رغم إعلان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن «إسرائيل تستطيع التعايش مع قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، سحب قواته من سوريا، وستتواصل العمل بشكل صارم جدا ضد المحاولات الإيرانية للتموضع فيها»، كشف وزير المخابرات في حكومته، يسرائيل كاتس، الخميس، أن القرار جاء مفاجئا «وعلمنا به قبل أيام قليلة». وقال إن نتنياهو اتصل مع ترمب وحاول إقناعه بتغيير قراره «لكن الرئيس الأميركي أصر على موقفه».
وفي الوقت ذاته خرجت وسائل الإعلام الإسرائيلية بسلسلة مقالات وتحليلات تهاجم قرار ترمب وتعتبره «بصقة في وجوهنا» وتؤكد أنه سيزيد من صعوبات النشاط الإسرائيلي في سوريا.
وكان نتنياهو قد تطرق للقرار الأميركي مرتين، أول من أمس وأمس. ففي تصريحات صحافية نشرت حالما أعلن ترمب قراره، قال إن الإدارة الأميركية أطلعته مسبقا على نيتها سحب القوات الأميركية من سوريا، وأنه «سنهتم بالحفاظ على أمن إسرائيل والدفاع عن أنفسنا من هذه الجبهة». وأضاف نتنياهو: «تحدثت أول من أمس مع الرئيس ترمب، وتحدثت بالأمس مع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو. وقيل لي إن الإدارة الأميركية تعتزم سحب قواتها من سوريا. وأوضحا أنه توجد لديهم طرق أخرى للتعبير عن تأثيرهم في هذه المنطقة. لكن هذا هو قرار أميركي. وسندرس جدوله الزمني، وشكل تنفيذه وتبعاته علينا بالطبع. وفي جميع الأحوال نحن سنهتم بالحفاظ على أمن إسرائيل والدفاع عن أنفسنا من هذه الجبهة».
وبدا واضحا أنه نتنياهو يشعر بخيبة من القرار، إذ كان أعلن خلال زيارته إلى موسكو، في يوليو (تموز) الماضي، أن «الموقف الإسرائيلي هو الاستماع إلى الموقف الأميركي، وحسبما أفهمه وحسبما قيل بصورة علنية، فإنها (الولايات المتحدة) لن تنسحب من سوريا قبل انسحاب إيران» منها.
وخلال لقائه مع رئيس قبرص، نيكوس أنستسياديس، ورئيس وزراء اليونان، ألكسيس تسيبراس، أمس، تحدث نتنياهو مجددا في الموضوع ووجه تهديدا مباشرا إلى إيران، بقوله إنه «سنواصل العمل بشكل صارم جدا ضد المحاولات الإيرانية للتموضع في سوريا. لن نخفف من وتيرة جهودنا بل سنعززها وأعلم أننا نقوم بذلك بدعم كامل من قبل الولايات المتحدة».
وكتب محرر الشؤون الأمنية في «معريب»، يوسي ملمان، أن القرار الأميركي يشكل ضربة لإسرائيل ولكل من يقف ضد التحالف الإيراني في المنطقة وانتصارا لإيران ولروسيا. واعتبرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أيضا القرار الأميركي «ضربة لإسرائيل، تأتي في توقيت سيئ جدا بالنسبة لها. فالعلاقات مع روسيا لم تعد إلى مسارها بعد إسقاط الطائرة الروسية، ورغم تهديدات أنفاق حزب الله، فإن الولايات المتحدة تواصل تسليح الجيش اللبناني، كما أنها ليست على استعداد لممارسة الضغط عليه».
وقال وزير الإسكان الإسرائيلي عضو الكابنيت (المجلس الوزاري الأمني المصغر)، يوآف غالانت، إنه «في أعقاب الانسحاب الأميركي يجب على إسرائيل أن تبذل جهودا أكبر من أجل وقف العاصفة الشيعية في الشرق الأوسط». وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهود باراك، إن ترمب يتخلى عن سوريا، وإيران تحتفل. مضيفا أن «ترمب لا يعمل لدى نتنياهو، ولا بوتين» وأن «إسرائيل هي المسؤولة لوحدها عن مستقبلها ومصيرها».
