رحيل الأمير طلال بن عبد العزيز عراب النشاطات الإنسانية والإنمائية

خادم الحرمين الشريفين تلقى التعازي من قادة دول خليجية وعربية وكبار المسؤولين

TT

رحيل الأمير طلال بن عبد العزيز عراب النشاطات الإنسانية والإنمائية

غيب الموت أمس (السبت)، الأمير طلال بن عبد العزيز، النجل الثامن عشر للملك عبد العزيز، عن عمر يناهز 87 عاماً، بعد معاناة من المرض، وسيصلى على الأمير الراحل بعد صلاة العصر اليوم (الأحد)، بجامع الإمام تركي بن عبد الله، في الرياض، ويوارى الثرى في مقبرة العود.
ونعى الديوان الملكي السعودي الأمير الراحل الذي دخل معترك الحياة العملية مبكراً، حيث تقلد عدداً من المناصب في بلاده، فحمل حقيبتي «المالية والاقتصاد الوطني»، و«المواصلات»، وكان سفيراً لبلاده لدى فرنسا، كما عمل نائباً لرئيس المجلس الأعلى للتخطيط، ونائباً لرئيس المجلس الأعلى للأماكن المقدسة في مكة المكرمة، كما تقلد مناصب في المجالات الإنمائية محلياً وعربياً ودولياً وحقق فيها الحضور والنجاح.
وتلقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز برقيات عزاء ومواساة يوم أمس، في وفاة الأمير طلال بن عبد العزيز، من قادة دول خليجية وعربية وكبار المسؤولين في عدد من الدول، داعين الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته.
وأعرب الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، والملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية، في برقياتهم عن أصدق مشاعر التعزية والمواساة، داعين الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ورضوانه ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم خادم الحرمين الشريفين والأسرة المالكة جميل الصبر وحسن العزاء.
كما تلقى الملك سلمان برقيات عزاء مماثلة من الشيخ نواف الأحمد الصباح ولي العهد الكويتي، والشيخ جابر مبارك الصباح رئيس مجلس الوزراء في دولة الكويت، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
ويعد الأمير الراحل من الشخصيات العربية التي اشتهرت بنشاطها ومداخلاتها الوطنية والقومية والدولية على امتداد أكثر من 4 عقود في مجالات عدة؛ يأتي في مقدمتها ميدان التنمية عموماً وتنمية العنصر البشري خصوصاً، اعتماداً على فلسفة قيام الكوادر الوطنية في العالم الثالث ببناء بلادها، وضمان تقدمها ورخائها.
وبدأت نشاطات الأمير طلال في التبلور مبكراً لدى اضطلاعه بمسؤوليات كثيرة. ولعل تمرسه من خلال تولي المسؤوليات التنفيذية في مجالات كثيرة قد أسهم في تشكيل قناعاته بجدوى العمل المؤسسي المنظم والمخطط له وفاعليته، بعيداً عن العفوية التي تطبع معظم النشاطات في دول العالم الثالث، وعلى هذا الأساس الفكري والخبرة الفعلية، تبنى الأمير طلال مشاريع تنموية رائدة؛ خصوصاً في مجالات الصحة والشؤون الاجتماعية والتعليم، وفي مجال العمل الإنساني والخيري.
وأنجز الأمير الراحل سلسلة من الأعمال اللافتة، حيث كان من أوائل من تبنوا إرسال الشباب السعودي في بعثات تعليمية على نفقته الخاصة للدراسة الجامعية في الخارج، في مطلع الخمسينات، كما سجل اسمه أول من أسس مدرسة للتدريب المهني في بلاده عام 1954، وأول من أسس مدرسة لتعليم البنات في الرياض في 1957، كما أهدى «قصر الزهراء» في مكة المكرمة للحكومة في 1957 ليصبح أول كلية للبنين. كما أسس الأمير الراحل أول مستشفى غير حكومي (خاص) في الرياض عام 1957، حمل اسمه وخصص 70 في المائة من إمكاناته للعلاج المجاني و10 في المائة لعلاج الأطفال، ثم أهدى المستشفى فيما بعد للدولة، وهو ما يعرف الآن بمستشفى الملك عبد العزيز الجامعي.
وبادر بتأسيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية في 1980، بغرض دعم جهود التنمية البشرية المستدامة في دول العالم النامية، انطلاقاً من قناعة الأمير الراحل بالدور الفاعل للعمل المؤسسي في تحقيق أهداف التنمية البشرية المستدامة، إذ أنشأ عدداً من المؤسسات العربية الإقليمية الفريدة، بهدف رئيسي هو ضمان التعاون والتنسيق والمشاركة بين مختلف الفعاليات العاملة في ميدان التنمية، حيث تشارك في الجهود التي تتم من خلال هذه المؤسسات؛ الحكومات والقطاع الخاص والجمعيات الأهلية والمؤسسات الأكاديمية وأجهزة الإعلام والباحثون المختصون والعلماء، وذلك من أجل تخفيف معاناة الفقراء ومساعدتهم وتمكينهم من المشاركة في قيادة المجتمعات العربية نحو مستقبل أفضل.
