جدل في أميركا حول أخلاقيات نشر صور الحروب البشعة

«تويتر» و«فيسبوك» أسرع الوسائل لنقل أخبار معارك غزة

صبي فلسطيني يحمل بقايا من أوراق المصحف الشريف في منزله الذي اختفى بفعل القصف (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل بقايا من أوراق المصحف الشريف في منزله الذي اختفى بفعل القصف (أ.ف.ب)
TT

جدل في أميركا حول أخلاقيات نشر صور الحروب البشعة

صبي فلسطيني يحمل بقايا من أوراق المصحف الشريف في منزله الذي اختفى بفعل القصف (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل بقايا من أوراق المصحف الشريف في منزله الذي اختفى بفعل القصف (أ.ف.ب)

من صورة الأسترالي الإسلامي الجهادي محمد العمر في سوريا، وهو يحمل رأس رجل، وأمامه رأس رجل آخر، وهو يبتسم، إلى صورة مسافر هولندي على كرسي الطائرة الماليزية وقع مربوطا إلى كرسيه في حقل في شرق أوكرانيا، وكأنه حي وليس ميتا، إلى صورة أطفال فلسطينيين وقد تشتتت أجزاؤهم، وتدفقت دماؤهم، بعد أن ضربتهم طائرات إسرائيلية في غزة، يدور نقاش وسط صحافيين وخبراء إعلاميين أميركيين عن أخلاقية نشر صور بشعة ومروعة ورهيبة وتسبب التقزز مع أخبار الحروب.
لكن، ليس هذا موضوعا جديدا.
في عام 1995، بعد عشرين سنة من نهاية حرب فيتنام، نشر كتاب مصور عن صور الحرب، منها صور بشعة: صور مذبحة مي لاي (أباد جنود أميركيون قرية فيتنامية كاملة بحجة أن ثوار «فيات كونغ» مختبئون فيها). وصورة ضابط الشرطة في سايغون وهو يقتل واحدا من الثوار بمسدس. (مال رأس الثائر لحظة دخول الرصاصة رأسه).
وفي عام 2004، بعد سنة من غزو العراق، أصدر صحافيون ومصورون «مستقلون» كتابا مصورا عن الحرب، وفيه صور كثيرة تسبب التقزز. سموا أنفسهم «مستقلين»؛ لأنهم لم يكونوا مع الذين رافقوا القوات الأميركية. اسم الكتاب: «ووير فيلز لاي وور» (الحرب هي حرب).
في الكتاب، كتبت مصورة هولندية عن الصور المروعة: «إذا لم تؤثر عليك هذه الصور، فابحث عن عمل آخر». وكتب مصور بولندي أن جنديا أميركيا قال له: «لا يزال هناك متمردون يحملون أسلحة»، قاصدا أن القتل سيستمر، وأن المصور يقدر على التقاط مزيد من صور القتل.
وفي الأسبوع الماضي، كتب ديفيد كار، مسؤول الإعلام في صحيفة «نيويورك تايمز»: «رأيت الجثث متناثرة في الحقول والمستشفيات في أوكرانيا، وفي قطاع غزة. لقد جعلت الجغرافيا السياسية، وانتشار وسائل الإعلام الاجتماعية، العالم مكانا أصغر. ومكانا يدعو للتقزز. في ستينات القرن الماضي، جلب التلفزيون حرب فيتنام إلى غرفة المعيشة في منازل الأميركيين، واليوم، يجلب الإعلام الاجتماعي صور حروب سوريا، وغزة، والعراق، وأوكرانيا إلى تليفوناتنا ونحن نحملها في جيوبنا، ليلا ونهارا».
ويقدر على أن يؤكد هذا كل من يتجول في الشبكات الاجتماعي. تميل «فيسبوك» نحو نداءات المساعدة الإنسانية. وتنشر الصور البشعة. وتميل «تويتر» نحو نشر تقارير إخبارية سريعة، وتنشر الصور البشعة.
ولا يتحدث الأميركيون عن صور الحرب التي تسبب التقزز إلا ويتحدثون عن صور الحرب الأهلية (1838 - 1862). خاصة صور موقعة «انتيتام» (ولاية فرجينيا). لكن، في ذلك الوقت، كانت الصور باهتة، وكانت رسما أكثر منها تصويرا، وكانت تنقل بعربات الخيول من مكان إلى آخر. وبعضها وصل إلى الناس بعد أن انتهت الحرب.
