الأدب الروسي الساخر... إدانة «ثورة» حولت الشعب إلى «نماذج مثيرة للشفقة»

زوشينكو حكواتي روسيا وإردمان مسرحيّها ضاعا في معسكرات العمل

غلاف «قصص مختارة»  -  القاص الروسي ميخائيل زوشينكو -  الكاتب المسرحي الروسي نيكولاي إردمان  -  غلاف مسرحية «المنتحر»
غلاف «قصص مختارة» - القاص الروسي ميخائيل زوشينكو - الكاتب المسرحي الروسي نيكولاي إردمان - غلاف مسرحية «المنتحر»
TT

الأدب الروسي الساخر... إدانة «ثورة» حولت الشعب إلى «نماذج مثيرة للشفقة»

غلاف «قصص مختارة»  -  القاص الروسي ميخائيل زوشينكو -  الكاتب المسرحي الروسي نيكولاي إردمان  -  غلاف مسرحية «المنتحر»
غلاف «قصص مختارة» - القاص الروسي ميخائيل زوشينكو - الكاتب المسرحي الروسي نيكولاي إردمان - غلاف مسرحية «المنتحر»

في أوائل عام 1922، صدرت المجموعة القصصية الأولى لميخائيل زوشينكو، فضج الناس بالضحك، وضج قبلهم المنضدون وهم يجمعون أحرف القصص لكاتب ناشئ. وفي عام 1928، كتب تيكولاي إردمان مسرحية «المنتحر»، المغرقة في سخريتها من وضع الإنسان في مجتمعات الاتحاد السوفياتي، التي قادها البلاشفة الذين أسقطوا سلطة القيصر بطرس وعائلته (دموياً) في عام 1917. فلم تنشر المسرحية في كتاب، ولم يسمح بعرضها آنذاك، لأن ستالين لم يرضَ عنها. أكثر من سمة تجمع بين المجموعة القصصية والمسرحية، من ذلك أنهما صدرتا في الكويت مؤخراً: الأولى عن سلسلة «إبداعات عالمية»، والثانية عن سلسلة «المسرح العالمي».
إنه أسلوب السخرية والتهكم الذي لا يحتمله نظام استبدادي يطالب «المواطن» بأن يخضع من دون نقاش لكل ما يصدره الحزب وأجهزته الأمنية. وتسمية «مواطن» تتردد في الكتابين، تخاطب الشخصيات بعضها به، في تعبير لم يمنح أصحابه صفة «المواطنية» الحقة، تماماً كما يتكرر مصطلح «روسيا الأم» في كتابات الأدباء الروس الذين فوجئوا بعد الثورة بالأم تتمدد لتضم عدداً من الجمهوريات، بحيث توزعت أمومة دولة الحزب الواحد، تشدداً وعنفاً، على شعوب الدولة المتضخمة.
نفدت المجموعة القصصية الأولى لزوشينكو من السوق خلال عدة أيام، ثم أخذت دور النشر والمجلات تتسابق على نشر قصص هذا الكاتب الشاب، المولود عام 1894. ولن يعد الأمر غريباً إن نجحت المجموعة القصصية هذه في الأوقات العادية، لكن قصص هذا الكاتب الروسي ظهرت في سنوات تلت الثورة البلشفية التي أسقطت القيصر بطرس وعائلته (دموياً)، لتروي في شكل ساخر شكل الحياة في تلك الفترة، من خلال حكايات الروس الذين وجدوا أنفسهم فجأة محكومين بشعارات كثيرة فرضها من قاموا بالثورة البلشفية التي تحدثت عن تحريرهم من حكم القيصر، لكنها في الحقيقة حولتهم إلى نماذج بشرية مثيرة للشفقة. وما كان يحتاجه هؤلاء أن تروى مصائرهم الصادمة على لسان حكواتي ساخر، فهذا أفضل أشكال المقاومة المتاحة آنذاك.
جلبت هذه السمعة في بلد محكوم بالحديد الشهرة للكاتب في أعوام العشرينات والثلاثينات، وأصبح من أشهر الأصوات الأدبية آنذاك، وترجمت أعماله إلى اللغات الأخرى. وكانت قصته «فكتوريا كازيميروفنا»، التي ترجمتها مجلة «القرص الأحمر» البلجيكية، أول عمل أدبي سوفياتي ينشر في الغرب بعد ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917.