وفي هذا الإطار، أنشأ الأمير طلال من خلال برنامج الخليج العربي وبالتعاون مع شركاء دوليين آخرين، عدداً من المؤسسات؛ هي المجلس العربي للطفولة والتنمية، ومركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوتر)، والشبكة العربية للمنظمات الأهلية، وبنك الفقراء، والجامعة العربية المفتوحة، والجمعية السعودية للتربية والتأهيل لرعاية الأطفال المعاقين من ذوي متلازمة داون. وكان الأمير الراحل صاحب فكرة جائزة برنامج الخليج العربي العالمية للمشروعات التنموية الرائدة عام 1999.
وزار الأمير الراحل كثيراً من دول العالم، خصوصاً خلال توليه منصب مبعوث «اليونيسيف»، حيث تفقد معظم الدول النامية ووقف على أوضاع الأطفال فيها.
حفلت سيرة الأمير الراحل طلال بن عبد العزيز بتقلده عدداً من المناصب العامة في المجالات المختلفة محلياً وعربياً ودولياً، من خلال رئاسته برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (الرياض)، والمجلس العربي للطفولة والتنمية (القاهرة)، ومجلس أمناء الشبكة العربية للمنظمات الأهلية (القاهرة)، ومجلس أمناء مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (تونس)، ومجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة (الكويت)، والرئيس الفخري للجمعية السعودية للتربية والتأهيل (الرياض)، والرئيس الفخري للجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع ورئيس الأعضاء الشرفيين (الخبر)، والرئيس الشرفي لمعهد أمين الريحاني (واشنطن)، والرئيس الشرفي لمركز إبصار لرعاية المكفوفين (جدة)، والرئيس الفخري لوحدة منظمة التجارة العالمية، مركز التمييز بالإدارة - جامعة الكويت (الكويت)، كما كان عضواً في مجلس أمناء مؤسسة منتور (جنيف)، ومؤسساً في اللجنة المستقلة للقضايا الإنسانية الدولية (جنيف)، ورابطة معهد باستور (باريس)، ومنتدى الفكر العربي (عمان - الأردن)، كما عمل مبعوثاً خاصاً لـ«اليونيسكو» للمياه، والمبعوث الخاص لـ«اليونيسيف».
وتقديراً لإسهامات الأمير الراحل وجهوده في ميادين التنمية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، قامت بعض الحكومات والمنظمات والمؤسسات بمنحه مجموعة من الأوسمة والجوائز الرفيعة؛ منها وشاح الملك عبد العزيز من السعودية عام 1976، ووسام من الحكومة اللبنانية في أوائل الستينات الميلادية، ووسام الدولة من حكومة البرازيل عام 1982، ووشاح وشهادة تقدير من حكومة هايتي في 1982، ووسام القلب الذهبي من حكومة الفلبين عام 1983، ووسام ضابط عظيم من حكومة فرنسا في 1983، ووسام شخصية العام من اللجنة الدولية المستقلة عام 1985، ووسام الاستقلال (الصنف الأول) في تونس عام 1985 من الرئيس الحبيب بورقيبة، ووسام النصف الأكبر من الجمهورية التونسية من الرئيس زين العابدين بن علي عام 1993، والدرع الذهبية من جمعية المغتربين الدولية - جنيف في عام 1983، وميدالية السلام من هيئة الأمم المتحدة - نيويورك عام 1983، والميدالية الذهبية الكبرى من المنظمات العربية للتربية والثقافة والعلوم - تونس عام 1985، وإزاحة الستار عن التمثال النصفي للأمير طلال بمقر منظمة الصحة العالمية جنيف في عام 1987، ولوحة تذكارية بمناسبة مرور 2000 سنة على تأسيس باريس من رئيس بلدية باريس، ولوحة نصفية للدكتور ديشين مكتشف مرض الوهن العضلي مقدمة من الجمعية الفرنسية لرعاية مرضى الوهن العضلي عام 1987، وجائزة الشخصية الإنسانية لعام 1997 من مركز راشد لعلاج ورعاية الطفولة المعاقين - دبي - الإمارات العربية المتحدة، ودرع الأمم المتحدة التي صممت خصيصاً له وسلمت بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة عام 2000 تقديراً لجهوده في مجالات التنمية.
ونظراً لحضور الأمير الراحل طلال بن عبد العزيز في مختلف الميادين والأعمال التي تقلدها، فقد صدر عنه كتابان هما: «طلال بن عبد العزيز آل سعود... الرؤية والمنهج» للدكتور صابر عبد الرحمن طعيمة، و«طلال بن عبد العزيز آل سعود... لمحات من سيرته وأعماله» للدكتور عبد اللطيف بن محمد الحميد.



