يروي سعدون، الرجل الخمسيني المتحدر من بلدة هجين بريف البوكمال الواقعة أقصى شرق دير الزور، كيف فرَ مع عائلته بعدما استخدمهم عناصر تنظيم داعش المتشدّد دروعاً بشرية، خلال معركة طرده من الجيب الأخير الخاضع لسيطرته في سوريا. رحلة الهروب استغرقت 10 أيام سلكتها العائلة كحال غالبية الذين يفرون من مناطق سيطرة التنظيم، مشياً على الأقدام وسط الصحراء وبين الألغام لتكون وجهتهم «مخيم الهول».
بكلماتٍ مبعثرة وصوتٍ مبحوح بدا عليه التعب وإصابة بنزلة برد جراء قضاء ليالٍ في العراء، طلب سعدون في بداية حديثه ذكر اسمه الأول، فقط، خوفاً على من تبقى من أهله في مسقط رأسه، وأكد أنه لا يعلم شيئاً عن مصيرهم. وأضاف: «قبل نحو شهر عندما وصلت المعركة لأطراف هجين، أجبرنا مسلحو داعش تحت تهديد السلاح، على الخروج منها، ليأخذونا عبر سيارات كبيرة إلى بلدة السوسة المجاورة».
وعندما أدرك هو وبقية عائلته أن نيران المعارك ستطالهم، اتخذوا قراراً بالفرار. يستذكر تلك اللحظات التي كادت أن تودي بحياته ومن معه ويقول: «كّنا نشاهد كيف يقوم طيران التحالف بقصف مواقع التنظيم، وتصلنا أخبار انهيارات في صفوف (داعش)، على إثرها قررنا الهرب والخلاص بأرواحنا، صراحة كان قراراً جريئاً».
تحت صيوان كبير ضم مئات النازحين الجدد في مخيم الهول الواقع على بعد 40 كيلومتراً شرقي مدينة الحسكة، جلس سعدون وزوجته وأبناؤه ينتظرون إدارة المخيم تخصيص خيمة للأسرة الوافدة حديثاً. كانت العائلة على يقين أن الرحلة ستكون محفوفة بالمخاطر. تقول زوجته أسماء (41 سنة): «عندما هربنا كنا نقفز فوق الجثث، لم نصدق أننا سنفلت من موت محقق».
وبلدة هجين كان يسكنها قبل 2011 قرابة 38 ألف نسمة، إلا أن معظمهم هربوا منها جراء الأعمال القتالية المحتدمة منذ أشهر. ويقدر سكان البلدة عدد المدنيين الذين استخدمهم عناصر تنظيم (دعش) كـ«دروع بشرية»، أكثر من 10 آلاف شخص. من هؤلاء منال (35) عاماً، التي تحدثت عن عشرات الكيلومترات قطعوها وسط الصحراء بمساعدة مهربين محليين تقاضوا أجوراً عالية، لكن قبل ذلك، تقول منال: «كنا في المنزل وجاء عناصر (داعش) في ساعة متأخرة من الليل، طلبوا منا الرحيل على الفور بحجة أن الكفار، على حد تعبيرهم، يهاجمون البلدة، وإنهم سيأخذوننا لمكان آمن». وأجبرت منال وزوجها وأطفالها الثلاثة أصغرهم أحمد ويبلغ من العمر 10 أشهر، على الذهاب إلى بلدة الشعفة المجاورة كحال بقية الذين أخرجوا من منازلهم تحت سطوة السلاح والتهديد.
منال وقبل خروجها من بلدتها اضطرت لبيع أثاث منزلها، وطناجر المطبخ التي كانت تحمل علامة «تيفال» الفرنسية، لإكمال المبلغ الذي طلبه المهرب بعدما ارتفعت أجور النقل ونفقات التهريب. وبعد وصولهم إلى مخيم الهول بداية الشهر الحالي، سكنت أسرة منال في خيمة تبلغ مساحتها عشرين متراً مقسمة إلى نصفين، مكان للنوم والجلوس والقسم الثاني تحول إلى مطبخ صغير، وأشارت إلى مطبخها الجديد مبتسمة: «اليوم لا أمتلك حتى طنجرة للطبخ. كان عندي مطبخ كبير وغرفة سفرة، أما اليوم نأكل بنفس المكان الذي ننام فيه. رغم ذلك نحمد الله وأشكره أننا نجونا».
وبحسب إدارة مخيم الهول، تمكن نحو 20 ألف من المدنيين في الشهور الماضية من الهروب من الجيب الأخير الذي يسيطر عليه عناصر (داعش) بريف دير الزور الشرقي. وتخوض «قوات سوريا الديمقراطية» تحالف فصائل كردية وعربية، بدعم من التحالف الدولي، منذ 10 سبتمبر (أيلول) الماضي عملية عسكرية لطرد التنظيم. وأعلنت سيطرتها على هجين منتصف الشهر الحالي، وفتحت ممرات آمنة لخروج المدنيين. والعملية العسكرية مستمرة على الرغم من إعلان الرئيس الأميركي بسحب قوات بلاده من سوريا.
وأعلنت ميشيل باشليه مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الخامس من الشهر الحالي، أن الأمم المتحدة قلقة على مصير 7 آلاف من المدنيين الذين يحتجزهم مسلحو تنظيم (داعش) في محافظة دير الزور السورية.
ونقل عليان (62 سنة) المتحدر من قرية غرانيج بريف هجين، أن التنظيم استخدم كل من تبقى من مدنيين في مناطق سيطرته، دروعاً بشرية، وقال: «أمام عيني رأيت عنصراً داعشياً قتل شخصاً رمياً بالرصاص فقط لأنه طلب البقاء ليحمي منزله وممتلكاته، الداعشي اتهمه بالتعامل مع الكفار على حد وصفهم». عليان فقد خلال المعركة الأخيرة 7 أشخاص من أفراد عائلته: «لا أصدق أنني نجوت أنا ومن تبقى من أهلي... حمداً لله على نعمته».
مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، كانت قد أشارت إلى أنه تتوفر لدى المفوضية معلومات مفادها أن: مقاتلي (داعش) يقومون بإعدام أشخاص يشتبه بصلتهم بوحدات قوات سوريا الديمقراطية أو بالأطراف الأخرى المشاركة في النزاع.
وبحسب روايات سكان هجين ممن وصلوا إلى مخيم الهول، لا يزال عناصر التنظيم يسيطرون على بلدة الشعفة وتبعد نحو 8 كيلومترات شمال غربي البوكمال، بالإضافة إلى بلدة السوسة الواقعة على بعد 3 كيلومترات شمال غربي البوكمال، وشريط حدودي محاذٍ للحدود مع العراق وهي عبارة عن منطقة صحراوية لا يتجاوز مساحتها أكثر من 10 كيلومترات.
وقررت ماجدة (55 سنة) المتحدرة من بلدة السوسة الهروب برفقة أسرتها. اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول: «على الرغم من أنني أسكن تحت هذه الخيمة، لكنها أرحم من حكم (الدواعش)».
مدنيون فروا من بلدة هجين: «داعش» استخدمنا دروعاً بشرية
20 ألفاً تمكنوا من مغادرتها في الشهور الأخيرة
مدنيون فروا من بلدة هجين: «داعش» استخدمنا دروعاً بشرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة