انقسام لبناني حول المصلحة من الانفتاح مجدداً على دمشق

الحكومة السورية عاتبة وغير متحمسة لمبادرات فريق «8 آذار»

TT

انقسام لبناني حول المصلحة من الانفتاح مجدداً على دمشق

ترسل دمشق تباعا رسائل إلى المسؤولين اللبنانيين، مفادها أنها باتت غير متحمسة للانفتاح اللبناني عليها، وتالياً إشراك لبنان بعملية إعادة إعمار سوريا نظرا لتأخره بطرق أبوابها مجددا وتردده بإحياء العلاقات اللبنانية – السورية رسميا، رغم كل الضغوط التي كان ولا يزال يمارسها حلفاؤها اللبنانيون، وهو ما تؤكد عليه مصادر في قوى 8 آذار قريبة من حزب الله. ولم يتخط السوريون، بحسب هذه المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، قضية استبعادهم عن القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي تعقد في بيروت الشهر المقبل، رغم الانتقادات العلنية التي وجهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومسؤولون في حزب الله، من تغييب دمشق عن هذه القمة.
وانتقد السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي، مؤخرا، مقاربة لبنان الرسمية للعلاقات اللبنانية – السورية، واعتبر أن «العلاقة التي تجمع بين لبنان وسوريا، البلدين الشقيقين، ليست متوترة، ولكن ليست بالمستوى التي تفرضه مصلحة البلدين وحاجة البلدين والتحديات التي يواجهها البلدان».
وفيما يعتبر النائب في كتلة «التنمية والتحرير» قاسم هاشم، أن «لبنان تأخر كثيرا بالانفتاح على دمشق وبأنه من حق المسؤولين السوريين أن يتخذوا الموقف الذي يرونه مناسبا، سواء في عملية إشراك لبنان في عملية إعادة الإعمار أو غيرها من القضايا»، يستغرب مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر هذا الحديث ويشدد على أن «السياسة الخارجية يفترض أن تخدم مصالح دولة ما، والتطبيع مع سوريا مسألة انقسام داخلي حاد، كان لبنان ولا يزال بغنى عنه». ويشير نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «للدولة اللبنانية مصالح حيوية مع الدول العربية كما مع دول غربية نافذة كلها تقاطع سوريا، وبالتالي المصلحة اللبنانية لا تقول بالتفرد بقرار الانفتاح على سوريا لأن ذلك سيعني اصطفافنا في المحور الإيراني». ويضيف: «أما تلويح البعض بأن سوريا لن تشرك لبنان بعملية إعادة الإعمار إذا لم يسارع إلى التطبيع معها، فكلام بغير مكانه باعتبار أن هذه العملية لم تنطلق وهي مرتبطة بالحل السياسي النهائي، فالطرف الذي ربح الحرب لا مال لديه للإعمار، ومن خسر لن يعيد الإعمار إلا بشروط سياسية».
أما هاشم فيرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «منطق الأمور والعلاقات السياسية بين الدول تعتمد على أسس واضحة لبنائها بشكل سليم، ولبنان لم يلتزم بهذه الأسس، فالعلاقة مع سوريا لم ترتق للمستوى المطلوب بين دولتين شقيقتين جارتين، مع التشديد على أننا نحن اليوم أصحاب المصلحة بالانفتاح على دمشق سواء من بوابة عملية إعادة الإعمار أو غيرها من البوابات». ويضيف: «نحن على أبواب قمة اقتصادية تستثنى منها سوريا، فكيف نتطلع لاستقامة الأوضاع مع دمشق ولبنان لم يقم بمجهود لإقناع الدول العربية بإعادة أحياء العلاقات مع دمشق؟».
ويؤكد هاشم أن قوى 8 آذار وكل حلفاء سوريا في لبنان «لم يتوقفوا يوما عن الدفع باتجاه إحياء الحكومة اللبنانية علاقاتها مع الحكومة السورية، وهم سيستمرون في هذا الدفع وبهذا المسار بعد تشكيل الحكومة الجديدة، لأننا ننطلق من موقفنا هذا من مصلحة لبنان التي أثبتت التجارب في العقود الماضية أنها لا تكون إلا من خلال علاقات ممتازة مع سوريا».
بالمقابل، يستهجن نادر ما يحكى عن عتب سوري على لبنان قائلا: «وكأن السوريين يقصرون تجاهنا سواء لجهة عدم تعاونهم كفاية بملف إعادة اللاجئين، كما بموضوع تشددهم بمرور الشاحنات اللبنانية عبر معبر نصيب أو عبر مواقف حلفائهم التصعيدية في الداخل اللبناني، ما أعاق ويعيق تشكيل الحكومة كما يهدد الاستقرار الداخلي». ويضيف: «فليوقفوا أولا خط التهريب المفتوح من طرطوس. وإذا أرادوا أن يعتبوا فللبنان الكثير ليعتب عليه».
ويعتبر نادر أن «طهران وموسكو تستخدمان ملف إعادة الإعمار كورقة تفاوض تضغط فيها للتطبيع مع الغرب وإقناعه بوجوب حجز مقاعد له في المستقبل، علما بأن أحدا من الأوروبيين لا يتجاوب معهم لأن ما يرونه حقيقة على الأرض هو إعادة إعمار ديموغرافي، ولقناعتهم بأن الحل السياسي هو الذي سيكون القاطرة لإعادة الإعمار ولا شيء سواه، وهذا ما تثبته التجارب على مر التاريخ». وأشار، إلى أن «كل ما يمكن تسجيله هو تنافس روسي – إيراني على حجز مواقع في بعض القطاعات لكنهما لا شك لا يتكبدان عناء صرف أي ليرة».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.