الخرطوم تتحول إلى برك من مياه الأمطار والوحل

مصرع أكثر من 20 وتهدم آلاف المنازل في السودان بفعل السيول والأمطار

مياه الامطار غمرت الشوارع في العاصمة السودانية ما أدى الى تعذر الوصول الى بعض المناطق (أ.ف.ب)
مياه الامطار غمرت الشوارع في العاصمة السودانية ما أدى الى تعذر الوصول الى بعض المناطق (أ.ف.ب)
TT

الخرطوم تتحول إلى برك من مياه الأمطار والوحل

مياه الامطار غمرت الشوارع في العاصمة السودانية ما أدى الى تعذر الوصول الى بعض المناطق (أ.ف.ب)
مياه الامطار غمرت الشوارع في العاصمة السودانية ما أدى الى تعذر الوصول الى بعض المناطق (أ.ف.ب)

تحولت العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى من البلاد إلى بحيرات من البرك والطين والوحل، إثر توالي هطول الأمطار، على مدار الأسبوعين الماضي والحالي، آخرها أمطار صبيحة أمس سجلت مناسيبها أرقاما عالية.
وتعد مياه الأمطار والسيول المصاحبة والمخاطر الناجمة عنها واحدة من أكثر القضايا التي واجهت السلطات المحلية في البلاد حدة وخطورة وتعقيدا، ففي العام الماضي شهدت البلاد موسم أمطارا سخية، الأمر الذي تحول لكارثة حقيقية تداعى الأشقاء والأصدقاء لتداركها، وحينها وعدت السلطات المحلية في الخرطوم وغيرها من المدن باتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون تكرار الظاهرة مجددا.
وفي آخر تصريحاته قبيل هطول الأمطار قال والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر إن حكومة ولايته مستعدة لمواجهة الأمطار والسيول.
بيد أن أول قطرات الأمطار كشفت أن الخرطوم، غير مستعدة، لاستقبال موسم الأمطار، ولقي أكثر من 21 شخصا مصرعهم، في حين أصيب أكثر من 180 وتهدمت آلاف المنازل والمنشآت العامة، واضطرت سلطات الولاية لتأجيل افتتاح المدارس، بسبب انهيار بعضها وتصدع الأخرى. وتأثرت ضاحية «صالحة» غرب الخرطوم بشدة بالأمطار، وتهدمت عدة مساكن ويقول الشهود أن أكثر من 300 أسرة تعيش في العراء منذ أربعة أيام جراء تهدم منازلها هناك.
يقول المواطن م. ص. ويسكن الحي الأكثر تضررا «صالحة»، إنه أنفق عمره في تشييد منزله، بيد أن جهد العشرة سنوات ضاع منه في غفلة عين، مما أحال فرحة العيد إلى مرارة. ولا يرجع المواطن م. ص. انهيار منزله لأسباب متعلقة ببنائه أو هندسته بل يقول: «الإهمال الحكومي وعدم اهتمام الدولة بالناس وبإنشاء قنوات جيدة لتصريف مياه الأمطار هو السبب لضياع منزل العمر».
وشهد ثاني أيام عيد الفطر المبارك أمطارا غزيرة في أنحاء واسعة من البلاد، بما فيها العاصمة الخرطوم، الأمر الذي أحال فرحة عيد الفطر لـ«هشيم» عند أعداد كبيرة من المواطنين، ولم يتوقف هطولها حتى صباح أمس، إذ هطلت بغزارة واستمرت لساعات، وتبعتها سيول عنيفة هدمت ستة آلاف منزل ومنشأة، وراح ضحيتها 21 قتيلا، حسب آخر إحصاءات رسمية لا تتضمن خسائر، أمس.
