كان من الواضح خلال عام 2018 أن معظم الأندية والمنتخبات تعتمد على عدد من الأساسيات التي لا تتغير في كرة القدم، والتي تتمثل في الضغط المتواصل والاستحواذ على الكرة لأطول فترة زمنية ممكنة. وينطبق هذا الأمر على أندية مانشستر سيتي وليفربول وتوتنهام وتشيلسي وآرسنال وبرشلونة ويوفنتوس ونابولي وبايرن ميونيخ وبروسيا دورتموند.
وحتى باريس سان جيرمان قد أظهر بعض الإشارات تحت قيادة مديره الفني الألماني توماس توخيل على اللعب بالطريقة ذاتها. لكن مانشستر يونايتد لم يعتمد على هذه الطريقة، وأقال مديره الفني البرتغالي جوزيه مورينيو من منصبه بعد نتائج مخيبة للآمال في بداية الموسم، وطريقة لعب بدت وكأنها قد عفّى عليها الزمن.
لكن أكبر بطولتين في عالم الساحرة المستديرة كانتا من نصيب فريقين لم يلعبا بهذه الطريقة، وهما المنتخب الفرنسي الذي فاز بكأس العالم 2018 بروسيا، ونادي ريـال مدريد الذي فاز ببطولة دوري أبطال أوروبا.
وإذا نظرنا إلى ما حدث في هاتين البطولتين فإن الاستنتاج الوحيد الذي يمكن الوصول إليه يتمثل في أن فرص فوزك بالبطولة تكون أكبر عندما يكون لديك مدافع مثل رفائيل فاران، الذي تألق في البطولتين مع منتخب فرنسا ونادي ريـال مدريد، أو عندما يقودك مدير فني من الجيل الذهبي الذي قاد الديوك الفرنسية للفوز بكأس العالم عام 1998، أي ديديه ديشامب مع منتخب فرنسا أو زين الدين زيدان مع ريـال مدريد.
وقد كانت بطولة كأس العالم 2018 بروسيا واحدة من أكثر البطولات متعة وإثارة، ويعود السبب في ذلك إلى كثير من المفاجآت التي شهدتها البطولة والنتائج غير المتوقعة. وكانت البطولات الدولية الكبرى في السنوات الأخيرة قد شهدت تقديم المنتخبات لكرة قدم مملة وتقليدية، نظراً لأن المديرين الفنيين لا يحصلون على الوقت الكافي لتطبيق أفكارهم مع المنتخبات، وبالتالي كانوا يركزون على الجوانب الدفاعية ويهملون الخطط الهجومية، لكن ذلك الأمر لم يحدث في كأس العالم الأخيرة بروسيا.
ولم يكن أداء المنتخب الفرنسي قوياً من الناحية الهجومية، وكان في بعض الأحيان لا يقل مللاً ورتابة عن المؤتمرات الصحافية لديديه ديشامب. ومع ذلك، حقق المنتخب الفرنسي فوزاً عريضاً على نظيره الأرجنتيني بأربعة أهداف مقابل ثلاثة، قبل أن يفوز في المباراة النهائية للمونديال على كرواتيا بأربعة أهداف مقابل هدفين. وعلاوة على ذلك، كان الظهير الأيمن للمنتخب الفرنسي بينامين بافارد هو صاحب أجمل هدف في كأس العالم 2018.
ويمكن الإشارة أيضاً إلى أن فوز ريـال مدريد بدوري أبطال أوروبا عام 2018 لم يتحقق بسبب اعتماد الفريق على خطة تكتيكية بارعة، لكنه تحقق في الأساس بفضل الأهداف الحاسمة التي سجلها النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، والتألّق اللافت من المدافع القوي سيرخيو راموس وتدخلاته في الأوقات المناسبة، والتغييرات الجيدة من جانب زيدان، والأخطاء القاتلة من جانب حُرّاس مرمى الفرق المنافسة، مثل تلك الأخطاء التي ارتكبها حارس مرمى ليفربول لوريس كاريوس في المباراة النهائية للبطولة. ولم تكن الخطة التكتيكية التي لعب بها ريـال مدريد جيدة بالدرجة التي تجعل الأندية الأخرى ترغب في اللعب بها، والدليل على ذلك أنها لم تمكن ريـال مدريد نفسه من الفوز بلقب الدوري الإسباني الممتاز!
لكن خطة الضغط المتواصل على حامل الكرة والاستحواذ على الكرة أكبر قدر ممكن كانت هي السائدة في كل مكان، مع وجود بعض الاختلافات بالطبع، فكرة القدم التي يقدمها المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا تختلف بالتأكيد عن تلك التي يقدمها المدير الفني الألماني يورغن كلوب.
لكن المبادئ الأساسية واحدة ولا تتغير، وتتمثل في الضغط المتواصل على الفريق المنافس بطول الملعب من أجل استعادة الكرة، ثم البدء في شن الهجمات. وحتى لو كان من الصعب تنظيم هجمات سريعة فيجب الاحتفاظ بالكرة لأطول فترة ممكنة.