«مجتمع ورث» يحيي التراث السعودي برؤية عالمية

«مجتمع ورث» منصة لإحياء وتطوير الحرف اليدوية وربطها بالتصميمات الحديثة (الشرق الأوسط)
«مجتمع ورث» منصة لإحياء وتطوير الحرف اليدوية وربطها بالتصميمات الحديثة (الشرق الأوسط)
TT

«مجتمع ورث» يحيي التراث السعودي برؤية عالمية

«مجتمع ورث» منصة لإحياء وتطوير الحرف اليدوية وربطها بالتصميمات الحديثة (الشرق الأوسط)
«مجتمع ورث» منصة لإحياء وتطوير الحرف اليدوية وربطها بالتصميمات الحديثة (الشرق الأوسط)

في إطار الاهتمام المتزايد بإحياء التراث السعودي وتعزيز الهوية الثقافية الوطنية، أطلق المعهد الملكي للفنون التقليدية «وِرث» مبادرته المتميزة «مجتمع وِرث»، في يوم 4 يناير 2025، وذلك في مقره الرئيسي بمدينة الرياض. يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان عام 2025 عاماً للحِرف اليدوية، ما يُجسد رؤية المملكة في دعم الفنون التقليدية وصونها وتطويرها لتكون جزءاً من الثقافة الحية التي تجمع بين الأصالة والحداثة.

ويهدف «مجتمع وِرث» إلى أن يكون المنصة الرائدة لإحياء وتطوير الحِرف اليدوية السعودية وربطها بالتصميم والتقنيات الحديثة. كما يسعى إلى تعزيز مشاركة المؤسسات والمجتمع المحلي في إبراز أهمية الفنون التقليدية في دعم الهوية الثقافية، إلى جانب تمكين الأفراد من استكشاف الإمكانات الكامنة في توظيف تلك الفنون عبر تقنيات معاصرة تشمل لقاءات وورش عمل تفاعلية مع نخبة من الخبراء والمختصين في مجالات الحِرف اليدوية والفنون التقليدية، مما يتيح فرصة استثنائية لتبادل الخبرات وإثراء المعارف وتطوير المهارات.

أنشطة تعليمية وحرفية يقدمها «مجتمع ورث» (الشرق الأوسط)

هذه الخطوة تمثل رؤية طموحًا تجمع بين الحفاظ على التراث وإعادة تقديمه بأساليب مبتكرة، فهي تعمل على دمج الحِرف اليدوية مع أدوات التكنولوجيا الحديثة مثل النمذجة ثلاثية الأبعاد، والطباعة الرقمية، والتصنيع الذكي، مما يسهم في تحويل المنتجات التراثية إلى أعمال عصرية تلبي متطلبات السوق المحلية والعالمية، مع الحفاظ على جذورها الأصيلة.

وتشمل فعاليات «مجتمع وِرث» مجموعة واسعة من الأنشطة التعليمية والحرفية والريادية التي تستهدف جميع المهتمين بالفنون التقليدية. ومن أبرز ورش العمل المقدمة، التدريب على تصميم المنتجات التراثية باستخدام البرامج الحديثة، وتطوير المهارات التسويقية للحرفيين عبر القنوات الرقمية، إلى جانب استراتيجيات دمج التصميم المعاصر مع الحرف اليدوية، كما يقدم المجتمع جلسات حوارية تضم خبراء ومتخصصين، وتركز على استكشاف تطورات هذا المجال وإيجاد حلول مبتكرة تحفز الإبداع والابتكار.

ويُعد المعهد الملكي للفنون التقليدية «وِرث» مؤسسة رائدة تسعى إلى الحفاظ على التراث الوطني السعودي وتعزيزه، من خلال تبنّي مشروعات وبرامج تُبرز الفنون التقليدية محلياً وعالمياً. ويسعى المعهد إلى دعم المتميزين في هذا المجال، سواء أكانوا من الحرفيين أم الممارسين أم المهتمين، من خلال توفير بيئة تعليمية وداعمة تحفز المواهب وتعمل على تطويرها. إلى جانب ذلك، يُولي المعهد اهتماماً خاصاً بتقدير الكنوز الحية التي تمثل رموزاً للإبداع الحرفي، وتشجيع الأجيال القادمة على تعلم وإتقان الحِرف التقليدية السعودية وتطويرها بما يتماشى مع روح العصر.

ويشكل إطلاق «مجتمع وِرث» جزءاً من رؤية استراتيجية تسعى لتحقيق أهداف «رؤية المملكة 2030» في مجال الثقافة والفنون، وذلك من خلال الجمع بين التراث والابتكار، حيث يسعى «المجتمع» إلى بناء جسور تربط الماضي بالحاضر والمستقبل، مما يضمن استمرار الحِرف اليدوية بوصفها عنصراً حيوياً في الهوية الثقافية السعودية يسهم في تعزيز مكانتها عالمياً.