اتفاق «سعد آباد» مع الترويكا الأوروبية، مع تعهد بعدم إحالة الملف إلى مجلس الأمن، وإقامة علاقات اقتصادية مع أوروبا. في العام نفسه، بدأت إيران الترويج لفتوى المرشد علي خامنئي التي تحرم إنتاج السلاح النووي أو تخزينه أو استخدامه، مما أصبح أساس الموقف الإيراني الدولي حول البرنامج النووي.

لكن الولايات المتحدة المتشككة في نيّات طهران، عدّت الاتفاق غير كافٍ، واتهمت إيران بتوسيع برنامجها النووي، ما دفعها لفرض عقوبات اقتصادية على البنوك الإيرانية وقطاع الطاقة.

ولاحقاً أحالت ملف إيران إلى مجلس الأمن في خطوة لاقت مساندة دولية. حدث ذلك في بداية عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، مما دفع إيران لتبني سياسة هجومية تجاه القوى الغربية.

لم تعلن إيران رسمياً امتلاكها برنامجاً لتطوير السلاح النووي. ونشرت الاستخبارات الأميركية في 2007 تقريراً يفيد بأن إيران أوقفت برنامجاً لتطوير السلاح النووي في 2003، وساهم التقرير في تعديل الموقف الأميركي.

خلال ثماني سنوات من رئاسة محمود أحمدي نجاد، تصاعد التوتر مع الغرب بسبب البرنامج النووي الإيراني الذي ارتفع تخصيب اليورانيوم فيه إلى 20 في المائة. وأصر أحمدي نجاد على حق إيران في استخدام التكنولوجيا النووية سلمياً. رداً على ذلك، فرضت عقوبات مشددة على إيران استهدفت برنامجها النووي، ومبيعات النفط، والاقتصاد، ووُضعت تحت الفصل السابع.

عززت إيران نفوذها في الشرق الأوسط فازداد التوتر مع قوى إقليمية (أ.ب)

إيران وفرصة «الربيع»

على صعيد العلاقات الخارجية، سعت إيران لتعزيز علاقاتها مع الدول العربية والأفريقية وأميركا اللاتينية، ودعمت جماعات مسلحة مثل «حزب الله» و«حماس».

مع اندلاع ثورات «الربيع العربي»، سعت إيران لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مما زاد التوترات مع القوى الإقليمية والدول العربية. وكان دعم نظام بشار الأسد في سوريا من أولويات حكومة أحمدي نجاد، قبل تسليم السلطة لحسن روحاني.

داخلياً، شهدت إيران أزمة كبيرة بعد فوز أحمدي نجاد في انتخابات 2009، ما أدى إلى احتجاجات «الحركة الخضراء» إثر رفض نتائج الانتخابات التي جرت بين أحمدي نجاد والمرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي.

بعد انتهاء فترة رئاسة أحمدي نجاد، سعت إيران إلى تهدئة التوترات مع الغرب، ودخلت في مفاوضات نووية بهدف إدارة هذه التوترات مع القوى الكبرى. استمرت المفاوضات لعامين، وأسفرت عن اتفاق نووي في 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) الذي أدى إلى تجميد العقوبات الأممية المفروضة على إيران وفرض قيود على برنامجها النووي.

لعب المرشد الإيراني دوراً محورياً في المفاوضات، إذ مهّد لذلك بمفاوضات سرية خرجت للعلن بإعلان «المرونة البطولية». ووضع خامنئي خطوطاً حمراء تتضمن الحفاظ على حق إيران في تخصيب اليورانيوم، ورفع العقوبات الاقتصادية، ورفض دخول المفتشين الدوليين إلى المنشآت العسكرية.

دعم خامنئي بحذر فريق الرئيس حسن روحاني في المفاوضات النووية، رغم الضغوط من التيارات المحافظة، من دون أن يتحمل المسؤولية المباشرة عن النتائج. كانت المفاوضات توازناً بين الآيديولوجيا والمصالح الاستراتيجية، إذ سعت إيران للحفاظ على شعاراتها «الثورية»، وفي الوقت نفسه التعامل مع المتغيرات الدولية، ومواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، وتمويل أنشطتها الإقليمية، وضمان استمرارها لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط.

استمر «الحرس الثوري» الإيراني في تعزيز نفوذ إيران في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق، وتوسعت أنشطته في دعم الجماعات التي تدعمها إيران وتعزيز وجودها العسكري هناك. كما وسّع أنشطته الصاروخية. وفي الوقت نفسه، هدد المرشد الإيراني بطرد القوات الأميركية من المنطقة. هذه الأنشطة أثارت قلق الإدارة الأميركية، ما دفع الرئيس دونالد ترمب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي.

