وصل الجنرال الهولندي المتقاعد باتريك كومارت رئيس لجنة «إعادة الانتشار» المنبثقة عن اتفاقية استوكهولم إلى مطار عدن أمس، رفقة ستة معاونين استباقاً لوصول بقية أعضاء فريق المراقبة الذي يقوده. وسيترأس كومارت اللجنة بمشاركة ممثلين عن الحكومة اليمنية وآخرين عن الحوثيين.
وجاء وصول الجنرال إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن على وقع اتهامات ضد الحوثيين من قبل القوات الحكومية اليمنية والتحالف الداعم لها بالاستمرار في خرق الهدنة ومواصلة إطلاق القذائف الصاروخية على الأحياء السكنية ومناطق تمركز القوات الموالية للحكومة في محيط مدينة الحديدة ومناطق أخرى من الساحل الغربي.
ومن المرتقب أن يصل ما بين 30 و40 مراقباً من دون أسلحة للمشاركة في إنجاح اتفاق الحديدة وهو أحد مخرجات «اتفاقية استوكهولم» خلال المشاورات اليمنية الأخيرة في السويد، ومن أبرز بنودها انسحاب الحوثيين خارج الموانئ ومنح السلطة للقوات المحلية وإيداع الواردات في فرع البنك المركزي في المحافظة المطلة على ساحل البحر الأحمر غرب اليمن.
- تحديد المهام
أكد مصدر مسؤول في الأمم المتحدة أن لجنة إعادة الانتشار ستحدد خلال أول اجتماع لها مهامها وتقسيماتها، من دون أن يسهب في التفاصيل. وبسؤال المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه «ماذا إذا اختلف الفريقان (أي الحكومة والحوثيين) داخل اللجنة»، فأوحت إجابته أن الجنرال الهولندي هو الذي سيفصل في ذلك، بقوله: «بالتأكيد الجنرال كومارت سيلعب دوراً قيادياً».
ولم يتم تحديد أي موعد للاجتماع أو جدول أعمال واضح لكومارت في الحديدة، لكن الوقت يداهمه من ناحيتين، الأولى أن تاريخ 3 يناير (كانون الثاني) 2019 هو موعد الأسابيع الثلاثة لانسحاب الحوثيين من موانئ «الحديدة، والصليف، ورأس عيسى»، وهي ناحية صعبة إذا ما قورنت بالمسألة الأخرى، التي تتمثل بأن صلاحية التفويض الممنوح للأمم المتحدة لتنفيذ اتفاقية السويد 30 يوماً، لكنها تبدو وكأنها قابلة للتمديد إذا رأى مجلس الأمن حاجة لها.
والتقى محافظ الحديدة الدكتور الحسن طاهر في عدن أمس، رئيس اللجنة الأممية على وقف إطلاق النار وتنفيذ اتفاق السويد مع الحكومة اليمنية الجنرال الهولندي باتريك كومارت بعد وصوله على متن طائرة أممية في سياق مساعيه لتنفيذ مهمته الأممية.
وذكرت وكالة «سبأ» الحكومية أن المحافظ حسن الطاهر رحب برئيس اللجنة الأممية من أجل العمل على إحلال السلام في اليمن وإعادة الانتشار العسكري في محافظة الحديدة، مؤكداً «حرص الحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي على تحقيق السلام الدائم والعادل لكل أبناء الشعب اليمني رغم تعنت الانقلابين في الانصياع للحوار ومبادرات الأمم المتحدة القاضية بوقف الحرب».
وطالب المحافظ المجتمع الدولي بممارسة مزيد من الضغط على الانقلابين والانصياع للسلام والكف عما وصفه بـ«الممارسات غير الأخلاقية تجاه المواطنين على مستوى المحافظات اليمينة وفي مقدمتها مدينة الحديدة».
ونسبت الوكالة الحكومية لباتريك كومارت أنه «عبر عن شكره على تجاوب الحكومة الشرعية لمشاورات السويد والتي تهدف للوصول إلى تحقيق الأمن والاستقرار لليمن».
ويفترض أن ينتهي العمل من تنفيذ اتفاق السويد وإعادة نشر القوات خلال 21 يوماً من بدء سريان وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي الثلاثاء الماضي رغم الخروق المتكررة، التي تقول الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها إن الحوثيين مستمرون في ارتكابها بشكل يومي مقابل التزام القوات الشرعية.
