مسيحيو العراق... الكنائس عادت لكن عودة المصلين صعبة

احتفلوا في بغداد بعيد الميلاد بحضور رئيس وزراء الفاتيكان والسفير البابوي

عناصر أمن يحرسون كنيسة كلدانية في بغداد خلال قداس عيد الميلاد أمس (أ.ب)
عناصر أمن يحرسون كنيسة كلدانية في بغداد خلال قداس عيد الميلاد أمس (أ.ب)
TT

مسيحيو العراق... الكنائس عادت لكن عودة المصلين صعبة

عناصر أمن يحرسون كنيسة كلدانية في بغداد خلال قداس عيد الميلاد أمس (أ.ب)
عناصر أمن يحرسون كنيسة كلدانية في بغداد خلال قداس عيد الميلاد أمس (أ.ب)

احتفل المسيحيون في بغداد وفي بقية المحافظات العراقية التي يتواجدون فيها بميلاد السيد المسيح أمس، وشارك رئيس وزراء الفاتيكان بيترو بارولين، الذي يزور العراق هذه الأيام، المسيحيين احتفالهم إلى جانب السفير البابوي في بغداد، حيث أكد الخور أسقف مارتن هرمز داود، أن بارولين والسفير البابوي حضرا القداس الذي أقامه الكردينال ساكو في كاتدرائية مار يوسف في حي الكرادة ببغداد أمس.
وكان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي استقبل أول من أمس في بغداد رئيس وزراء الفاتيكان والوفد المرافق له، وبحسب بيان صادر عن مكتب عبد المهدي، فإن الأخير «أعرب عن اعتزازه بالمسيحيين مكوناً أصيلاً مع بقية أطياف الشعب العراقي، وعن سعادته لزيارة رئيس وزراء الفاتيكان بيترو بارولين والوفد المرافق له للعراق في ليلة الاحتفال بميلاد المسيح - عليه السلام - وإقامة قداس للمسيحيين في الكنائس المنتشرة في أرجاء البلاد ومع احتفال العراقيين بهذه المناسبة».
ونقل البيان عن رئيس الوزراء الفاتيكان قوله أثناء لقائه عادل عبد المهدي: «لقد طلب منا قداسة البابا أن أنقل أطيب أمنياته إلى الشعب العراقي الحبيب»، مضيفاً: «هذه أول مرة يكون لي لقاء سياسي في عشية عيد الميلاد، وأنا سعيد جداً أن أكون معكم في هذه الليلة المباركة، ونحن ندعم جهودكم بمواجهة تحدي إعادة الإعمار وتحقيق وترسيخ السلام».
ولأول مرة منذ سنوات يحتفل المسيحيون بأعياد الميلاد في ظل أجواء هادئة وبعيدة نسبياً عن شبح العنف والإرهاب الذي طال عدداً كبيراً من كنائسهم وأديرتهم، كما تمر في ظل الانحسار النسبي في موجات الهجرة خارج العراق، وفي هذا الاتجاه يقول ممثل الكنيسة الأشورية في بغداد الخور أسقف مارتن هرمز داود: «نعم، تراجعت أعداد المهاجرين المسيحيين في السنوات الأخيرة، نتيجة تحسّن الأوضاع الأمنية وصعوبة الحصول على موافقات الهجرة إلى الدول الغربية». ويضيف داود في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تناقُص أعداد المسيحيين في العراق واقع محزن يفرض نفسه بقوة، هذه مسألة علينا التعايش معها، وفي كل عيد نسمع عن عوائل غادرت البلاد، نسبة تواجد المسيحين اليوم في بغداد لا تتجاوز الـ30 في المائة عما كان عليه الحال قبل 2003». وتابع: «في إحدى الكنائس كان عدد الرعية المسجلين رسمياً في الكنيسة نحو 5 آلاف عائلة واليوم لا يتجاوز العدد الـ300 عائلة».
بدوره، يشير القس رزق الله السمعاني، كاهن كنيسة مريم العذراء في ناحية بعشيقة التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن الموصل، لـ«الشرق الأوسط»، أيضاً، إلى «انحسار التواجد المسيحي في عموم مناطق نينوى ومنها بعشيقة، حيث تراجع عددهم في بعشيقة وحدها إلى نحو 15 في المائة مما كان عليه الحال قبل صعود (داعش) عام 2014». وأضاف: «تمكنا من إعادة بناء الكنائس التي دمرها (داعش)، لكن إعادة البشر مسألة مقعدة وعودة الذين غادروا المنطقة صعبة جداً في ظل حالة عدم الاستقرار وغموض المستقبل».
من جانبه، يتفق عضو مجلس قضاء الحمدانية في نينوى لويس مرقص بشأن صعوبة عودة المسيحين إلى الموصل وعموم مناطق نينوى، ويقول مرقص لـ«الشرق الأوسط»: «ما زالت الأمور مقلقة في الموصل ولم يعد إليها إلا بعض العوائل التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، بعد أن كان عدد العوائل المسيحية في المناطق القديمة في الموصل يناهز الـ400 عائلة». وأشار مرقص إلى أن «محافظة نينوى أكثر المحافظات العراقية من حيث تواجد عدد الكنائس والأديرة المسيحية، لكن التحديات اليوم كبيرة والخوف من (داعش) ما زال مسيطراً على الناس».
يشار إلى أن «داعش» خيّر المسيحيين أثناء سيطرته على الموصل في يونيو (حزيران) 2014 بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو الرحيل، فاختارت جميع العوائل الهرب من المدينة، وقام «داعش» بمصادرة منازلهم هناك، ويؤكد مرقص أن «الكثير من تلك المنازل ما زالت تحت سيطرة بعض الأشخاص والعوائل، ولم يتمكن أصحابها من استعادتها».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.