فنان مصري يسعى إلى نقل مركز صناعة الخيام من القاهرة لشمال الصعيد

يدرب عشرات السيدات على تعلم الحرفة العتيقة بقريته

الفنان المصري عزام
الفنان المصري عزام
TT

فنان مصري يسعى إلى نقل مركز صناعة الخيام من القاهرة لشمال الصعيد

الفنان المصري عزام
الفنان المصري عزام

مثل معظم أبناء قرى ريف مصر، ظل عزام محمد فراج يقضي فترة إجازته الصيفية في العمل في القاهرة، بحثاً عن المال الذي يساعده في شراء بعض ما يحتاج إليه من ملابس ومستلزمات مدرسية أثناء السنة الدراسية، وقضى عزام سبع سنوات مواظباً على رحلة سنوية إلى منطقة الدرب الأحمر في قلب القاهرة الفاطمية، يتعلم مهنة الخيامية، ويعود في نهايتها محملاً بما ادخره من نقود، وما استزاد به من فنون الرسم بالقماش على القماش. لم يكن يتجاوز عمره 15 سنة حينئذ، حين استقر به الحال لأول مرة في ورشة السيد إبراهيم، وأشرف هاشم، وهما من أشهر شيوخ الصنعة، هناك في شارع الخيامية الشهير، تولى الاثنان تعليمه ورعايته حتى أتقن المهنة، وصار بعد سنوات قليلة فناناً ماهراً، وزاد أجره من جنيهات قليلة، إلى 300 جنيه شهريا (الدولار الأميركي يعادل 17.8 جنيه مصري).
وقال عزام لـ«الشرق الأوسط»: «بعد إتقاني مهارات صناعة الخيامية، ومعرفة خاماتها وأماكن شرائها، دخلت في مرحلة تصميم أشكال جديدة من منتجاتها، كان همي أن تخرج القطع التي أقدمها من إطارها التقليدي الذي يسيطر عليها إلى عالم أكثر رحابة، وقمت بتحويلها إلى لوحات فنية يمكن استخدامها لتجميل المنازل ومكاتب رجال الأعمال من محبي التراث القديم، حيث استخدمت تيمات العصافير والطيور وفروع الأشجار والزهور بما فيها زهرة اللوتس في تشكيل القماش، وهو ما أعطى المنتجات طابعاً فرعونياً، ثم قمت بعمل لوحات تجسد حركات راقصي المولوية، يمكن استخدامها في تجميل البيوت، وإضفاء طابع من الجمال عليها».
تعلم عزام كثيرا من أسرار المهنة، ثم قام بإنشاء ورشة داخل منزله في قرية دهروط التابعة لمدينة مغاغة، بالمنيا، (جنوب القاهرة) هناك بدأت مرحلة جديدة من حياته، حيث أنشأ مركزاً جديداً لصناعة الخيامية في بلدته الصغيرة، يتوازى مع مركزها الكبير بالقرب من باب زويلة. صار عزام بما يقوم به من نشر لصناعة الخيامية في ربوع قرى كثيرة واحداً من حُرَّاس مهنة مصرية تراثية وتاريخية.
وكان جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر أعلن في مارس (آذار) الماضي، عن تنفيذ دورات تدريبية على الحرف اليدوية بمحافظة المنيا، (شمال الصعيد) بالتعاون مع جمعية سيدات الأعمال بالمنيا واستفاد منها 200 فتاة وسيدة، تم تدريبهن على فنون صناعة الخيامية باعتبارها واحدة من المنتجات النادرة التي تلقى إقبالا شديدا داخل وخارج مصر.
وبدأ عزام ضمن البرنامج في تدريب الفتيات من سن 16 عاما، فضلا عن طالبات الجامعة، لإنشاء أكثر من بؤرة لتعلم الحرفة الوليدة في المحافظة، وقد ساعدته زوجته التي أتقنت الصناعة أيضاً في تدريب كثير من النساء، ما أدى لانتشارها في قرى مجاورة.



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.