نهاية الحملة الانتخابية في بنغلاديش على وقع الاغتيال والاعتقالات

استطلاعات الرأي توضح أن الشيخة حسينة هي الأوفر حظاً للفوز

قوة التدخل السريع تحرس أهم شوارع العاصمة دكا منعاً لأحداث العنف التي رافقت حملة الانتخابات في بنغلاديش (أ.ب)
قوة التدخل السريع تحرس أهم شوارع العاصمة دكا منعاً لأحداث العنف التي رافقت حملة الانتخابات في بنغلاديش (أ.ب)
TT

نهاية الحملة الانتخابية في بنغلاديش على وقع الاغتيال والاعتقالات

قوة التدخل السريع تحرس أهم شوارع العاصمة دكا منعاً لأحداث العنف التي رافقت حملة الانتخابات في بنغلاديش (أ.ب)
قوة التدخل السريع تحرس أهم شوارع العاصمة دكا منعاً لأحداث العنف التي رافقت حملة الانتخابات في بنغلاديش (أ.ب)

انتهت حملة الانتخابات العامة في بنغلاديش أمس، بمزيد من أعمال العنف الدامية، واعتقال نشطاء من المعارضة، ما أثار قلقاً دولياً في وقت تسعى فيه رئيسة الوزراء الشيخة حسينة للفوز بولاية رابعة غير مسبوقة.
وقتل أحد أنصار حزب «رابطة عوامي» الحاكم على يد مؤيدي الحزب القومي لبنغلاديش المعارض، الذي قال بدوره إن أكثر من 19 من نشطائه تم توقيفهم قبيل الانتخابات التي تجرى غداً (الأحد).
وانتهت الحملة الانتخابية رسمياً في الساعة الثامنة من صباح أمس، وذلك بعد 7 أسابيع من المواجهات في الشوارع، واتهامات للسلطات بشن حملة قمع ضد المعارضة.
فيما أشار استطلاع للرأي إلى أن الشيخة حسينة هي الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات رغم الجدل القائم.
وقالت الشرطة إن مناصر حزب رابطة عوامي تعرض للضرب حتى الموت في مدينة سيلهيت (شمال شرق) في ساعة متأخرة من أول من أمس. كما أعلنت الشرطة مقتل اثنين من أنصار رابطة عوامي منذ انطلاق الحملة في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وقال الحزب القومي لبنغلاديش إن 8 من مناصريه قتلوا في مواجهات على خلفية الانتخابات. كما أكد قائد شرطة سيلهيت شاه هارون الرشيد لوكالة الصحافة الفرنسية، أن اثنين من أنصار الحزب القومي لبنغلاديش قتلا في مواجهة مع أنصار رابطة عوامي.
وتم اعتقال 19 من نشطاء الحزب القومي لبنغلاديش، حين داهمت الشرطة مركزاً انتخابياً لأحد مرشحيه، وكثير من القرى في جنوب بنغلاديش، وفق ما أكدت الشرطة ومسؤولون من الحزب. وتظاهر آلاف من أنصار رابطة عوامي في دكا في ساعة مبكرة أمس، فيما بذل المرشحون جهوداً أخيرة لاستمالة الناخبين. وقال الحزب القومي لبنغلاديش إن آلافاً من نشطائه تم توقيفهم في محاولة للتأثير في نتيجة الانتخابات، مبرزاً أنه مُنع من إقامة تجمعه الانتخابي الأخير في العاصمة.
لكن الشيخة حسينة رفضت الاتهامات باستخدام أساليب سلطوية، وحضت في بيانها الانتخابي الأخير الناخبين، البالغ عددهم 104 ملايين، على إعادة انتخابها من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية. وقالت إنه «لا يزال هناك كثير من العمل عالقاً، ويعتمد على تصويت الناس لنا. ويمكننا بعد ذلك العودة إلى الحكم وإنجازه».
ويتهم الحزب القومي لبنغلاديش رئيسة الوزراء بقمع الديمقراطية وحرية التعبير، لا سيما مع سجن زعيمته خالدة ضياء هذا العام بتهم فساد، وقال إن 9222 من ناشطيه وأنصاره اعتقلوا خلال الحملة الانتخابية، وإن نصف مرشحيه تعرضوا لهجمات من جانب أنصار الحزب الحاكم. كما قال الحليف الإسلامي للحزب (الجماعة الإسلامية) إن أكثر من 3600 من نشطائه اعتقلوا أيضاً.
واعتمدت المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي لحشد الأصوات، وقالت إن كثيراً من الناخبين أجبروا على البقاء في منازلهم بسبب مضايقات. لكن السلطات أبطأت خدمة الإنترنت في أنحاء بنغلاديش أمس لعدة ساعات، في مسعى للتصدي «للدعاية»، بحسب مسؤول.
وكثف الحزب القومي لبنغلاديش نداءاته للناخبين للإدلاء بأصواتهم غداً (الأحد)، إذ قال نائب رئيس الحزب فخر الإسلام المغير: «في ذلك اليوم ستصبح البلاد لكم. ستستعيدون ملكيتها».
وأثارت الأحداث، التي رافقت حملة الانتخابات في بنغلاديش، قلقاً دولياً، حيث قال السفير الأميركي إيرل ميلر إن «الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء الدرجة المرتفعة من أعمال العنف في الأسبوعين الماضيين»، وذلك في أعقاب اجتماع مع رئيس لجنة الانتخابات مساء أول من أمس. وأضاف أنه فيما جميع الأحزاب كانت ضحية «يبدو أن مرشحي حزب المعارضة تحملوا عبء أكثرية أعمال العنف».
وشدد ميلر على أن الجميع في بنغلاديش يجب أن يكونوا قادرين على التصويت «بعيداً عن العنف والترهيب والإكراه»، وفقاً لمتحدث.
وأظهر استطلاع للرأي أن الشيخة حسينة ستفوز بغالبية مريحة. وقد حققت زعيمة حزب رابطة عوامي فوزاً كاسحاً في 2008، وقاطع الحزب القومي لبنغلاديش انتخابات 2014 بعد أن قال إنها ليست حرة ونزيهة، ما كفل لها الفوز مجدداً. لكن منذ فوزها الأخير يتهم المجتمع المدني ومجموعات حقوقية حكومة الشيخة حسينة بإسكات المعارضة والصحافة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