وزارة البيئة تتحوّل من «محرقة» إلى مكاسب خدماتية

TT

وزارة البيئة تتحوّل من «محرقة» إلى مكاسب خدماتية

لم تعد وزارة البيئة في لبنان محرقة للقوى السياسية، كما حصل للقوى التي تولتها في السنوات الماضية، خصوصاً خلال أزمة النفايات التي شهدها لبنان قبل ثلاث سنوات، لا سيما العاصمة بيروت، عندما تحوّل وزير البيئة إلى «كبش فداء» وتحمّل وزر تقصير الدولة على مدى عقود طويلة، بل تحوّلت اليوم نقطة جذب تتسابق الأحزاب للفوز بها، من دون أن تفصح عن خلفيات الرغبة الجامحة في توليها، في وقت ربط معنيون بينها وبين صفقات تحضّر تحت وصايتها، ومنها شراء محارق للنفايات في بيروت وجبل لبنان، وما لها من مردود مالي ضخم، رغم التحذير من الآثار السلبية لتلك المحارق.
وتتعدد المقاربات حول شغف الساعين للاستئثار بوزارة البيئة، حيث رأى الخبير البيئي ويلسون رزق، أن «أسباباً كثيرة تدفع هذه القوى للتسابق إلى وزارة البيئة، قد تكون إحداها صفقات محارق النفايات، أكثر مما هي أسباب بيئية تعنى بصحة المواطن». وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المسؤولين مهتمون بمصالحهم الذاتيّة أكثر من اهتمامهم بالمصلحة العامة وبتبنّي مشروع بيئي صحيح يحترم القوانين البيئية، ويعنى بصحّة المواطن وبمستقبل البيئة في لبنان»، مستغرباً «السباق على هذه الوزارة علما بأن أياً من الفرقاء السياسيين لا يملك مشروعاً أو رؤية بيئية قادرة على تسويقها».
وشكّلت وزارة البيئة محلّ استقطاب التيّار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل، الذي يسعى لمقايضة وزارة الإعلام بوزارة البيئة، التي باتت من حصّة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لكنّ الأخير رفض بشكل قاطع هذه المقايضة، وأبلغ الرئيس المكلّف سعد الحريري بأنه «لن يفرّط بما تمّ الاتفاق عليه حول حصّته منذ أشهر، وليس في وارد الدخول في بازار جديد».
ورغم التفسيرات التي تطلق حول الرغبة بمقايضة البيئة بوزارة أخرى، دعا عضو لجنة البيئة النيابية النائب عاصم عراجي، إلى «عدم إساءة الظنّ، واتهام البعض بصفقات مالية». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الصراع على وزارة البيئة مرتبط بأهميتها كوزارة خدماتية بامتياز، ويمكن لمن يتولاها أن يقدم خدمات لجمهوره وناخبيه». وقال عراجي وهو عضو كتلة «المستقبل» النيابية: «أغلب المشروعات باتت تحتاج إلى ترخيص من وزارة البيئة مثل إنشاء الفنادق والمطاعم والمنتجعات السياحية والمعامل، ودورها في كلّ المخططات التوجيهية، وهذا ما يجعلها مرغوبة من القوى السياسية بخلاف المرحلة السابقة».
ومع مرور أكثر من ثلاث سنوات على أزمة النفايات، لم تجد الدولة اللبنانية حلاً مستداماً لهذه الأزمة التي تطلّ برأسها من وقت لآخر، سوى الحلول المؤقتة، عبر مطامر النفايات المعتمدة في برج حمود (شرق بيروت) والكوستا برافا (جنوب بيروت)، لطمر نفايات العاصمة وبعض مناطق جبل لبنان، وتتجه بلدية بيروت لتوقيع عقود واتفاقات لبناء محرقة كبيرة في بيروت، لمعالجة هذه الأزمة وسط معارضة عدد من النواب ومؤسسات تعنى بالبيئة، باعتبار أن المحرقة تشكل خطراً كبيراً على الصحة العامة.
ويؤكد الخبير البيئي ويلسون رزق، أن «خيار المحارق يعدّ خطأ فادحاً، لأنها تشكل خطراً كبيراً على صحة الناس والبيئة»، معتبراً أن «خلفيات سياسية وربما مالية تقف وراء هذا المشروع». وشدد رزق على أن «الحل الوحيد والدائم يكمن بعملية فرز النفايات من المصدر (المنازل)، واعتماد أجهزة التفكك الحراري، القادرة على تحليل النفايات العضوية، وتحويلها إلى غاز أو رماد أو بقايا فحم يمكن توليد الطاقة الكهربائية منها».
وتسببت أزمة النفايات التي بدأت صيف عام 2015 بمشكلة كبيرة لوزير البيئة السابق محمد المشنوق، حيث عمد متظاهرون من الحراك الشعبي وحملة «طلعت ريحتكن» إلى محاصرة الوزارة، واقتحام مكتب الوزير ومحاصرته، ما استدعى تدخلاً سريعاً للقوى الأمنية التي أخرجت المعتصمين من المبنى، وأدى ذلك إلى إسناد أزمة النفايات إلى الوزير أكرم شهيّب، حيث جرى اعتماد طمرها مؤقتاً في مطمري برج حمود والكوستا برافا، لكن الحلّ المؤقت لا يزال سارياً حتى الآن.
وتحوّلت وزارة البيئة إلى شريكة لوزارات عدّة منها الصحة العامة والداخلية والأشغال العامة، في كثير من الملفات، لا سيما تلك المتعلّقة بالمرامل والكسارات وشقّ الطرق، ودورها في دراسة الأثر البيئي لكثير من المشروعات، التي لا تدخل حيّز التنفيذ ما لم تحمل توقيع وزير البيئة إلى جانب الوزير المختصّ.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.