وذكر مصدر حكومي لـ«الشرق الأوسط» في مدينة عدن أمس، أن الجنرال باتريك وصل على متن طائرة للأمم المتحدة، التقى ممثلين عن الحكومة قبل التوجه إلى الحديدة ومنها إلى صنعاء للقاء قيادات في الجماعة الحوثية في سياق مهمته الأممية الرامية إلى تنفيذ اتفاق السويد فيما يخص وقف إطلاق النار وانسحاب الميليشيات الحوثية من المدينة، وإعادة نشر القوات الحكومية.
ولم ترد أنباء تفصيلية عن أول موعد لعقد أول اجتماعات اللجنة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قال يوم الجمعة إنه يأمل أن ينتشر المراقبون الدوليون بقيادة كومارت في الحديدة بأسرع وقت ممكن، حيث ستتركز مهمتهم على مدينة وميناء الحديدة فقط، بحسب ما جاء على لسان المتحدث باسمه، استيفان دوغريك.
وأوضح دوغريك أن المراقبين «سيأتون من بعثات أممية منتشرة بالفعل في بلدان أخرى حول العالم، وبعضهم قد يكون من خلفية عسكرية» إلا أنهم بحسب قوله «سيرتدون زياً مدنياً مميزاً عليه شارة الأمم المتحدة وليس زياً عسكرياً». وأضاف: «لا ينبغي نسيان أننا أمام موقف أمني خطير ومعقد للغاية في اليمن، وسنقوم بنشر مراقبين إضافيين في الحديدة خلال الأيام القليلة المقبلة».
ويرجح العديد من المراقبين للشأن اليمني أن القرار الأممي الجديد 2451 جاء ليكون حافزاً دولياً من شأنه أن يمنح الصبغة القانونية على نتائج المشاورات اليمنية في السويد، بخاصة فيما يتعلق بإطلاق الأسرى والمعتقلين ووقف النار في الحديدة وإعادة نشر القوات بما يفضي في النهاية إلى إتاحة المجال أمام تدفق المساعدات الإنسانية وانسحاب الميليشيات الحوثية وخضوع الجوانب الإدارية والأمنية في الميناء والمدينة للسلطات المحلية بإشراف أممي.
- استمرار الخروقات الحوثية
قال التحالف الداعم للشرعية في بيان أمس إن الخروق الحوثية لوقف إطلاق النار بلغت 14 خرقاً خلال 24 ساعة، وشملت الرماية بكل أنواع الأسلحة كالصواريخ الباليستية، ومدافع الهاون، وقذائف الـ«آر بي جي»، وصواريخ الكاتيوشا.
وذكر التحالف أن الخروق الحوثية لوقف إطلاق النار في محافظة الحديدة طاولت مناطق، الدريهمي، والتحيتا، وحيس، والفازة، والجبلية، مؤكداً استمرار الجماعة في خروقها على الرغم من وصول رئيس لجنة إعادة الانتشار باتريك إلى اليمن للبدء في تنفيذ مهمته الأممية.
من ناحيته، قال المركز الإعلامي لألوية العمالقة إنه «في الوقت الذي تتمسك فيه قوات ألوية العمالقة بعدم إطلاق النار وفقاً للهدنة التي نصت عليها اتفاقية مفاوضات السويد برعاية الأمم، المتحدة تستمر جماعة الحوثي بالقصف وإطلاق القذائف على المواقع التي يتمركز فيها مقاتلو العمالقة في الحديدة، ومنذ دخول قرار إيقاف إطلاق النار حيز التنفيذ لم تلتزم به الميليشيات الحوثية وأقدمت على قصف المواقع العسكرية، ناهيك بقصف منازل المدنيين بمديريات محافظة الحديدة كافة، مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى في صفوف مقاتلي العمالقة الذين تعاطوا بإيجابية مع قرار وقف إطلاق النار ولم يقوموا بأي اشتباكات».
- ثبات المرجعيات
رحبت الحكومة اليمنية بالقرار بعد ساعات من صدوره، وذكرت في بيان رسمي أن القرار «جدد تأكيد المجتمع الدولي على وحدة وسيادة اليمن وسلامة أراضيه، وشدد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل استناداً إلى المرجعيات الثلاث المتفق عليها المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرار 2216».
ورحبت الشرعية «بالدعوة إلى الالتزام باتفاق ستوكهولم وفقاً للجداول الزمنية المحددة له بما في ذلك انسحاب ميليشيا الحوثي من مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى وتنفيذ آلية اتفاق تبادل الأسرى وما ورد في إعلان تفاهمات مدينة تعز».
