العالم في 2019: التحديات الاقتصادية والإصلاحات على قائمة العمل اللبناني في 2019

بدء التنقيب عن النفط يمثل بارقة أمل

الحريري وعون وبري في احتفال يوم الاستقلال(أ.ف.ب)
الحريري وعون وبري في احتفال يوم الاستقلال(أ.ف.ب)
TT

العالم في 2019: التحديات الاقتصادية والإصلاحات على قائمة العمل اللبناني في 2019

الحريري وعون وبري في احتفال يوم الاستقلال(أ.ف.ب)
الحريري وعون وبري في احتفال يوم الاستقلال(أ.ف.ب)

يضع العام الجديد السلطات اللبنانية أمام استحقاقات اقتصادية ومعيشية وسياسية داهمة، تتصدرها الإصلاحات المطلوبة لمؤتمر «سيدر» بهدف تفعيل الاقتصاد اللبناني وتفعيل منظومة محاربة الفساد، والحد من الهدر عبر ضبط قطاع الكهرباء، وذلك وسط ضغوط اقتصادية ومعيشية واستحقاقات سياسية قد تتحوّل مادة للانقسام؛ أبرزها ملفا إعادة النازحين السوريين، والانفتاح على دمشق.
وإذا كان الملف الأخير مرتبطاً حكماً بالمقاربة العربية، والتزام لبنان بقرارات جامعة الدول العربية، فإن ملف النازحين السوريين مرتبط بالإجراءات الدولية، وسط انقسام لبناني بين انتظار الحل السياسي الشامل في سوريا، واختيار قنوات أخرى لإعادة النازحين؛ أبرزها استكمال المبادرات المحلية لإعادة النازحين طوعاً إلى سوريا، واستئناف العمل بالمبادرة الروسية التي لم يبدأ تطبيقها منذ خريف 2018. ويتوقع أن تمثل الملفات الخلافية الاستراتيجية تحدياً للحكومة المؤلفة حديثاً، واختيار المعالجة الهادئة.
وقالت مصادر سياسية مواكبة لـ«الشرق الأوسط» إنه إذا بقيت الظروف الدولية على حالها، فإن لبنان سيعتمد الاستراتيجية التي اتبعت في وقت سابق لمقاربة الملفات الخلافية، بحيث لم يؤدِ الانقسام الحكومي حول عناوين معينة إلى تفجرها.
وتتصدر تلك الخلافات قضية «التطبيع» مع النظام السوري، التي تدفع قوى «8 آذار»، باتجاه تطبيقها لحل أزمة النازحين السوريين، وهو ما يرفضه حزب «القوات اللبنانية» الذي يدعو للالتزام بقرارات جامعة الدول العربيّة، فيما يعد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أن القضايا التي تتطلب تنسيقاً مع دمشق، تجري عبر المبادرة الروسية لإعادة النازحين. ووجد لبنان حلولاً في وقت سابق للتنسيق مع دمشق حول ملفات أمنية، عبر مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي ينسق الآن لإعادة النازحين، كما توجه وزراء من «قوى 8 آذار» إلى دمشق «بصفة شخصية»، وشاركوا في حضور معرض دمشق الدولي على مدى عامين.
وكان الأمن العام اللبناني أعلن في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن عدد النازحين السوريين الذين غادروا لبنان منذ شهر يوليو (تموز) الماضي إلى سوريا مستفيدين من التسهيلات المقدّمة من الأمن العام على المعابر الحدودية لتشجيعهم على العودة، بلغ نحو 80 ألف نازح، فيما قدّر عدد العائدين ضمن الحملات الطوعيّة التي تنظّمها المديرية 7670 نازحا، وبالتالي يصبح مجموع النازحين الذين عادوا إلى سوريا قد بلغ حتى تاريخه نحو 87670 نازحا.
وفي حين تتجنب الأطراف ملفات الخلافات، تتصدر الإصلاحات المالية والاقتصادية مهام الحكومة اللبنانية ومجلس النواب. ومع أن الاستحقاقات المالية المطلوبة من لبنان في عام 2018 تناهز 2.65 مليار دولار، تتنوع بين استحقاقات برأس المال وخدمة الدين العام، إلا إن ذلك لا يعد أبرز التحديات الاقتصادية التي يتصدرها «تخفيض الإنفاق العام» التزاماً بشروط المانحين في مؤتمر «سيدر» التي فرضت على لبنان القيام بإصلاحات بغرض الاستفادة من مقررات «سيدر»، وستحتل قائمة أولوياتها قضية تخفيض عجز الموازنة 5 في المائة، بحسب ما قال الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة لـ«الشرق الأوسط».