ومع ذلك، قد تكون هناك إشارة واضحة في حقيقة أن ريـال مدريد ومنتخب فرنسا قد فازا بأكبر بطولتين في عالم كرة القدم، دون أن يلعبا بتلك الطريقة. وربما يكون هذا بمثابة تذكير بأن كرة القدم تخضع لكثير من التفسيرات ووجهات النظر، وبأن كرة القدم الجميلة والمثيرة لا تنجح دائماً في حصد البطولات والألقاب. وبصيغة أكثر سهولة وبساطة، يمكن القول إنه لم يعد هناك من يجيد النواحي الدفاعية الآن بالشكل الذي كنا نراه في السابق، وهذا هو السبب الذي يجعل الأداء الدفاعي الذي يقدمه نادي ليفربول في الوقت الحالي أمراً مثيراً للإعجاب.
وبات السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا يتعين على الفرق الكبرى أن تكون جيدة في النواحي الدفاعية؟ في الحقيقة، ربما لم تعد هذه الأندية في حاجة إلى هذا الأمر الآن، لأنه نظراً للفوارق المادية الهائلة بين الأندية الكبرى والأندية الأصغر في الدوريات المحلية أصبحنا نرى معظم المباريات تلعب من جانب واحد، بمعنى أن نرى الفريق الأقوى يهاجم بشكل متواصل والفرق الأضعف يكتفي بالدفاع والخروج بأقل الخسائر.
وأصبح هذا الأمر شائعاً حتى في الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي لا يهيمن عليه فريق واحد، مثل بايرن ميونيخ في ألمانيا، أو يوفنتوس في إيطاليا، أو باريس سان جيرمان في فرنسا، أو المنافسة الثنائية بين ريـال مدريد وبرشلونة في إسبانيا.
من الواضح أن النادي الذي يمتلك اللاعبين الأفضل يمكنه الاستحواذ على الكرة لفترة أطول بكل سهولة. وفي السابق، كان الفريق الذي يفشل في الاستحواذ على الكرة يشعر بالعار وخيبة الآمل، لكن هذا الأمر اختلف تماماً الآن، وأصبحت الفرق الأضعف تؤمن بأن الطريقة الأفضل للمنافسة هي أن تنظم خطوطها الدفاعية بشكل جيد، وتتكيف مع اللعب دون كرة.
ونظراً للضعف الهجومي الواضح للفرق الصغيرة، فإن المدافعين في الفرق الأقوى أصبحوا يهتمون بصورة أكبر بكيفية بناء الهجمات من الخلف، وليس التفكير في إفساد الهجمات النادرة التي تشن على فرقهم.
ويكون الأمر على ما يرام تماماً بالنسبة لهؤلاء اللاعبين حتى يواجهوا فرقاً أقوى ويضطرون حينها للالتزام بالأمور الدفاعية في المقام الأول. وهذا هو السبب الذي جعل مانشستر سيتي صاحب أقوى دفاع في الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، لكنه في الوقت ذاته تلقى ثلاثة أهداف في مباراتين متتاليتين أمام ليفربول ومانشستر يونايتد. إن القوة الهجومية لمانشستر سيتي كانت تمنع الفرق الأخرى من شن هجمات على الفريق، لكن بمجرد أن يأتي فريق قوي ويشن هجمات منظمة وسريعة، فإن الأخطاء الدفاعية ستظهر على الفور في الخط الخلفي للفريق.
وقد تكرر هذا الأمر في دوري أبطال أوروبا، وهذا هو السبب الذي جعل كثيراً من مباريات المراحل الأخيرة من البطولة العام الماضي تتسم بالإثارة والمتعة. ومن الواضح أن ليفربول، الذي يحتل صدارة ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الموسم الحالي، يلعب بقدر أكبر من التحفظ وعدم المغامرة حتى يوازن بين الأداءين الهجومي والدفاعي.
وقد يكون هذا هو اتجاه كرة القدم خلال المرحلة المقبلة، لأنه من غير المعقول أن تستمر الأندية والمنتخبات الكبرى باللعب بهذا الشكل المتهور من الناحية الهجومية وعدم الاهتمام بالنواحي الدفاعية.
7:57 دقيقة
فرنسا وريـال مدريد فازا بأكبر بطولتين وهما يلعبان بطريقتهما الخاصة
https://aawsat.com/home/article/1523621/%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%80%D8%A7%D9%84-%D9%85%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D9%81%D8%A7%D8%B2%D8%A7-%D8%A8%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D8%A8%D8%B7%D9%88%D9%84%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%88%D9%87%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%AA%D9%87%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9
فرنسا وريـال مدريد فازا بأكبر بطولتين وهما يلعبان بطريقتهما الخاصة
معظم الفرق والمنتخبات الكبرى تتبع خططاً تكتيكية تعتمد على الضغط والاستحواذ على الكرة
- لندن: جوناثان ويلسون
- لندن: جوناثان ويلسون
فرنسا وريـال مدريد فازا بأكبر بطولتين وهما يلعبان بطريقتهما الخاصة
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة