تواصل احتجاجات الخبز في السودان... والسلطات تحجب مواقع التواصل الاجتماعي

إغلاق مدارس الخرطوم والمتظاهرون الغاضبون يحرقون رئاسة حكومة ولاية النيل الأبيض

حرائق إثر احتجاجات في مدينة عطبرة بشمال السودان (رويترز)
حرائق إثر احتجاجات في مدينة عطبرة بشمال السودان (رويترز)
TT

تواصل احتجاجات الخبز في السودان... والسلطات تحجب مواقع التواصل الاجتماعي

حرائق إثر احتجاجات في مدينة عطبرة بشمال السودان (رويترز)
حرائق إثر احتجاجات في مدينة عطبرة بشمال السودان (رويترز)

تواصلت احتجاجات السودانيين من أجل الخبز والحرية اليوم الجمعة، وامتدت إلى مدن جديدة، وأحرق المتظاهرون الغاضبون في مدينة «ربك» جنوب البلاد عددا من المرافق الحكومية ومقر الحزب الحاكم، فيما اندلعت احتجاجات عنيفة في مدينة «الأبيض» غرب البلاد، ومدينة كوستي جنوب، فيما تواصلت الاحتجاجات في الخرطوم وعطبرة والقضارف وبورتسودان، ونقلت معلومات شهود مقتل أحد المحتجين في عطبرة. وأعلنت سلطات التعليم في الخرطوم إغلاق المدارس لأجل غير مسمى، وحجبت هيئة الاتصالات وسائط التواصل الاجتماعي من البلاد.
وقال شاهد عيان للصحيفة من مدينة «ربك» حاضرة ولاية النيل الأبيض – 300 كيلو جنوب الخرطوم - إن المدينة شهدت مظاهرات عنيفة، فشلت الشرطة في تفريقها بالغاز قبل أن تنسحب وتترك الشوارع والميادين للمحتجين، فيما تدخل الجيش وحال دون استخدام الرصاص ضد المتظاهرين.
وأوضح الشاهد أن المحتجين الغاضبين أحرقوا مقر حكومة الولاية، وديوان الزكاة، ومقر الحزب الحاكم، واشعلوا النيران في مناطق ومنشآت كثيرة من المدينة، وما تزال الاحتجاجات متواصلة في أنحاء وأحياء المدينة، فيما اشتعلت مظاهرات أخرى في «الجزيرة أبا» ومدينة كوستى القريبتين من «ربك»، لكن الشاهد لم يقدم إفادات حول الأوضاع في المنطقتين المجاوتين.
كما شهدت مدينة «الأبيض» حاضرة ولاية شمال كردفان وتبعد نحو 550 كيلومترا غرب الخرطوم مظاهرة كبيرة للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات. وبحسب شاهد عيان، فإن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع لكنها لم تفلح في تفريق المظاهرات التي نظمت على طريقة «الكر والفر»، فما أن تفرق الشرطة مظاهرة، تنشب مظاهرة بديلة في مكان أو شارع أو حي آخر، وبحسب الشاهد فإن بعض المتظاهرين أصيبوا بإصابات طفيفة، فيما اعتقلت السلطات عدد من النشطاء والسياسيين.
ونقل شاهد من مدينة عطبرة أن قوات الأمن قتلت مواطن في حي «الحصاية» في مدينة «عطبرة» شمالي البلاد التي أشعلت فتيل احتجاجات الخبز والحرية، وبحسب الشاهد فإن المدينة عن بكرة أبيها خرجت في مظاهرة لليوم الثالث على التوالي، وتجاهل المواطنون حالة الطوارئ المعلنة في المدينة، وأن المتظاهرين الآن يحاولون السيطرة على الميناء البري.
وفي الخرطوم، بعد أن فرقت الشرطة احتجاجات خرجت من المساجد عقب صلاة الجمعة، اندلعت احتجاجات أخرى في عدد من أحياء المدينة، وما يزال مواطنو أحياء الصحافة وجبرة بالخرطوم، والحاج يوسف وشمبات، بالخرطوم بحري يواصلون التظاهر، فيما سد عدد من المواطنين الطرق الرئيسية في منطقة «الحتانة» بأم درمان، وينتظر أن تشهد الخرطوم احتجاجات ليلية في الأحياء. وشهد حي الهجرة مظاهرة خرجت بعد صلاة الجمعة من مسجد الإمام عبد الرحمن، فيما فرقت الشرطة مظاهرة في شارع الأربعين بأم درمان، وأخرى في مناطق «الرملية، شارع الستين» بالخرطوم.