خامنئي خلال لقائه قدامى المحاربين في أثناء الحرب العراقية - الإيرانية (إ.ب.أ)

«الصبر» لمواجهة «الضغوط»

وفي مواجهة «الضغوط القصوى» التي مارستها إدارة ترمب، بما في ذلك منع إيران من مبيعات النفط، تمسكت طهران أكثر بسياسات «السير على حافة الهاوية» و«الصبر الاستراتيجي». كما شهدت المياه الإقليمية توترات بسبب احتجاز ناقلات نفط من قبل «الحرس الثوري» بعدما هددت طهران بعرقلة خطوط النفط. وقرر ترمب تصنيف «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب.

جاء مقتل قاسم سليماني بأمر من ترمب في لحظة مفصلية من تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، مما قرب البلدين من حافة الانزلاق إلى حرب مباشرة.

في تسجيل مسرب عام 2021، دعا وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، إلى تحقيق توازن بين السياسة الخارجية و«الميدان»، مشيراً إلى تأثير «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري». وكشف عن انقسام داخلي بين التيار الآيديولوجي والبراغماتي، إذ سعى الأخير لتحقيق مصالح مثل رفع العقوبات. دافع ظريف عن قناعته بأن العمل الدبلوماسي يعتمد على الواقع الميداني، والعكس صحيح، إذ يمكن للدبلوماسية أن تمنح «شرعية دولية» للإنجازات الميدانية.

مع مجيء الرئيس الأميركي جو بايدن، استخدم المرشد الإيراني نفوذه لدعم «الحرس الثوري»، وأبدى مرونة محدودة لإدارة التوترات عبر المفاوضات النووية. حاول بايدن العودة للاتفاق النووي مع طهران، لكن الإجراءات النووية غير المسبوقة التي اتخذها الجانب الإيراني وتولي حكومة محافظة بقيادة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، ودخول روسيا في حرب مع أوكرانيا، عرقلت المسار الدبلوماسي إلى حد كبير.

قاسم سليماني (تسنيم)

رئيسي و«الحكومة الثورية»

مع تولي رئيسي، تمسكت طهران بالإبقاء على المسار الدبلوماسي لطاولة المفاوضات مع الغرب، من دون أن تعبر المفاوضات خط النهاية.

فسرت مرحلة رئيسي في البداية بأنها امتثال لمقاربة طرحها المرشد الإيراني بشأن تولي «حكومة ثورية» في بداية العقد الرابع من نظام الحكم، وتوحيد توجهات أركان الدولة، وحصرها بيد المحافظين، بعدما واصل هيمنته على البرلمان.

حملت حكومة إبراهيم رئيسي نقاط تشابه كبيرة مع حكومة محمود أحمدي نجاد؛ فمن جهة عادت طهران لمساعي التقارب مع القوى الإقليمية، ومن جهة أخرى راهنت على الالتفاف على العقوبات وإبطال مفعولها. وسرعت خطواتها النووية، اعتماداً على قانون أقره البرلمان في نهاية 2020، بدعم كبير من المرشد.

شهد عام 2024 تطورات غير متوقعة في إيران، إذ أدى تحطم مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي إلى انتخابات رئاسية مبكرة فاز فيها النائب مسعود بزشيكان. تعهد الرئيس المدعوم من الإصلاحيين بمواصلة سياسة «التوجه نحو الشرق» وتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، إضافة إلى السعي لرفع العقوبات عبر العودة للمفاوضات النووية.

إقليمياً، تحولت طهران من «حرب الظل» مع إسرائيل إلى ضربات مباشرة، بينما تعرضت لانتكاسات استراتيجية مهمة، أبرزها سقوط نظام بشار الأسد وتراجع دور «حزب الله» و«حماس». ومن شأن هذه التطورات أن تضعف دور «الحرس الثوري» الإقليمي، لكنها قد تنذر بانتقاله لمحاولة تعويض ذلك في مناطق أخرى، بما في ذلك الداخل الإيراني.

بزشكيان ومصالحة داخلية

تأتي رئاسة بزشكيان التي ينظر إليها على أنها محاولة للمصالحة الداخلية في إيران، في فترة حساسة مع ترقب الإيرانيين لملف خلافة المرشد. من غير المتوقع أن تحدث تغييرات جذرية في العلاقات مع الغرب، ويُحتمل أن يحصل بزشكيان على صلاحيات محدودة في المفاوضات النووية.

شدد بزشكيان بعد فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية على ضرورة إدارة العلاقة والمواجهة مع الولايات المتحدة من قبل الإيرانيين أنفسهم. قال بزشكيان إن نهج حكومته سيكون في إطار استراتيجية نظام الحكم وتوجهاته الشاملة.

من المرجح أن يحصل بزشكيان على دعم خامنئي والتيار «الثوري» للتوصل إلى تسوية تهدف إلى تخفيف الضغوط على إيران. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو لا يعني بالضرورة الابتعاد عن حافة الهاوية، بل يعكس توجهاً لتوسيع هامش المناورة في مواجهة التوترات مع الغرب. ومن المتوقع أن تستمر إيران في هذا النهج على المدى القريب، على الأقل حتى تتضح ملامح هوية المرشد الإيراني الثالث.