وينتقد مواطنون طريقة تعامل السلطات مع تصريف مياه الأمطار، ويقول محمد عثمان معاشي ساخرا: «حكومتنا تعودت أن يفاجئها أي شيء، حتى مطر الخريف يهطل بالنسبة لها فجأة، فهي لا تشرع في فتح مجاري المياه إلا بعد وقوع الفأس في الرأس». ويصف محمد عابدين خريج كلية هندسية ما يحدث بشأن الصرف الصحي قائلا بتحسر: «اعتادت حكومتنا حفر المجاري المطمورة بشكل سطحي، وسرعان ما تكشف أول قطرة مطر عدم جدية الأعمال الهندسية التي تصرف عليها الحكومة الكثير، ثم تعلن الخرطوم أنها أكملت الاستعداد لمواجهة الخريف، ثم تذوب تلك الأعمال غير الجادة في أول رشة مطر، بل وأحيانا تتحول لمجارٍ عكسية تنضح المياه من البحر إلى الناس».
وسير مواطنو صالحة (أكثر المناطق تضررا) مظاهرة قطعوا خلالها الطريق الرابط بين وسط مدينة أم درمان وجنوبها، احتجاجا على ما سموه الإهمال الذي تعاملت به الحكومة معهم، وقالت الشابة «نون» إن المواطنين الغاضبين اضطروا والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر لقطع زيارة تفقدية للمنطقة، بعد أن واجهوه بسيل من الانتقادات العنيفة. ويخشى قطاع واسع من الناس ليس من الأمطار، بل مما قد ينشأ عنها من أمراض بسبب الذباب الذي بدأ ينتشر في تلك الأحياء، بسبب انهيار المراحيض وتعفن المياه الراكدة.
وهطلت في الخرطوم العام الماضي أمطار غزيرة أدت لانهيار أكثر من مائة ألف منزل ومقتل أكثر من 40 شخصا، ويخشى من ارتفاع خسائر هذا العام عن سابقاتها خاصة أن مصلحة الأرصاد قد أصدرت توقعات مبكرة بأن خريف هذا العام سيكون غزيرا. ولم تصب بالأضرار أطراف المدن وحدها، ففي أحياء الخرطوم الأرستقراطية ووسطها حيث مقار الحكومة والهيئات والبعثات الدبلوماسية، غمرت المياه شوارع الإسفلت، مما جعل السيارات والمارة يسبحون في المياه والوحل والطين.
وسخرية من عجز الحكومة، يتداول النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي صورا لحال الناس في الخرطوم، وصلت بالمأساة نهايتها بتداول صورة قيل إنها مأخوذة لصالة المغادرة بمطار الخرطوم الدولي، وهي تسبح في بحر مياه. ولا ينتظر المواطنون عونا حكوميا استنادا على تجربة العام الماضي، ويقول المواطن عيسى علي: «نحن لا ننتظر منهم عونا، فقد سرقت حتى مساعدات الأشقاء والأصدقاء في العام الماضي». وأشارت تقارير حكومية صادرة عن ديوان المراجع العام في مارس (آذار) الماضي، إلى عمليات فساد في توزيع المساعدات، بل وبيع بعضها في الأسواق وعدم تسليمها للمحتاجين.
وشرع نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» في حملة تندد بوالي الخرطوم، سرعان ما تجاوز عدد المنضمين إليها الخمسة آلاف، فيما طالبت «حركة الإصلاح الآن» المنشقة عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم بإقالة الوالي، وقالت في بيان: «الأمر يتطلب التعامل بحسم في هذا القصور البائن، وإعفاء والي الخرطوم من منصبه لفشله الذريع في إيجاد حلول عملية لخسائر وكوارث الخريف المتكررة». من جهتها، رفضت الحكومة السودانية إعلان البلاد «منطقة كوارث»، وأصرت على أن الأوضاع لا تستدعي توجيه أنظار العالم للسودان بوصفه منطقة كوارث، وقالت إنها قادرة على مواجهة آثارها بإمكانياتها ومواردها الذاتية. وعد متضررون موقف الحكومة «مكابرة» مماثلة لما حدث في العام الماضي، فهم ينتظرون المساعدات الخارجية، ويرون في الإصرار على عدم إعلان البلاد «منطقة كوارث» إضرارا كبيرا بهم، فهم لا يعولون كثيرا على الحكومات المحلية في رفع الضرر عنهم.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».