وفي حين أكدت الحكومة التزامها بكل ما ورد في اتفاق استوكهولم، «دعت المجتمع الدولي إلى مراقبة الخروق التي يرتكبها الطرف الانقلابي في محاولة لعرقلة ما تم الاتفاق عليه».
في السياق نفسه، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في تغريدات على «تويتر» إن تأكيد القرار الدولي على المرجعيات الثلاث ممثلة بالقرار 2216 والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، حسم الجدل حول تفسير اتفاق السويد بخصوص وضع مدينة وميناء الحديدة بعد انسحاب الميليشيات الحوثية وقطع الطريق أمام مراوغة قادتها ومساعيهم الالتفاف على الاتفاق.
وأضاف: «النص الوارد في اتفاق استوكهولم بخصوص وقوع مسؤولية أمن محافظة الحديدة وموانئها على عاتق محافظ المحافظة وفقاً للقانون اليمني، يستند على القرار الأممي 2216 الذي أكد على تأييد شرعية الرئيس هادي والفقرة (د) من ذات القرار وغيرها من القرارات والبيانات الدولية التي تتفق مع نصوص الدستور اليمني».
مندوب دولة الكويت في مجلس الأمن السفير منصور العتيبي، رحب من جهته باعتماد مجلس الأمن بالإجماع للقرار 2451 الخاص باليمن الذي يدعم اتفاق ستوكهولم، بما يفضي إلى استكمال الجهود نحو التوصل إلى حل سياسي مبني على المرجعيات الثلاث المتفق عليها.
وقال في كلمته أمام المجلس عقب التصويت على القرار: «إن تصويتنا لصالح القرار اليوم رغم عدم تلبيته لبعض الشواغل التي تم طرحها أثناء المفاوضات يأتي لعدة أسباب أبرزها الحفاظ على الوحدة التي يتمتع بها مجلس الأمن في الحالة في اليمن والذي نتطلع ونسعى لاستمرارها ونأمل بتعميمها على بقية الملفات المدرجة على جدول أعمال المجلس».
وأشار العتيبي إلى «أن دعم القرار يأتي انطلاقاً من الحرص على دعم جهود الأمين العام ومبعوثه الخاص ودعماً لاتفاق استوكهولم الذي تم التوصل إليه في جولة المشاورات الأخيرة التي استضافتها مشكورة حكومة مملكة السويد حول الحديدة وموانئها واتفاق تبادل الأسرى وإعلان التفاهم حول تعز».
وأعرب عن تمنياته بالتزام الأطراف بتنفيذها بشكل كامل وبما يفضي إلى استكمال الجهود التي يبذلها المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن مارتن غريفيث نحو عقد الجولة القادمة والتوصل إلى حل سياسي مبني على المرجعيات الثلاث المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرار 2216 بما يقود إلى إنهاء أمد الأزمة في اليمن ويحافظ على استقلاله وسيادته ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية».
ورحب العتيبي كذلك بعزم الأمين العام لعقد مؤتمر دولي لإعلان التبرعات لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019 وذلك في 26 فبراير (شباط) في جنيف، مؤكداً حرص دولة الكويت على المشاركة في ذلك المؤتمر استمراراً منها في دعم تحسين الأوضاع الإنسانية في اليمن وتخفيف معاناة شعبه.
كما نقلت وكالة الأنباء السعودية عن نائب المندوب الدائم لوفد المملكة لدى الأمم المتحدة الدكتور خالد منزلاوي في بيان للوفد الدائم أن القرار يؤكد جهود الدبلوماسية السعودية وتأثيرها المباشر في قرارات المجتمع الدولي. وعلى الرغم من أن الجماعة الحوثية قالت إن القرار لم يكن ملبياً لطموحها فإنها عبرت عن ترحيبها به، وقال المتحدث باسمها محمد عبد السلام في تغريدة على «تويتر» إن قرار مجلس الأمن الجديد الداعم (لاتفاق استوكهولم) خطوة إيجابية ومهمة (...) تمهيداً للحل السياسي الشامل».
إلى ذلك، اعتبر وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش في معرض ترحيب بلاده بالقرار الأممي الجديد أن اعتماده «يؤكد نجاح الضغط العسكري على الحوثيين وسيفقدهم هامش المناورة»، وقال في تغريدات على «تويتر»: «القرار يرسل رسالة قوية ويشكل خطوة مهمة نحو حل سياسي دائم في اليمن، وسيساعد على ضمان التمسك بوقف إطلاق النار وإعادة الانتشار».