في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس التشادي إدريس ديبي، في نجامينا أول من أمس، تحاشى الرئيس الفرنسي تناول رد بلاده على المطالب التي رفعها ممثلان عن «مجلس سوريا الديمقراطية» لباريس يوم الجمعة الماضي بعد قرار الرئيس دونالد ترمب ترحيل القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا. ولم يحدْ إيمانويل ماكرون عن الخط الذي رسمه لدبلوماسية فرنسا في هذا الملف، والذي يمكن تلخيصه بأن باريس «تأسف» للقرار الأميركي لأن المهمة (أي القضاء على «داعش») لم تنجز بعد، وأنه لا يجوز ترك «قوات سوريا الديمقراطية» لمصيرها، كما لا يجوز التخلي عن الحلفاء في منتصف الطريق.
لكن ماكرون لم يشر من قريب أو من بعيد إلى ما تنوي حكومته القيام به، أو الرد الذي وفرته لـ«قوات سوريا الديمقراطية» التي قدمت لفرنسا 3 مطالب؛ أولها: توفير الدعم الدبلوماسي والضغط على تركيا لمنعها من اجتياح مناطق وجودها. وثانيها الإبقاء على الوحدات الفرنسية هناك حتى بلورة حل سياسي. وثالثها إيجاد منطقة حظر جوي في شمال شرقي سوريا كما كانت الحال في شمال العراق إبان حكم الرئيس الأسبق صدام حسين.
وكشفت مصادر في باريس اطلعت على المحادثات التي أجراها وفد الجناح السياسي لـ«قسد»، عن أن الطرف الفرنسي «لم يقدم أي التزامات محددة» وأن تركيز باريس، بعد أن أصبح القرار الأميركي مبرما، هو محاولة «إبطاء» الانسحاب الأميركي وتوفير «الضمانات» بعدم مهاجمة المناطق الخاضعة لـ«قسد».
لكن غياب الرد الفرنسي العلني لا يعني أن الدبلوماسية الفرنسية لا تتحرك على الخط الأميركي - التركي، إضافة إلى المشاورات التي تقوم بها على المستوى الأوروبي؛ حيث تسعى باريس لبلورة موقف أوروبي «مع ألمانيا وبريطانيا». وجاءت تغريدة للرئيس ترمب عقب اتصال تشاوري مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال فيها إن الانسحاب «سيكون منسقا وبطيئا»، رداً على ما تطالب به باريس. والشيء نفسه يمكن قوله في تغريدة سابقة للرئيس التركي التي تحدث فيها عن «تأجيل» القيام بعملية عسكرية في شمال شرقي سوريا.
ثمة قناعة بأن باريس لا تنوي التخلي عن دعم أكراد سوريا. وهذا الدعم أعيد التأكيد عليه للوفد الكردي في الاجتماعات التي عقدها نهاية الأسبوع الماضي في باريس. لكن السؤال المطروح يتناول هامش التحرك الفرنسي بعد انسحاب القوات الأميركية، خصوصا أن عديد القوات الخاصة الفرنسية في المنطقة، يقدر بنحو 200 رجل. لكن القناعة الأخرى قوامها أن فرنسا، بإمكاناتها المحدودة، لا تستطيع الحلول محل القوات الأميركية أو أن تقوم بالدور الذي كانت تقوم به. ويبدو أن هذه قناعة الطرف الكردي؛ إذ لم تتردد إلهام أحمد، الرئيسة التنفيذية لـ«مجلس سوريا الديمقراطية»، عقب اجتماعات الإليزيه، في القول: «إننا نعرف أن رحيل الأميركيين سيفضي إلى رحيل الفرنسيين».
حتى الآن، تؤكد باريس أن وحداتها باقية في سوريا. لكن الحضور العسكري الفرنسي لا يقتصر عليها فقط؛ إذ تتعين إضافة الوسائل البحرية والجوية التي تشارك في إطار التحالف الدولي، والوحدات التي تقوم بتدريب المقاتلين في العراق، إضافة إلى وحدات المدفعية الموجودة في الجانب العراقي من الحدود. لكن السؤال يتناول «السيناريوهات» التي قد تواجهها هذه القوات بعد الرحيل الأميركي، ومعرفة ما إذا كانت مهمتها ستكون حماية المناطق الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» وهل تريد باريس الانغماس في مواجهات محلية في وضع بالغ التعقيد مع وجود القوات الروسية والتركية وقوات النظام ولكل طرف مطامعه وخططه؟
من هذه الزاوية، تبدو باريس في مأزق؛ فلا هي راغبة في ترك أكراد سوريا ومن معهم لمصيرهم الغامض، ولا هي راغبة في الغرق في مواجهات غير مستبعدة. ولذا، فإن الدبلوماسية الفرنسية تجهد لتوضيح الصورة؛ أولا مع الطرف الأميركي المطلوب منه، وفق باريس، لجم مبادرات الرئيس التركي المتهورة.
خيارات محدودة لباريس في المأزق الكردي
خيارات محدودة لباريس في المأزق الكردي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة