أسئلة الواقع والذات .. أبيض وأسود بالألوان

TT

أسئلة الواقع والذات .. أبيض وأسود بالألوان

بعد الحرب العالمية الثانية انتشر نوع سينمائي في إيطاليا سُمّي بـ«السينما الواقعية الجديدة». كان من شروطها التصوير في الشوارع والمنازل والحارات بعيدا عن الاستوديوهات وعلى نحو مباشر. كذلك لم يكن هناك مانع من أن تتم الاستعانة بممثلين غير محترفين، كما فعل فيتوريو دي سيكا جالبا إلى فيلمه الشهير في هذا الخضم «سارق الدراجة» (1948)، مسندا البطولة للومباردو ماجيوراني في دور الأب الذي جرت سرقة دراجته الهوائية، وإنزو ستايولا لاعبا دور ابنه برونو.
أقول انتشر ولا أقول ولد لأن السينما الواقعية لم تبدأ بفيلم دي سيكا، كما يعتقد ويكتب البعض، بل بعدد من الأفلام المتفرقة قبل ذلك، من بينها فيلم لوتشيانو فيسكونتي «هوس» سنة 1942، الذي يعتبره بعض المؤرخين الفيلم الأول في خضم «السينما الواقعية الجديدة»، لكن ملاحظات نقدية تواردت في السنوات الأخيرة تفيد بأن جذور هذه السينما وجدت أثناء الحرب العالمية الثانية ذاتها.
ما لم يطرح أساسا هو إذا ما كانت الأفلام المصوّرة في الشوارع والأماكن الطبيعية، والاستعانة بغير المحترفين للتمثيل، ومنح الأفلام طابعا لا رتوش فيه، تسمّى بـ«الواقعية الإيطالية الجديدة».. فما هي «الواقعية الإيطالية القديمة» إذن؟
هذا السؤال مهم كشفه لكنه يحتاج إلى بحث وتنقيب. السينما الإيطالية مثل معظم السينمات الأوروبية الأخرى اشتغلت على السرد التقليدي لزمن العشرينات لكن لفترات متراوحة. الإيطالية حتى أواخر الأربعينات. في فرنسا انطلقت «الموجة الجديدة» في أواخر الخمسينات. في ألمانيا في أواخر الستينات. والستينات أيضا شهدت «السينما الحرّة» في بريطانيا وبضعة اتجاهات جديدة في الشرق الأوروبي، وتحديدا في تشيكوسلوفاكيا (كما كان اسم الدولتين معا آنذاك) وبولندا والمجر.
لكننا نجد جذور الواقعية في السينما الأميركية في أفلام بوليسية أميركية من الثلاثينات كما الحال مع «He Walked by Night» لألفريد رَكر، بمساعدة أنطوني مان الذي حقق وريتشارد فلايشر وجول داسين العديد من تلك الأفلام في الأربعينات والخمسينات.
بالعودة إلى إيطاليا، فإن الموجة كانت في الواقع منفصلة عن سينما الاستوديوهات. لكن المرء يتساءل عما إذا كان الوضع الاقتصادي وليس الهدف الفني كان المسؤول الأول عن ذلك. فإيطاليا خرجت من الحرب في وضع اقتصادي صعب، وخلال الحرب ثم لسنوات قليلة بعدها كانت الاستوديوهات السينمائية مغلقة.
لا أحاول التشكيك في تاريخ وقيمة السينما الواقعية «الجديدة»، لكن الواقع يجب أن يُذكر. إلى جانب ذلك، هناك حقيقة أن النقد الذي كان له الفضل الأول في التعريف بهذه السينما تمادى لاحقا في تقديرها منفصلة عن الأساليب والموجات السينمائية الأخرى. اعتبرها البعض كل شيء إلى أن وجدوا أن الموجة اللاحقة (الموجة الفرنسية الجديدة) كل شيء، ثم تنوّعت المدارس وكل مدرسة كانت تشهد اندفاعا حماسيا من قِبل النقاد آنذاك على أساس أنها نهضة جديدة.
تمادى بعض النقاد العرب في هذا الاعتبار وربطها بعضهم بالقيمة، فإذا بالفيلم المصوّر في الشارع أفضل – تلقائيا - من الفيلم المصوّر في الاستوديو. لا يمكن أن يكون أسوأ حتى ولو كان سيئا لأنه «واقعي». هذا الاعتبار الساذج انطلى أيضا على ما يعرف بالسينما الذاتية، وسينما المؤلف، فإذا بهما أفضل، تلقائيا أيضا، من السينما الأخرى (أيا كانت هذه السينما) كونها تنتمي إلى المخرج ذاته ورؤيته. ماذا لو أن المستوى كان ضعيفا أو التنفيذ ركيكا؟ ماذا لو كان فيلم كمال الشيخ غير الواقعي وغير الذاتي وغير الممنهج على مقياس سينما المؤلف، أفضل تنفيذا وإخراجا من فيلم لأحد المخرجين الواقعيين أو المؤلّفين؟ هذا سؤال آخر ما زال بلا جواب جاد.



