العاصمة الإيطالية تعاني من تكدس النفايات والتدهور في البنى التحتية

المدينة الخالدة التي يقال إن كل الطرق إليها تؤدي ويتهافت عليها السيّاح والزوّار والحجّاج من كل أنحاء المعمورة للتمتّع بمفاتنها الأثريّة والفنيّة الفريدة التي تجعل منها أكبر متحف في الهواء الطلق، تئنّ اليوم تحت وطأة النفايات المكدّسة في شوارعها وساحاتها بصورة شبه مستمرّة وتعاني من تدهور خطير في البنى التحتية والخدمات العامة، مما يجعل منها أقذر العواصم الأوروبية وأكثرها تراجعاً وأقلّها احتراماً للبيئة.
منذ أسبوع عادت أكوام القمامة تتراكم في كل أحياء روما فيما تتصاعد احتجاجات المواطنين ونقمتهم إذ يراقبون كيف تحوّلت شوارع مدينتهم وميادينها إلى مكبّات عشوائية تنبعث منها الروائح الكريهة والغازات السّامة التي باتت تشكّل خطراً مباشرا على الصحة العامة. والسيّاح الذين يتوافدون على العاصمة الإيطالية بأعداد كبيرة خلال هذه الفترة تعتريهم الدهشة ويتملّكهم الاستغراب إزاء هذا المشهد الذي سبق لكثيرين منهم أن عاينوه أكثر من مرة إبّان زيارات سابقة إلى المدينة.
رئيسة البلدية فيرجينيا راجي، من حركة النجوم الخمس، وجّهت تحذيراً شديد اللهجة أمس للشركة المكلّفة جمع النفايات ومعالجتها، وطلبت منها مضاعفة جهودها وتمديد نوبات العمل على مدار الساعة تحت طائلة محاسبتها قانونيّاً، لكن غضبها لم تظهر له آثار تذكر بعد في معظم الأحياء التي عمد بعض سكّانها إلى التنسيق بينهم واتخاذ مبادرات لتنظيف الشوارع ونقل النفايات إلى الساحات العامة بعيداً عن منازلهم، مما أثار موجة احتجاجات لدى أحياء أخرى.
ورغم التحذيرات التي وجهتها البلدية، تشاهَد أعمدة دخان كثيرة في أحياء المدينة تنبعث من الحرائق التي يشعلها المواطنون للتخلّص من النفايات المكدّسة بالقرب من منازلهم، علما بأن الغازات التي تصدرها هذه الحرائق أشدّ ضرراً من النفايات. وقد دعت بعض المدارس طلّابها الذين يمضون فترة عطلة هذا الأيام، لتشكيل فرق متطوعين من أجل المساعدة على معالجة هذه الأزمة.
وقد شهدت بعض المناطق السكنية الشعبية التي تقع خارج وسط المدينة التاريخي احتجاجات عنيفة من بعض السكّان الذين خرجوا إلى الشوارع في مسيرات احتجاجية وأحدثوا أضراراً في البنى التحتية. ووصف بعضهم الوضع الذي يعيشونه منذ أيام بأنه لا يطاق، وأن العيادات الطبية والمستوصفات تعجّ بالأطفال والمسنّين الذين يعانون من حالات ضيق التنفّس والأمراض الجلديّة.
وبينما بدأت تتعالى أصوات الاحتجاجات عند أصحاب المحلات التجارية التي تملأ النفايات أرصفة الشوارع أمامها، ارتفعت وتيرة الانتقادات من أحزاب المعارضة، اليسارية واليمينية، متهمة البلدية، ومن ورائها الحكومة الائتلافية بين حركة النجوم الخمس ورابطة الشمال الشعوبيّتين، بسوء التدبير وعدم القدرة على إدارة شؤون العاصمة.
وتجدر الإشارة إلى أن بلدية العاصمة الإيطالية كانت طوال عقود تحت حكم الأحزاب اليسارية حتى أواخر تسعينات القرن الماضي عندما فاز برئاستها مرشّح يميني للمرة الأولى يدعمه حزب برلوسكوني الذي سيطر طوال عشر سنوات على المشهد السياسي الإيطالي. لكن إدارة اليمين سرعان ما انهارت تحت وطأة الفساد وتدخّل المافيا على نطاق واسع في تعاقدات تنفيذ المشاريع والأشغال العامة،
وجاءت بعدها إدارة يساريّة أخرى لم تعمّر طويلاً بسبب الخلافات السياسية التقليدية بين القوى اليسارية، إلى أن كان النصر الساحق الذي حققته حركة النجوم الخمس في الانتخابات الأخيرة نتيجة الخيبات المتتالية التي أصابت سكّان العاصمة الذين يغمرهم الإحباط منذ سنوات إذ يراقبون كيف تتدهور أوضاع مدينتهم بسبب من الفساد وسوء الإدارة.
ويخشى كثيرون أن يتفاقم الوضع البيئي والصحي في العاصمة الإيطالية خلال الأيام القادمة بعد احتفالات رأس السنة التي تشهد حركة كثيفة للسكّان خارج المنازل والفنادق، واحتفالات في الشوارع والأماكن العامة ابتهاجاً بالعام الجديد.