ومع الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، ظهر المراسلون الذين ينقلون صور الحرب المروعة باللاسلكي. ومع الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، ظهر المراسلون الذين ينقلون صور الحرب المروعة بكاميرات سينمائية. ومع حرب فيتنام (1963 - 1973)، وصلت الصور المروعة إلى منازل الأميركيين على شاشات التلفزيون. لكن، كان نقل الصور يستغرق أياما.
ومع حرب تحرير الكويت (1991)، صار تلفزيون «سي إن إن» ينقل صور الحرب المروعة حية على الهواء. (خاصة صور جثث جنود عراقيين مدفونين في الرمال). أما في الوقت الحاضر، في عصر الإعلام الاجتماعي، كما كتب كار: «لا يوجد وقت لانتظار وصول صور من مراسلين يغطون الحروب. ولا يوجد وقت لتمر الصور على رئيس التحرير، أو مسؤول الأخبار، قبل نشرها أو إذاعتها. صارت الصور تظهر في تليفونات هؤلاء عن طريق (فيسبوك) أو (تويتر) أو غيرهما».
ثم حدث تطور آخر، صار المراسلون ينشرون الصور في هذه المواقع. لكن، مع بعض المشاكل:
أولا: صورة نشرها أيمن محيي الدين، مراسل تلفزيون «إن بي سي» في غزة، في صفحته في «تويتر»، وهي صورة أربعة صبيان فلسطينيين قتلتهم قنبلة إسرائيلية. نشرها مع هاشتاغ «هورور» (بشاعة). وسارع رؤساؤه في نيويورك ونقلوه إلى خارج غزة، لكنهم بعد حملة دفاع عنه في الإنترنت، أعادوه.
ثانيا: صورة جنود إسرائيليين في «تويتر» نشرتها ديانا مغني، مراسلة تلفزيون «سي إن إن» في غزة، ومعها شكوى بأن الجنود هددوها. وسارع رؤساؤها في نيويورك، ونقلوها إلى موسكو.
ثالثا: صورة بقايا ممتلكات مسافرين في الطائرة الماليزية نشرها في «تويتر» كولين بريزر، مراسل تلفزيون «سكاي نيوز» في أوكرانيا، ثم اعتذر بعد حملة ضده بأنه يستغل صورا بشعة لزيادة الإثارة في الأخبار التي ينقلها.
رغم أن رؤساء التحرير والمسؤولين عن الأخبار يدققون فيما يكتب وينشر مراسلوهم في «تويتر» و«فيسبوك»، فإنهم يشجعونهم على النشر في هذه المواقع الاجتماعية؛ وذلك لأن في هذا دعاية لهذه الصحف والتلفزيونات.
ربما لهذا انتقدت آن برنارد، مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» في إسرائيل، بأنها لا تكتب في المواقع الاجتماعية. لكن، ردت هي: «يجب علينا أن نتذكر العمل الأساسي الذي كلفنا به، وهو نقل ما يحدث على أرض الواقع. مهمتنا ليست الكتابة في (تويتر) خلال وقت عملنا».
في كل الأحوال، صار «تويتر» و«فيسبوك» أسرع الوسائل لنقل أخبار وصور الحروب، خاصة الصور البشعة، ومنها معارك غزة. وعن هذا، قالت باربي زيلزار، أستاذة الاتصالات في كلية انينبيرغ في جامعة بنسلفانيا، إنه، في كثير من الأحيان، تظهر صورة بشعة واحدة تلخص كل الحرب أو كل الحدث، مثل: صورة الأطفال الفارين من قنابل النابالم في فيتنام، وصورة الجندي العراقي المحروق على «طريق الموت» أثناء حرب تحرير الكويت، وصورة السجين المقنع الواقف على صندوق في سجن أبو غريب في العراق.
هل ستكون صورة أيمن محيي الدين رمزا لحرب غزة «ليس فقط لما في الصورة، ولكن، أيضا، بسبب الضجة التي أثارها نشر الصورة»؟



تساؤلات بشأن اعتماد مقاطع الفيديو الطولية في الأخبار

مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
TT

تساؤلات بشأن اعتماد مقاطع الفيديو الطولية في الأخبار

مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)

أثار اعتماد مواقع إخبارية كبرى، أخيراً، على مقاطع الفيديو الطولية تساؤلات بشأن أسباب ذلك، ومدى تأثيره في الترويج للمحتوى الإعلامي وجذب أجيال جديدة من الشباب لمتابعة وسائل الإعلام المؤسسية. وبينما رأى خبراء أن مقاطع الفيديو الطولية أكثر قدرة على جذب الشباب، فإنهم لفتوا إلى أنها «تفتقد لجماليات الفيديوهات العرضية التقليدية».

معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام أشار، في تقرير نشره أخيراً، إلى انتشار مقاطع الفيديو الطولية (الرأسية) في مواقع إخبارية كبرى مثل «الواشنطن بوست» و«النيويورك تايمز». واعتبر أن «مقاطع الفيديو الطولية القصيرة، التي تُعد عنصراً أساسياً في مواقع التواصل الاجتماعي تشق طريقها بشكل كبير».

ولفت معهد «نيمان لاب» إلى أن «مقاطع الفيديو التي تنتشر بكثرة على (إنستغرام) و(تيك توك) و(يوتيوب)، تلقى نجاحاً عند استخدامها في مواقع الأخبار»، مستشهداً باستطلاع نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، العام الماضي، أفاد بأن 66 في المائة من عينة الاستطلاع يشاهدون مقاطع فيديو إخبارية قصيرة كل أسبوع، لكن أكثر من ثلثي المشاهدات تتم على منصات التواصل.

رامي الطراونة، مدير إدارة الإعلام الرقمي في «مركز الاتحاد للأخبار» بدولة الإمارات العربية المتحدة، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن اتجاه المواقع الإخبارية لاستخدام مقاطع الفيديو الطولية «يعكس تغيراً في طريقة استهلاك الجمهور للمحتوى، ومحاولة للتكيف مع تطور سلوكياته»، وأرجع هذا التطور في سلوكيات الجمهور إلى عوامل عدة، أبرزها «الاعتماد على الهواتف الجوالة في التفاعل الرقمي».

وتابع الطراونة أن «وسائل الإعلام تحاول الاستفادة من النجاح الكبير للفيديوهات القصيرة على منصات التواصل، وقدرة هذا المحتوى على جذب الجمهور»، وأشار إلى أن «استخدام مقاطع الفيديو الطولية غيّر تجربة تلقي الأخبار وجعلها أكثر جاذبية وبساطة وتركيزاً وسهولة في الاستهلاك، نظراً لمحاكاتها التجربة ذاتها التي اعتاد عليها المتابعون في منصات التواصل». ونبه إلى أن المستخدمين يميلون إلى تمضية وقت أطول في مشاهدة الفيديوهات الطولية القصيرة والمتنوعة والتفاعل معها مقارنة بالفيديوهات العرضية التي تتطلب تغيير وضع شاشة الجوال لمتابعتها.

وأضاف الطراونة، من جهة ثانية، أن غالبية الجهات الإعلامية بدأت بتوجيه مواردها نحو هذا النمط من الفيديو، الذي يعزز فرص الانتشار والاستهلاك، وأن «مقاطع الفيديو الطولية تعتبر أداة فعالة لجذب الشباب، الذين يميلون للمحتوى البصري الموجز والمباشر، كما أن الفيديو الطولي يعكس أسلوب حياة الشباب الرقمي الذي يعتمد على الهواتف الجوالة».

هذا، وفي حين أرجع الطراونة التأخر في اعتماد مقاطع الفيديو الطولية - رغم انتشارها على منصات التواصل الاجتماعي منذ سنوات - إلى «القيود التقنية والأساليب التقليدية لإنتاج الفيديو»، قال إن معظم الكاميرات والشاشات والمعدات كانت مصممة لإنتاج الفيديو الأفقي ذي الأبعاد 4:3 أو 16:9، وكان هذا هو الشكل المعياري للإعلام المرئي سابقاً. ثم أوضح أن «إدراك منصات الإعلام التقليدية لأهمية الفيديو الطولي لم يترسخ إلا بعد بزوغ نجم منصات مثل (تيك توك) إبان فترة جائحة كوفيد-19، وبعدها بدأت تتغير أولويات الإنتاج وباشرت بدعم هذا الشكل الجديد من المحتوى تدريجياً».