عون رئيساً... يوقظ حلم الدولة والإصلاح

جوزيف عون يؤدي القسم رئيساً للجمهورية اللبنانية أمام رئيس مجلس النواب نبيه بري في بيروت أمس (إ.ب.أ)
جوزيف عون يؤدي القسم رئيساً للجمهورية اللبنانية أمام رئيس مجلس النواب نبيه بري في بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

عون رئيساً... يوقظ حلم الدولة والإصلاح

جوزيف عون يؤدي القسم رئيساً للجمهورية اللبنانية أمام رئيس مجلس النواب نبيه بري في بيروت أمس (إ.ب.أ)
جوزيف عون يؤدي القسم رئيساً للجمهورية اللبنانية أمام رئيس مجلس النواب نبيه بري في بيروت أمس (إ.ب.أ)

انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً بـ99 صوتاً من أصل 128 بعد سنتين وشهرين وعشرة أيام من الفراغ الرئاسي، ليوقظ توليه الرئاسة الأولى حلم الدولة والإصلاح بعد سنوات من الأزمات المتلاحقة التي عاشها اللبنانيون.

وحمل خطاب القسم الذي أدلى به عون مضامين لافتة، أبرزها تأكيده «التزام لبنان الحياد الإيجابي» وتجاهله عبارة «المقاومة»، خلافاً للخطابات التي طبعت العهود السابقة كما تأكيده العمل على «تثبيت حق الدولة في احتكار حمل السلاح». وتعهد عون الذي لاقى انتخابه ترحيباً دولياً وعربياً، أن تبدأ مع انتخابه «مرحلة جديدة من تاريخ لبنان»، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان. وأكد أنه سيكون «الخادم الأول للحفاظ على الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني، وأن أمارس صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كحكم عادل بين المؤسسات». وأكد أن «التدخل في القضاء ممنوع، ولا حصانات لمجرم أو فاسد، ولا وجود للمافيات ولتهريب المخدرات وتبييض الأموال».

ولفت عون الذي أثنى على خطابه معظم الأفرقاء اللبنانيين إلى أن «عهدي هو التعاون مع الحكومة الجديدة لإقرار مشروع قانون استقلالية القضاء، وأن أطعن بأي قانون يخالف الدستور، والدعوة لإجراء استشارات نيابية بأسرع وقت لاختيار رئيس حكومة يكون شريكاً وليس خصماً»، معلناً العمل «على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح وسنستثمر في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً، ومحاربة الإرهاب، وتطبق القرارات الدولية، ومنع الاعتداءات الإسرائيلية». وأضاف: «سنناقش استراتيجية دفاعية كاملة على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية»، متعهداً إعادة الإعمار، ومشدداً على أنه «آن الأوان لنراهن على استثمار لبنان في علاقاتنا الخارجية، لا أن نراهن على الخارج للاستقواء على بعضنا بعضاً».

كما أعلن رفضه «توطين الفلسطينيين والعمل على ممارسة سياسة الحياد الإيجابي، داعياً إلى بدء حوار مع الدولة السورية؛ لمناقشة العلاقات والملفات العالقة، لا سيما ملف المفقودين والنازحين السوريين». ورحب أعضاء مجلس الأمن بانتخاب عون، وأكدوا «دعمهم القوي لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي». كما دعوا إلى التنفيذ الكامل للقرار 1701 وقرارات مجلس الأمن السابقة ذات الصلة بالوضع في لبنان.