ومع تأكيد المسؤولين اللبنانيين أن الأولوية في المرحلة المقبلة، وتحديدا بعد تشكيل الحكومة الجديدة، ستكون العمل على إصلاحات مؤتمر «سيدر» بشكل خاص والقضايا الاقتصادية بشكل عام، يوضحّ عجاقة أن العجز في الموازنة الآن يبلغ 10 في المائة، وعليه «تجب زيادة الإيرادات أو تخفيض الإنفاق لتخفيض العجز»، موضحاً أنه «من الصعوبة زيادة الإيرادات عبر الضرائب، منعاً لقيام توتر في الشارع»، مما يعني أن الخيارات «محصورة في تخفيض الإنفاق».
مع العلم بأنه في المقابل كان قد أعلن الحريري في مؤتمر اقتصادي عقد في بيروت الأسبوع الماضي، أن الحكومة المقبلة ستحاول خفض الدعم الذي تدفعه للطاقة بنحو 600 مليون دولار في عام 2019، وهو ما لاقى ردود فعل شعبية رافضة.
وأوضح رئيس الحكومة المكلف: «إذا وفرنا الملياري دولار التي ندفعها على الطاقة، نكون قد وفرنا على الخزينة هذا المبلغ كاملا. مشكلتنا الأساسية هي في الكهرباء، علينا أن نخفض دعمنا لقطاع الطاقة من ملياري دولار إلى صفر. ويفترض بنا أن نخفضها اعتبارا من العام المقبل بقيمة 600 مليون دولارا تقريبا. وحين تصبح لدينا كهرباء 24 على 24 ساعة فسنرفع تعرفة الكهرباء، وهذا أيضا سيوفر لنا مزيدا من العائدات».
ويشكل الإنفاق الرسمي على قطاع الكهرباء وعلى رواتب الموظفين في القطاع العام وعلى خدمة الدين العام، 80 في المائة من الإنفاق الحكومي، وهو ما يدفع إلى الضغط لتحسين قطاع الكهرباء أولاً. ويقول عجاقة إن «التحسينات في القطاع إذا لم تشمل الشراكة بين القطاعين العام والخاص بوصفها مخرجا أساسيا لإصلاح القطاع، فإنه من الصعب تسوية المشكلة المتفاقمة منذ سنوات، وتنفق عليها الحكومة نحو ملياري دولار سنوياً». ويرى عجاقة أنه لا سبيل لإدخال إيرادات إلا عبر رفع الرسوم الجمركية بنحو 10 في المائة، لأن لبنان يستورد بنحو 20 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن مبلغ ملياري دولار سيدخل إلى الخزينة. وقال: «إذا ارتفعت أسعار السلع الأجنبية، فذلك سيدفع للاعتماد على السلع المحلية التي تعيد تشغيل اليد العاملة وتخفض البطالة وتحرك الاقتصاد وتخفض الضغط على ميزان المدفوعات الذي يمثل المشكلة الأساسية لحماية العملة الوطنية» رغم تأكيده أن سعر صرف الليرة «مستقر ولا يمثل تحدياً بالنظر إلى الإجراءات التي وضعها مصرف لبنان لحماية الليرة».
ورغم تلك التحديات، فإن ثمة بارقة أمل للبنانيين تتمثل في انطلاق أعمال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية اللبنانية التي يتوقع أن تبدأ مطلع فبراير (شباط) 2019. واستكمل لبنان الإجراءات القانونية لانطلاق ورشة التنقيب عن النفط والغاز، حيث منحت السلطات موافقتها على خطة قدمها تحالف يضم شركات «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية و«نوفاتك» الروسية لبدء التنقيب. وكان لبنان قد وقع في فبراير الماضي أولى اتفاقياته لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز البحري، في المنطقتين «4» و«9» قبالة الساحل اللبناني.
وفي إطار مشروع النفط والغاز، أعلن الحريري الأسبوع الماضي، أن هناك مناقصة ثانية يجب أن تجرى في شهر فبراير أو مارس (آذار) المقبلين، مشيرا إلى أنه «حين أجريت المناقصة الأولى التي حصلت عليها شركة (توتال) لم يكن هناك كثير من الشركات المهتمة، أما اليوم فالأوروبيون والأميركيون والإنجليز باتوا مهتمين. وقد لاحظت اهتماما بالاستثمار في لبنان، خصوصا في مجال الغاز والنفط. واعتبارا من منتصف العام المقبل سيبدأون بتحضير أنفسهم لذلك».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.