بقايا «داعش» في العراق وسوريا... الخطورة مستمرة

التنظيم شرع في تجديد نشاط خلاياه النائمة

قوات مكافحة الإرهاب العراقية ترفع علم «داعش» مقلوباً أمام مسجد النوري الذي دمره التنظيم في مدينة الموصل (أ.ف.ب)
قوات مكافحة الإرهاب العراقية ترفع علم «داعش» مقلوباً أمام مسجد النوري الذي دمره التنظيم في مدينة الموصل (أ.ف.ب)
TT

بقايا «داعش» في العراق وسوريا... الخطورة مستمرة

قوات مكافحة الإرهاب العراقية ترفع علم «داعش» مقلوباً أمام مسجد النوري الذي دمره التنظيم في مدينة الموصل (أ.ف.ب)
قوات مكافحة الإرهاب العراقية ترفع علم «داعش» مقلوباً أمام مسجد النوري الذي دمره التنظيم في مدينة الموصل (أ.ف.ب)

صادف التاسع من ديسمبر (كانون الأول) ذكرى مرور عام على إعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، هزيمة تنظيم داعش في العراق، وتحرير آخر معقل له فيها، إلا أن ذلك لا يعني على أية حال التخلص من وجوده، إذ يحاول التنظيم بلا هوادة لملمة أشلائه. وقد أشارت عدة تقارير مؤخراً إلى أن تنظيم داعش قد شرع في تجديد نشاط خلاياه النائمة وجيوبه في سوريا والعراق، وبالأخص في المناطق الحدودية بينهما، كما حذر عدد من المسؤولين من بقايا «داعش» وتصرفاته وقد خفت وهجه.
أكد رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود برزاني، في مؤتمر صحافي، أن «داعش» لم ينتهِ، وأنه قد عاد إلى بعض المناطق بشكلٍ أسوأ من ذي قبل، وأن خطره بات أكثر من السابق، فيما قال قائد العمليات المشتركة للعمليات الخاصة في العراق وسوريا، الجنرال باتريك روبرسون، إن تنظيم داعش ينتهج محاولات مستميتة للقتال بعد أن تم طرد أعضائه من مناطق نفوذهم السابقة، التي كانت تحت اسم «الخلافة المزعومة»، بالأخص بعد أن نفدت مصادرهم التي كانت تعتمد من قبل على الضرائب والنفط.
يذكر أن «قوات سوريا الديمقراطية» سيطرت على بلدة هجين، التي تعد من أهم معاقل تنظيم داعش في منطقة دير الزور في سوريا، والتي اندلعت فيها في الفترة الأخيرة اشتباكات قوية بين التنظيم المتطرف و«قوات سوريا الديمقراطية»، فيما ذكرت هذه القوات أن التنظيم لا يزال يحوي ما يصل إلى 5 آلاف داعشي قرب الحدود مع العراق، الأمر الذي يثير من جديد إشكالية أن التغلب على الخلافة الداعشية أو «تنظيم الدولة» لا يعني التخلص من التطرف، واجتثاث مسبباته، إذ إن ذلك يستلزم استراتيجيات بعيدة المدى، خصوصاً مع تحول استراتيجيات التنظيم إلى ما يشبه «حرب العصابات»، مما يطيل أمد الصراع، ويجعله لا يعتمد على مناطق محدودة، كما في السابق، إذ لم يقر تنظيم داعش بهزيمته، واستمر في معاركه المستميتة، وفي سعيه لاستقطاب وتجنيد المتعاطفين معه، الأمر الذي سهل على التنظيم تفعيل هجماته، لا سيما في ظل انعدام وجود استقرار أمني وسلطة مركزية قوية.
وفي حين أشارت السلطات العراقية إلى شروع التنظيم في إعادة هيكلته، والاعتماد على غير العراقيين كقادة للتنظيم، بعد أن قتل عدد كبير من قادته خلال الغارات الجوية من قبل قوات التحالف، وتهجير وفرار آخرين منهم خارج المناطق التي كانت بحوزتهم من قبل، الأمر الذي دفع «داعش» للتركيز على عمليات القتل واختطاف الرهائن، سواء من المدنيين أو حتى المساجين، واستخدام المتفجرات، وإن واتت التنظيم الفرصة، بث كل ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل إثبات استمراريته، رغم الضغوطات التي تواجهه.

استراتيجيات دقيقة
في تقرير لرئيس الشؤون الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يذكر أنتوني كوردسمان أن السلطات الأميركية بحاجة لوضع استراتيجيات وقرارات دقيقة في ما يخص مستقبل حروبه في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، إضافة إلى صراعه مع التطرف والإرهاب بصفة عامة، ومع إيران، حيث لا يوجد أي علامات لوجود «انتصار» في هذه المناطق، إلا إن تم التخلص من المخاطر الحالية على الصعيد العسكري، وكذلك من خلال قدرة الدول على إيجاد سياسات تمكنها من إفشاء السلام والاستقرار، والنهوض.
كما ذكر كوردسمان، في التقرير ذاته، أن التخلص من الخلافة الداعشية وحده ليس دليلاً على الفوز في الحرب ضد الإرهاب في كل من سوريا والعراق، إذ إنه من الصعب معرفة عدد أعضاء تنظيم داعش، ممن سيتمكنون من البقاء في سوريا والعراق، أو العدد الذي سوف يتمكن من الاستمرار في الصراع، سواء من خلال هذا التنظيم أو ولادة تنظيم جديد.
وقد أشار تقرير كوردسمان إلى أن العمليات الإرهابية المنفذة من قبل تنظيم داعش تشكل 30 في المائة فقط من العمليات الإرهابية في سوريا، خلال الفترة من 2000 إلى 2017، بينما الحرب الأهلية في سوريا اندلعت خارج المناطق التي استحوذ عليها «داعش»، وتحديداً في المناطق التي استحوذت عليها إيران و«حزب الله»، والقوات الداعمة لنظام بشار الأسد، إضافة إلى وجود عدد من «المتطرفين» ممن يمتلكون جذوراً أو انتماءً سابقاً لتنظيم «القاعدة»، الأمر الذي يعكس مدى تعقيد القدرة على تحقيق الاستقرار في مناطق الصراع، حيث لا يرتبط ذلك فقط بمحاربة تنظيم داعش عسكرياً.

تمكين العراق
وأكد كوردسمان أن تحقيق الاستقرار في العراق يعني أهمية وجود سلام بين الأعراق والمذاهب المختلفة، بما فيها الأكراد «المتطرفين» الذين لديهم روابط في مناطق في سوريا وتركيا، مشيراً إلى أن الهجمات الإرهابية في العراق من قبل تنظيم داعش تشكل 39 في المائة من إجمالي الهجمات لعام 2016، و43 في المائة من إجمالي هجمات عام 2017 فقط، وقد يكون ذلك نتيجة الغارات المكثفة من قبل قوات التحالف على التنظيم، مما أفقده قدرته على الهيمنة في العمليات الإرهابية، إذ مضى يلملم أشلاءه، ويحاول استعادة قوته، الأمر الذي يعني أن العمليات العسكرية لمجابهة تنظيم داعش وحدها لن تكفي لإيقاف التطرف والإرهاب، أو ظهور تنظيمات إرهابية أخرى، إذ لا بد من دعم الحكومة العراقية من أجل تمكينها من مواجهة المخاطر، سواء الآتية من دول أخرى تحاول التسبب في إرباك الأمن، أو ميليشيات تسعى لزعزعة الأمن الداخلي.
وهو أمر يشبه ما حدث مع تنظيم القاعدة في السابق، حيث توقع المحللون والخبراء في مجال مكافحة الإرهاب انتهاء التنظيم في أعقاب الإعلان عن وفاة مؤسسه أسامة بن لادن عام 2011، لا سيما أن تنظيم القاعدة كان في ذلك الوقت أكثر مركزية، وهو ما يختلف عن تنظيم داعش الذي تعمد عدم إبراز قادته في وسائل الإعلام، واستقطاب المتعاطفين، والتركيز على «الشعبوية»، أو استقبال الجنسيات والتوجهات المختلفة من البشر، مما أدى إلى تعدد جنسياته، لتضم حتى الأوروبيين منهم، وذلك يختلف عن تنظيم القاعدة الذي اتصف بتقنين أعضائه إلى عرب وأفغان، وعدم استقبال المتعاطفين مع التنظيم من الجنسيات الأخرى، وهو ما دأب على النجاح فيه.

دعم الذئاب
نجح تنظيم داعش منذ نشاطه الذي تبلور في عام 2014 في استغلال العالم الإلكتروني في بث عملياته، واستقطاب المتعاطفين من جنسيات مختلفة، وبأعداد كبيرة، الذين انضموا للتنظيم نتيجة افتتانهم بفكرة «الخلافة الداعشية»، ووجود رقعة جغرافية في سوريا والعراق تعد أشبه بملاذ لجميع «المتطرفين»، أو في ما بعد حين تمكن من استقطاب وتجنيد «الذئاب المنفردة» في كثير من الدول، دون الحاجة لإرسالهم إلى معسكرات تدريبية، أو التورط بتفشي أماكن وجودهم، حتى تغلب في قدراته التقنية على تنظيم القاعدة الذي ولد منه، واستمر في دعمه لفكرة «الذئاب المنفردة» خارج مناطق الصراع، حيث لا يستلزم ذلك بذل مجهود كبير، وإنما الاكتفاء بالدعم المعنوي، ومن ثم نسب عمليات إرهابية شعواء أشبه بالإجرامية لأشخاص مختلين عقلياً يقومون بطعن المارة أو دهسهم، والتسبب في بلبلة وإقلاق للمدنيين، وسيظل اسم التنظيم الداعشي مؤرخاً في قدرته على تجنيد أعداد كبيرة من المنضمين إليهم، وجعله دول العالم تتحالف من أجل التخلص من هذا التنظيم الذي تفشى حتى وصل إلى أجزاء بعيدة من العالم.
إلا أن استهداف قوات التحالف لتنظيم داعش قد تتيح الفرصة لنهوض تنظيمات أخرى، أبرزها تنظيم القاعدة. وقد طرح مركز راند للدراسات الاستراتيجية من جهته وجود سيناريو محتمل، يتمحور حول استغلال تنظيم القاعدة ما حدث مؤخراً من محاربة تنظيم داعش من أجل تقوية قدراته ولملمة صفوفه، ومن ثم استقطاب المزيد من المتعاطفين معه، لا سيما أنه يبدو التنظيم الأقل شراسة، إذا ما قورن بـ«داعش»، الأمر الذي قد يمكنه من الظهور بقالب أكثر عقلانية وخيار أفضل للمتعاطفين.

داعش والقاعدة
حرص تنظيم القاعدة منذ بداية عهده على استخدام سياسة «كسب القلوب والأفئدة» في تعامله مع المدنيين، بل وسعى لإعادة البناء في عدة مناطق كان يستحوذ عليها، مثل ما حدث في السابق في العراق، قبل أن يسيطر تنظيم داعش على تلك المناطق، الأمر الذي قد يقنع البعض، خصوصاً أن «القاعدة» كان حريصاً منذ البداية على أن يوضح أن حربه هي على الغرب فقط، فيما قام «داعش» بشن هجمات شرسة على كل من يخالفه، بما في ذلك المدنيين المسلمين الذين قام بتكفيرهم، وتطبيق العقوبات عليهم وإبادتهم، وقد تفشى في عهد التنظيم الداعشي ما هو أشبه بظاهرة المجازر الجماعية، وستقوم منظمة الأمم المتحدة بإجراء تحقيقات في مطلع 2019 حول الانتهاكات التي ارتكبها «داعش» في العراق، حيث تم الكشف عن ما يزيد على 200 مقبرة جماعية، تضم أكثر من 12 ألف جثة، حيث تبنى مجلس الأمن في عام 2017 قراراً بالإجماع من أجل التمهيد لتحقيق يهدف إلى محاكمة عناصر تنظيم داعش عن الجرائم التي تم ارتكابها.
كل ذلك يؤكد ضرورة وضع آليات لما بعد تفكيك الجماعات المتطرفة، وتسوية أوضاع ما تبقى منها، بالأخص مع وجود نساء وأطفال لأعضاء التنظيمات، الأمر الذي يتطلب إعادة تأهيل «المتطرفين» من أجل دمجهم في المجتمعات القادمين منها، سواء كانوا ينتمون لمناطق الصراع أو أجانب ينتمون لدول أخرى، فيما تظل الإشكالية الأهم هي ضرورة إعادة بناء المناطق التي تدمرت نتيجة الحرب على الإرهاب، وتمكين الدول التي تعاني من التطرف من إيجاد سياسات تؤهلها لأن تواجه هذه المخاطر ذاتياً.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».