وقد وصفت «القناة الثانية» للتلفزيون الإسرائيلي قرار سحب القوات الأميركية بأنه يشكل «ضربة لإسرائيل وضربة لنتنياهو». وكتب المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن قرار ترمب يعتبر ذا أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لسوريا ودول الشرق الأوسط، وعلى معركة النفوذ بين واشنطن وموسكو. وذكر أن مسؤولين كبار في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قد تحدثوا، في الأسابيع الأخيرة، عن أهمية من الدرجة الأولى لبقاء القوات الأميركية هناك، حتى في ظل الضغوطات الروسية على إيران لتقليص عمليات نقل الأسلحة إلى حزب الله عن طريق سوريا. وبحسب هرئيل، فقد كان لنتنياهو، في السنتين الأخيرتين، مثالية كبيرة في الوصول إلى ترمب، وفي التأثير عليه أيضا. واعتبر أن جملة من القرارات التي اتخذها ترمب، مؤخرا، تبدو كأنها مطالب «الليكود. وأشار إلى أن إسرائيل اعتبرت وجود القوات الأميركية في التنف كورقة مساومة، بحيث لا تخرج منها إلا في إطار اتفاق يقضي برحيل القوات الإيرانية من سوريا. وفي حال تبين أن انسحاب القوات الأميركية ليس جزءا من اتفاق شامل مع روسيا، فإن ذلك سيبقي الهيمنة الروسية على سوريا».
وبالنسبة لإسرائيل، بحسب هرئيل، فإن لذلك معنيين: الأول هو عزلها كما كانت في السابق وانفرادها في الجهود لإبعاد الإيرانيين من سوريا، في ظل التوتر القائم مع روسيا منذ إسقاط الطائرة الروسية «إيليوشين 20» في سبتمبر (أيلول) الماضي؛ والثاني هو أن ترمب قد اتخذ قرارا يتعارض مع موقف نتنياهو.
وكتب المحلل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، شمعون شيفر، أن إعلان ترمب، الذي صرح قبل شهر أن الوجود الأميركي في الشرق الأوسط من أجل إسرائيل، يشير إلى تحول خطير في مكانة إسرائيل، وأن «هذا القرار المتسرع سيكون على حسابها». وبحسبه، فإن ترمب لم يتمكن من تصفية قائد «داعش»، أبو بكر البغدادي، كما أن القرار لا يتماشى مع ادعاءات نتنياهو بأن «ترمب الرئيس أكبر صديق لإسرائيل منذ أجيال»، وأن «قادة دوليين، مثل ترمب وبوتين، يرقصون على إيقاعاته». وكتب أن «بوتين هو الذي فرض قيودا على إمكانية دفاع إسرائيل عن نفسها في سوريا من التمركز الإيراني قرب الحدود، وترمب هو المسؤول عن التخلي عن إسرائيل مقابل العدوانية الإيرانية في المنطقة». وطالما أن «روسيا هي التي تقرر، وفي ظل عدم وجود ردع أميركي في سوريا، فمن يمنع حزب الله وإيران من تحويل الجولان إلى موقع أمامي». وبحسبه، فإن المظلة الاستراتيجية التي وفرتها الولايات المتحدة لإسرائيل تضعضعت، بعد أن كانت إسرائيل «تتمتع» بالقدرة على التلويح لـ«أعدائها» بأنه من الأفضل أن يأخذوا بالحسبان أن الولايات المتحدة إلى جانبها.
وكتب شيفر أيضا أن «قرار ترمب يدل على ضعف، وربما خيانة واشنطن لحلفائها، وأولهم الأكراد في سوريا، وأيضا إسرائيل تشعر بالقلق، حيث إن نتنياهو تجنب التدخل في الحرب في سوريا، واعتمد على الأميركيين في ضمان مصالح إسرائيل عندما تنتهي الحرب. ولكن يبدو الآن أن سوريا أصبحت بيد ألد أعدائها، دون أن يكترث أحد لمصالح إسرائيل».
من جهته كتب مراسل «هآرتس» في الولايات المتحدة، حيمي شاليف، أن الخطوة التي وصفها بـ«المتسرعة» لترمب هي بمثابة «بصقة في وجه إسرائيل». وقال إنه لو كان الرئيس باراك أوباما هو الذي يترأس الولايات المتحدة اليوم لقالوا عنه «جبان ومهزوم. يهرب وينسحب مهزوما. يطوي ذيله. يتخلى عن إسرائيل. يخون الأكراد ويغرز سكينا في ظهر معارضي الطاغية الأسد. يعزز قوة إيران. يمنح روسيا نصرا ساحقا. يلقي طوق النجاة لبقايا «داعش» ويشجع الإسلام الراديكالي. ولكن، ونظرا لأن ترمب هو الذي اتخذ القرار، فإن إسرائيل تتقبل ذلك بتفهم، وتحترم القرار».
نتنياهو متمسك بـ«عمل صارم لمنع تموضع إيران» في سوريا
فشل في إقناع ترمب بالتراجع عن الانسحاب... ومصادر إعلامية إسرائيلية تعتبره «بصقة في الوجه»
نتنياهو متمسك بـ«عمل صارم لمنع تموضع إيران» في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة