ليبيا تفتح ملف أطفال «داعش» الأجانب... وتسلم 12 منهم إلى مصر

تونس تنتظر 39 من أبنائها بعد عامين على دحر التنظيم المتشدد في سرت

TT

ليبيا تفتح ملف أطفال «داعش» الأجانب... وتسلم 12 منهم إلى مصر

فتحت السلطات الليبية ملف أطفال «داعش»، الذين فقدوا آباءهم خلال المعارك الطاحنة التي خاضتها قوات الجيش لدحر فلول التنظيم في مدينة سرت، وسلمت إلى نظيرتها المصرية 12 منهم، ينحدرون لمسلحين كانوا يقاتلون مع التنظيم، وذلك في بادرة تعد الثانية من نوعها، بعد تسلّم السودان تسعة أطفال آخرين العام الماضي، فيما لا يزال مصير 39 تونسياً غامضاً.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان، مساء أول من أمس، إنها سهّلت إعادة 12 طفلاً غير مصحوبين بذويهم من مدينة مصراتة الليبية (غرب البلاد) إلى العاصمة المصرية القاهرة، بتنسيق مع السلطات في البلدين، وبدعمٍ من جمعيات الهلال الأحمر الليبي والمصري، والصليب الأحمر في مالطا. لكن اللجنة الدولية تكتمت على التفاصيل المتعلقة بأُسر الأطفال، وقالت إنها «لا ترغب في الإفصاح عن مزيد من التفاصيل، وتدعو لاحترام خصوصية هؤلاء الصغار وعائلاتهم».
وعُثر على هؤلاء الأطفال من أعمار مختلفة، مع آخرين أثناء المعارك، التي خاضتها قوات عملية «البنيان المرصوص»، التابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، في سرت قبل عامين، ضد مسلحي التنظيم، وتم نقلهم إلى مقر الهلال الأحمر الليبي في مدينة مصراتة.
ولا يعرف على وجه الدقة عدد المقاتلين المصريين، الذين انخرطوا في صفوف «داعش» في ليبيا، لكن تقارير غير رسمية تشير إلى أن عددهم يقدر بالعشرات، مقارنة بجنسيات أخرى أكثر عدداً، بعضهم انضم إلى التنظيم في سرت، والبعض الآخر في درنة، مثل هشام عشماوي، الذي قُبض عليه في حي المغار، ويخضع للتحقيق أمام الاستخبارات العسكرية الليبية، التابعة للقيادة العامة، بالإضافة إلى توقيف زوجة الإرهابي عمر رفاعي سرور، والتحفظ على ابنتيها الصغيرتين.
وحرصت السلطات الليبية على عدم الربط بين هؤلاء الأطفال وأُسرهم، الذين قتلوا في المعارك، وأجرت لهم عملية تأهيل صحي ونفسي منذ العثور عليهم نهاية عام 2016، قصد دمجهم في المجتمع من جديد، بعيداً عن أفكار ذويهم المتطرفة.
وظلت قضية أطفال مسلحي تنظيم داعش تراوح مكانها نظراً لعدم وجود سلطة موحدة، تساعد على الوصول إليهم، فضلاً عن ضرورة إخضاعهم لتحاليل جينية لمساعدة بلادهم على التعرف إليهم بشكل صحيح.
وفور الإعلان عن تسلم مصر 12 طفلاً، دعت «جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج» جميع العائلات، التي لديها أطفال ونساء وشباب في ليبيا، للتواصل معها. وتُقدر أعداد القُصر منهم قرابة 39 طفلاً، بعضهم محتجز في مصراتة، والبعض الآخر في مؤسسة الإصلاح والتأهيل.
وقال مصدر رسمي في حكومة الوفاق الوطني إن «هؤلاء الأطفال يشكلون عبئاً على الدولة الليبية المثقلة بالأزمات... وفي أكثر من مناسبة دعت الدول التي ينتمي إليها هؤلاء الأطفال لتسلمهم. لكن دون استجابة».
ورفض المصدر، الذي تحفظ على ذكر اسمه، في حديث إلى «الشرق الأوسط» التطرق إلى مصير الأطفال التونسيين، وقال «إنهم يوجدون في ثلاثة أماكن بالبلاد»، لكنه استدرك قائلا: «نحن نرحب بتسليمهم إلى بلدهم بالتنسيق مع البعثة الأممية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر».
وسبق أن أعلن وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي أنه بحث تسوية ملفات العالقين والمحتجزين التونسيين، وخاصة الأطفال من أبناء عناصر «داعش». لكن دون إحراز تقدم ملحوظ، وهو ما عرضه لانتقادات برلمانية في بلاده.
ونسبت وسائل إعلام محلية للجهيناوي أنه حمّل السلطة الحاكمة في ليبيا عدم التجاوب معه في ملف عودة أطفال «داعش». لكن حكومة الوفاق المعترف بها دولياً تقول «إنها لا تمانع في تسليمهم».
وكانت السلطات السودانية قد تسلمت ثمانية أطفال، ينتمي آباؤهم وأمهاتهم إلى «داعش» في ليبيا، ووصل الأطفال الثمانية الذين تتراوح أعمارهم بين سنة و9 سنوات في طائرة قادمة من العاصمة طرابلس إلى مطار الخرطوم، في فبراير (شباط) ويونيو (حزيران) عام 2017، فيما لا يزال أمهاتهم معتقلات لدى السلطات الليبية، وآباؤهم مفقودين.
وفي شأن ذي صلة، لا تزال جثث قرابة 700 عنصر من «داعش» محفوظة في ثلاجات الموتى في مدينة مصراتة، منذ توقف المعارك في عدة مدن، وتشير تقارير حقوقية إلى أن غالبيتهم من تونس.
وتقول السلطات الليبية إنه لا توجد استجابة من غالبية الدول، التي ينتمي إليها هؤلاء القتلى. لكن الجهات القائمة المعنية بتلك الثلاجات وثقت حالة كل جثة، واحتفظت بعينات من الحمض النووي(DNA) لتسهيل التعرف على الضحايا.


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».