العالم في 2019: الجزائر: غموض يلف الانتخابات الرئاسية... واقتصاد رهين تقلبات أسعار النفط

مخاوف أمنية من تفاقم تداعيات الأزمة الليبية عبر الحدود

بوتفليقة بين حراسه في العاصمة الجزائرية (رويترز)
بوتفليقة بين حراسه في العاصمة الجزائرية (رويترز)
TT

العالم في 2019: الجزائر: غموض يلف الانتخابات الرئاسية... واقتصاد رهين تقلبات أسعار النفط

بوتفليقة بين حراسه في العاصمة الجزائرية (رويترز)
بوتفليقة بين حراسه في العاصمة الجزائرية (رويترز)

يأمل الجزائريون، مع بدء العام الجديد، بأن تضح صورة مَن سيحكمهم في أبريل (نيسان) المقبل، بمناسبة سادس انتخابات رئاسية ستشهدها البلاد منذ الاستقلال (عام 1962). والسؤال الذي يحيّر قطاعاً واسعاً من المراقبين، هو: هل سيترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، مع العلم أنه ظل طول ولايته الرابعة (2014 - 2019) منسحباً من المشهد بسبب المرض.
العام الجديد سيكون عاماً سياسياً بامتياز، يميزه تنظيم انتخابات الرئاسة. لكن قبل أسابيع من هذا الموعد لا يبدو في الأفق ما يفيد بأن النظام السياسي حسم أمره، بشأن مَن سيكون مرشحه في حال عزوف الرئيس الحالي عن تمديد فترة حكمه، ما دفع أحزاباً سياسية من مجموعة «الموالين» للرئيس والمعارضين له إلى إطلاق مقترحات ومبادرات فُهم منها أنه متردد بخصوص تمديد حكمه. فـ«حركة مجتمع السلم» الإسلامية دعت إلى تأجيل الاستحقاق، مبدية تخوفاً من أن «يتجه النظام إلى الخيار الأسوأ، وهو فرض شخص على رأس البلاد». أما حزب «تجمع أمل الجزائر»، الموالي للسلطة، فدعا إلى تنظيم «مؤتمر وطني جامع» يتم فيه بحث تأجيل الانتخابات.
ويقول محسن بلعباس، رئيس حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، بهذا الخصوص: «الضبابية المخيّمة على الانتخابات الرئاسية ليست أمراً جديداً. فهي تعود أساساً إلى تدهور صحة رئيس الدولة. حالة الجمود الناتجة عن مرض الرئيس، وضعت الأجنحة المتصارعة في النظام، الغامض بطبيعته، في حالة ترقُّب لتوجيهات طال انتظارها تخص مصير الانتخابات».
ويعتقد بلعباس أن الوضع الصحي للرئيس «زاد من شلل النظام كون رجاله يعتبرون موضوع الخلافة من المحظورات التي لا يجب التطرق إليها. في غضون ذلك، تم تهميش وإبعاد كوادر يدورون في فلك النظام بقرارات استعراضية في السنوات الأخيرة، بل وصل الأمر إلى حد سجنهم في الأشهر الأخيرة لأسباب لا يعلمها إلا من أمروا بتلك العقوبات. ولذلك وجدت الجهات الفاعلة في النظام نفسها غير قادرة على إيجاد بديل يستخلف الرئيس، في حال أعلن عدم ترشحه من جديد للرئاسة».
ويقول قوي بوحنية أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ورقلة (جنوب الجزائر)، بخصوص التحديات السياسية لعام 2019: «سيظل المشهد غامضاً نسبياً مع إعطاء نَفَس جديد للعمل السياسي، بفضل القيادة الجديدة التي جاءت على رأس حزب جبهة التحرير الوطني، صاحب الأغلبية؛ فقد أعلن زعيمها الجديد معاذ بوشارب (وهو في الوقت ذاته رئيس البرلمان) عن مصالحة تاريخية مع كثير من القياديين ممن تعرضوا للإقصاء في زمن الأمين العام المعزول جمال ولد عباس. ومن مصلحة جبهة التحرير أن تلملم شتاتها، لتكون قوة يعتمد عليها الرئيس الحالي أو من سيخلفه، ولقطع الطريق أمام المعارضة. وأتوقع أن يزداد الخطاب الرسمي حدة فيما يخص التخويف من الإرهاب، ومن حدة الأزمة المالية، لثني المواطنين عن التغيير. وستبقى المعارضة تراوح مكانها بحثاً عن قطب يجمعها، وستقوم بمحاولات فردية لن تؤثر كثيراً على المشهد السياسي على غرار مقاطعة بعض جلسات البرلمان، لكن لن يكون لها تأثير في ظل غلبة برلمانية ذات لون واتجاه مهيمن».
ومن الناحية الاقتصادية، يرى بوحنية أنه «مع تهاوي أسعار البترول... فإن القطاع الاقتصادي في الجزائر سيتضرر لاعتبارات كثيرة. فالجزائر دولة ريعية بالأساس، وهو ما سينعكس على مجالات عدة، أولها العوائد المالية من صادرات النفط، وثانياً الزيادة في الأسعار على بعض السلع والضرائب، وهو ما سيبرزه قانون المالية لسنة 2019 وسط تهليل وموافقة نواب الأغلبية البرلمانية». أما على الصعيد الاجتماعي، فيقول: «من المتوقع أن يتم تحريك ملفات الشغل والبطالة والاحتجاجات في قطاعات النشاط الاقتصادي، التي ستلجأ الحكومة بموجبها إلى توقيف بعض ولاة الجمهورية عن مهامهم وتحويل بعضهم بدعوى عدم استجابتهم للتطلعات والمطالب المحلية».
وعلى الصعيد الأمني، تشير تقارير أجهزة الأمن حول تداعيات أزمة ليبيا على الجزائر، إلى أنها ستتعاظم عام 2019 بسبب السلاح المنتشر بكثافة على الحدود بين البلدين. بل إن شحنات كبيرة منه تم تسويقها في مدن بالشرق الجزائري. وأكثر ما تخشاه مصالح الأمن أن يقع هذا السلاح بين أيدي عناصر أكبر تنظيمين مسلحين في البلاد: «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» و«داعش».
ويقول ضابط عسكري متقاعد، رفض نشر اسمه: «لقد تأكدت الجزائر أن شبح الأعمال الإرهابية عائد لاستهدافها، إن لم تبادر كقوة إقليمية بمنطقة الساحل الأفريقي إلى تنسيق الجهود الأمنية مع الدول التي يعشش فيها الإرهاب، لا سيما مالي والنيجر. وهي إن لم تفعل ذلك، فستبادر فرنسا بهذا المشروع، وحينها ستفقد الجزائر عمقها الاستراتيجي بالمنطقة».
ففي مطلع 2013، تسللت مجموعة متطرفة تطلق على نفسها «الموقعون بالدماء» إلى أكبر منشأة غازية في الجزائر، تقع في أقصى الجنوب الشرقي للبلاد، فاحتجزت نحو 100 فني أجنبي واشترطت الإفراج عن متشددين معتقلين في مالي مقابل إطلاق سراحهم. حينها قررت قيادة الجيش الجزائر حسم الوضع بسرعة فائقة، عن طريق تنظيم هجوم خاطف للقوات الخاصة على مواقع الخاطفين، وأسفرت العملية عن مقتل المعتدين وعددهم 29، كما قُتل 39 من الرهائن الأجانب.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».