وتحسبت سلطات الأمن لهذه المظاهرات من وقت باكر، وحشدت أعدادا كبيرة من عربات مكافحة الشغب، والعربات نصف النقل وعليها رجال بثياب مدنية، وأفلحت هذه القوات في تفريق المظاهرات، فيما يتوقع أن تشهد أحياء الخرطوم مظاهرات ليلية.
من ناحيتها، أصدرت وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم قراراً بتعطيل الدراسة في جميع مدارس الولاية، بمختلف مراحلها عامة وخاصة، بما في ذلك رياض الأطفال، ابتداء من بعد غد الأحد إلى حين إشعار آخر، تحسباً لمشاركة التلاميذ في الاحتجاجات.
ولم ترد معلومات عن الأوضاع في مدينة «القضارف» شرقي البلاد، بعد الاحتجاجات العنيفة التي اشتعلت فيها يوم أمس، وقتل خلالها ستة أشخاص فيما جرح العشرات، لكن مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن احتجاجات في المدنية، واحتجاجات مدن دنقلا وبربر وبورتسودان التي شهدت مظاهرات عنيفة أمس وأول من أمس.
واندلعت احتجاجات الخبز والحرية الأربعاء الماضي، في مدينتي عطبرة وبورتسودان، شمال وشرق البلاد، وامتدت إلى مدن ومناطق أخرى من البلاد، احتجاجاً على ندرة وارتفاع أسعار الخبز، ثم تحولت لمظاهرات تطالب بتغيير النظام، وتحولت الهتافات من التنديد بالغلاء إلى المطالبة بإسقاط النظام من قبيل «طير طير يا بشير، الشعب يريد إسقاط النظام، وسلمية سلمية ضد الحرامية».
وبحسب التقارير غير الرسمية، فإن عدد القتلى بالرصاص في أنحاء البلاد بلغ عشرة أشخاص، ستة منهم في القضارف، واثنان في بربر، وواحد في منطقة العبيدية، إضافة لقتيل اليوم في عطبرة، وذلك رغم إعلان الحكومة أنها تعاملت بـ«شكل حضاري» مع الاحتجاجات ولم تقمعها باعتبار حق التظاهر السلمي مكفولا بالدستور، واتهمت من سمتهم بـ«المخربين» باستغلال الاحتجاجات وممارسة التخريب، وتعهدت بحسب الناطق باسم الحكومة بحسمهم.
رسمياً، أعلن الناطق باسم الحكومة وزير الإعلام بشارة جمعة أرور، في بيان نشرته الوكالة الرسمية (سونا)، أن قوات الأمن والشرطة تعاملت مع المحتجين بـ«صورة حضارية»، ولم تكبحها باعتبار أن حق التظاهر مكفول بالدستور، وأن حكومته تعترف الأزمة وتعمل على معالجتها. وقال أرور في بيان اليوم الجمعة، إن المظاهرات السلمية انحرفت عن مسارها، وتحولت بفعل من أطلق عليهم «المندسين»، إلى «نشاط تخريبي استهدف المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة بالحرق والتدمير ومهاجمة وحرق بعض مقار الشرطة».
وهدد أرور بعدم التسامح مع ما أطلق عليه في البيان «التخريب والاعتداء على الممتلكات وإثارة الذعر والفوضى العامة، واعتبرها مرفوضة ومستهجنة ومخالفة للقانون»، وقال: «الحكومة لن تتسامح مع ممارسات التخريب، ولن تتهاون في حسم أي فوضي أو انتهاك للقانون».
ومنذ مطلع العام الجاري، يواجه السودان أزمة اقتصادية حادة، أدت لندرة وارتفاع أسعار الخبز والدواء، وشح كبير في الوقود والمحروقات، وعجز المصارف عن تلبية احتياجات المواطنين من النقد لنقص كبير في السيولة والنقود.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».