غير أن الشهرة من الكتابة اللاذعة لم تمضِ على خير مع زوشينكو. ففي عام 1935، نشر هجائية بعنوان «الكتاب السماوي»، اعتبرها النقاد الرسميون خروجاً عن إطار الهجاء الإيجابي، الأمر الذي جعل السلطات تفرض الحظر على نشر كتبه في الاتحاد السوفياتي، وتجرده من عضوية اتحاد الكتاب السوفيات، ويحرم من التقاعد. وكان معروفاً عن زوشينكو أنه مصاب بالاكتئاب، وأنه يحاول أن يتعالج منه أغلب الوقت، بيد أنه من غير الواضح ما إذا كانت كآبته مرضية أم أنها حدثت لأسباب ظرفية لها علاقة بالقيود المفروضة عليه، ما يطرح سؤالاً مشروعاً من مترجم المجموعة القصصية إلى العربية، يوسف نبيل بساليوس: «كيف يمكن لمكتئب أن يجعل القارئ يضج من فرط الضحك؟».
لقد قادت تلك الظروف القاسية الكاتب الساخر إلى تدهور سريع في صحته، فتوفي في عام 1958، بعد سكتة قلبية دفن على أثرها قرب ليننغراد (بطرسبرغ حالياً).
أما نيكولاي إردمان، مؤلف مسرحية «المنتحر»، فقد ولد لوالدين من أصول ألمانية، وعائلة مشغولة بالفن. تربى في موسكو، وفارق الحياة في أغسطس (آب) 1970. كتب الشعر في البداية، لكن قصيدة «صورة ذاتية»، التي يرجع تاريخها إلى عام 1922، تعتبر أطول أعماله الشعرية. وفي عام 1924، تصرف إردمان كـ«شاهد للدفاع» في عملية متخيلة، كما قام بتأليف عدد من المحاكمات الساخرة التي تتسم بالحدة والمبالغة في التشخيص. واعتبر النقاد أعماله الدرامية حلقة وصل في تاريخ المسرح الروسي بين الدراما الساخرة التي أبدعها كاتب روسيا الكبير نيكولاي غوغول ومسرح ما بعد الحرب العالمية الثانية. وشكل عمل الكاتب إردمان في عام 1924 مع المخرج الروسي الألماني الأصل مارهولد، المتميز بمدرسته الخاصة، في مسرحيته «الوصاية»، إنجازه الأول الذي تمكن فيه بمهارة من استغلال موضوع الزواج المقوّض في تقديم عمل درامي مفعم بالعبثية المأساوية، بنهايتها التراجيدية التي كشفت عن الخسارة الكارثية للهوية.
تحكي مسرحية «المنتحر» بسخرية لاذعة رغبة مواطن في الاتحاد السوفياتي بالانتحار، لأنه لا يعمل، ويعتمد على زوجته وأمها في الإنفاق عليه وعلى البيت، لذا يواجه الإهانة عندما يرغب في بعض النقانق ليلاً بسبب الجوع، فتعنفه زوجته التي لا يقدر تعبها وتضحيتها.
يفضح النص المسرحي حالات الانتهازية (بأنواعها: حزبية، ودينية، واجتماعية) التي استغلت عزم «مواطن» على الانتحار نظراً لظروفه المعيشية الصعبة. فبرزت جهات كثيرة مستفيدة من الموقف المأساوي، مطالبة إياه بأن يكتب بياناً يبين فيه سببه انتحاره، لتستثمر الموقف لصالحها، أو ضد جهة أخرى. وفي ملهاة تبحر في فانتازيتها بعيداً عن المنطق الواقعي، يوظف انتهازيون من كل الأطراف طاقتهم لإقناعه بالمضي في الانتحار، إلى حد أنهم، أمام تردده، يمضون بمسيرة الجنازة في صخبٍ عالٍ غطى حتى على احتجاجات زوجته ووالدتها، من أن الزوج لم يمت، وهو حي! غير أن كل المنتفعين من انتحاره مصرون على أنه مات انتحاراً.
وفي عام 1937، تم القبض على الكاتب الروسي نيكولاي إردمان بسبب «تقديمه سرداً فنياً دافع فيه عن حقوق البورجوازية الصغيرة في الوجود والاحتجاج ضد ديكتاتورية البروليتاريا». واعتبر عدد من رواد المسرح آنذاك أن المسرحية تمثل هجوماً واضحاً على خط الحزب الشيوعي. وتم الحكم على أعمال إردمان بأن تظل ممنوعة من النشر والعرض على المسرح لعدة عقود، وبقي عشرين عاماً منفياً في معسكرات العمل حتى عام 1956، منسياً من الأم روسيا. إلا أنه اشتغل لاحقاً في مجال الرسوم المتحركة، ومعداً درامياً لروايات ديستويفسكي، وبقي في الظل حتى وفاته عام 1970.
مسرحية «المنتحر» ترجمها محمد صالح، وصدرت مؤخرا عن سلسلة «المسرح العالمي» في الكويت، بتقديم ودراسة نقدية من د. أسامة أبو طالب.



ليست المهارات التقنية فقط... ماذا يحتاج الموظفون للتميز بسوق العمل؟

موظفون يعملون في مركز التوزيع والخدمات اللوجيستية لشركة «أمازون» في ألمانيا (إ.ب.أ)
موظفون يعملون في مركز التوزيع والخدمات اللوجيستية لشركة «أمازون» في ألمانيا (إ.ب.أ)
TT

ليست المهارات التقنية فقط... ماذا يحتاج الموظفون للتميز بسوق العمل؟

موظفون يعملون في مركز التوزيع والخدمات اللوجيستية لشركة «أمازون» في ألمانيا (إ.ب.أ)
موظفون يعملون في مركز التوزيع والخدمات اللوجيستية لشركة «أمازون» في ألمانيا (إ.ب.أ)

إذا كان هناك شيء واحد يعرفه تيري بيتزولد عن كيفية التميُّز في سوق العمل والحصول على وظيفة، فهو أن المهارات التقنية ليست الخبرات الأساسية الوحيدة التي يجب التمتع بها كما يعتقد البعض.

يتمتع بيتزولد بخبرة 25 عاماً في التوظيف، وهو حالياً شريك إداري في «Fox Search Group»، وهي شركة توظيف تنفيذية لقادة التكنولوجيا.

ويقول لشبكة «سي إن بي سي»: «خذ التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال. قبل عامين ونصف العام فقط، كان الجميع يقولون: (نحن بحاجة إلى توظيف مبرمجين)... بعد أقل من ستة أشهر، ظهر (تشات جي بي تي)، والآن لم تعد البرمجة هي المستقبل».

من المؤكد أن امتلاك مهارات رقمية محدثة أمر مهم للعاملين في جميع الصناعات، كما يقول بيتزولد، ويشرح: «إذا كنت تعمل في مجال التسويق، أو داخل مستودع، فأنت بحاجة إلى فهم التكنولوجيا».

ولكن لأن الشركات قادرة على تدريب العاملين على تعلم تطوير التكنولوجيا لخدمة أعمالهم، يشير الخبير إلى أن القادة مهتمون أكثر بتوظيف أشخاص لديهم مجموعة مختلفة من المهارات.

ويوضح «سأخبرك أين المستقبل. إنه ليس بالضرورة في مجال التكنولوجيا. إنه في المهارات الناعمة... في الذكاء العاطفي، وهذا ما نلاحظ أنه مستقبل المواهب».

المهارات الناعمة التي تبحث عنها الشركات

الذكاء العاطفي، أو «EQ»، هو القدرة على إدارة مشاعرك ومشاعر مَن حولك، مما قد يجعلك أفضل في بناء العلاقات والقيادة في مكان العمل.

بالنسبة لبيتزولد، فإنَّ المرشحين للوظائف ذوي المهارات التقنية الرائعة ينجحون حقاً عندما يتمكَّنون من إظهار ذكاء عاطفي مرتفع.

من الجيد أن تكون متخصصاً في مجال محدد، مثل البيانات أو الأمان أو البنية الأساسية أو حلول المؤسسات، على سبيل المثال، «لكن أولئك الذين يتمتعون بذكاء عاطفي قوي وتلك المهارات الناعمة ومهارات العمل... هؤلاء هم القادة المهنيون في المستقبل»، كما يؤكد الخبير.

من خلال توظيف المهنيين ذوي الذكاء العاطفي المرتفع، يقول بيتزولد إن الشركات تبحث حقاً عن أشخاص يمكنهم القيام بأشياء حاسمة مثل:

التعامل مع الملاحظات البنّاءة وتقديمها.

إدارة الصراع.

إجراء محادثات حاسمة بإلحاح.

العمل عبر الوظائف من خلال إقناع الأقران والقادة الآخرين.

تقديم الأفكار بفاعلية للقادة الأعلى منهم.

يشرح بيتزولد: «إن مهارات الذكاء العاطفي العامة التي نلاحظها لها علاقة حقاً بالتواصل مع الآخرين والقدرة على التغلب على التحديات».

ويضيف أن بعض الشركات أصبحت أفضل في مساعدة القادة على تطوير مهارات الذكاء العاطفي الأقوى، خصوصاً فيما يتعلق بالإدارة الفعالة، والتغلب على التحديات أو الصراعات.

ويؤكد الخبير أن أصحاب العمل الجيدين يمكنهم تطوير عمالهم بشكل أكبر من خلال تقديم برامج الإرشاد وتسهيل التواصل، حتى يتمكَّن الناس من رؤية نماذج القيادة الجيدة والذكاء العاطفي العالي.