لبنان: انتعاش نسبي للبورصة مع قلق من مخاطر الوضع المالي

لبنان: انتعاش نسبي للبورصة مع قلق من مخاطر الوضع المالي
TT

لبنان: انتعاش نسبي للبورصة مع قلق من مخاطر الوضع المالي

لبنان: انتعاش نسبي للبورصة مع قلق من مخاطر الوضع المالي

تبدل اتجاه الأسواق المالية إيجابيا في بيروت منسجما مع تحسن الأجواء السياسية وقرب إعلان الحكومة الجديدة.
لكن التوجس يبقى طاغيا في الأوساط الاقتصادية والمالية، في انتظار خطوات جدية من الحكومة في التعامل مع عدد من الملفات الشائكة، وأهمها ما يتعلق بتفاقم عجز الموازنة المتوقع صعوده إلى 11 في المائة من الناتج المحلي.
ورصد مسؤولون في المصارف عودة فائدة الاقتراض بين البنوك «إنتربنك» إلى مستوياتها المعتادة التي تراوح بين 5 و15 في المائة، بعدما وصلت إلى 75 في المائة نهاية الأسبوع الماضي، وهدوء موجة الطلب على الدولار من قبل المدخرين.
وكانت الفترة الماضية شهدت تحويلات قوية للوفورات بالليرة اللبنانية لصالح العملات الأجنبية، فضلا عن الحاجات التجارية المعتادة، ما اضطر مصرف لبنان إلى التدخل في سوق الصرف بائعاً للدولار تلبية للحاجات التحويلية. ونجح جزئيا في الحد من ارتفاع مستويات الدولرة (الادخار بالدولار) بمعاونة المصارف التي قامت بالتحقق من منع المضاربات، إضافة إلى جذب المودعين بالفوائد المرتفعة للتوظيف بالليرة.
ولوحظ من خلال التداولات في بورصة بيروت أن الأسهم ذات الحساسية الخاصة تجاه الأوضاع الداخلية شهدت ارتفاعا ملحوظا في أسعارها. وبدا ذلك واضحا في العمليات على أسهم شركة سوليدير (أعمارية وسط بيروت)، والتي تستعيد عتبة 8 دولارات، مقلصة خسائرها الجسيمة بعد تدنيها إلى نحو 60 في المائة من قيمتها الدفترية البالغة 10 دولارات. ومن المرتقب أن يشمل الانتعاش سندات الدين الدولية وأسهم أكبر المصارف اللبنانية وسائر الأسهم المدرجة في البورصة بعد تكريس التوافق السياسي وانطلاق الحكومة الجديدة، بجانب التأثير الإيجابي المنتظر للإفصاح عن النتائج المالية للمؤسسات المدرجة عن العام الحالي.
وأكد محلل مالي لـ«الشرق الأوسط»، فضل عدم الإعلان عن هويته أن ردود الفعل الفورية في البورصة والسوق المالية لا تشكل مرتكزا يدفعنا للتفاؤل بشأن مسارات نمو الاقتصاد والدين العام وعجز الموازنة. فأغلب البيانات المحققة والمؤشرات المتوقعة تسير في اتجاه معاكس ومتخم بالمخاطر. وهذا ما يبرز في دينامية الدين العام البالغ نحو 85 مليار دولار، ويزيد بمتوسط 7 في المائة سنويا. ويقابله تباطؤ اقتصادي مع تسجيل نمو لا يتجاوز 1.5 في المائة. بينما يقدر أن يتجاوز عجز الموازنة العامة 6 مليارات دولار في العام المقبل، وذلك بسبب اتساع الفجوة بين النفقات العامة التي يرجح أن تزيد بنسبة 30 في المائة، بينما تتدنى نسبة نمو الواردات دون 5 في المائة».
ولفت إلى «أهمية تركيز الجهود الحكومية على معالجة بنية النظام المالي، وإعادة تصويبها بما يخفف من توجس المؤسسات المالية الدولية ووكالات التصنيف. حيث يحذر المراقبون من ضعف إمكانات المصارف في مواصلة سحب الودائع، وبالأخص منها الخارجية (الخاصة بغير المقيمين)، والتي تشكّل المصدر الأساسي لتمويل الخزينة، بالموازاة مع تضاؤل الخيارات المالية التي تدعم احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية».
وطبقا للتشخيص الموضوعي للمشكلات الحقيقية، يمكن بسهولة استنتاج المعالجات المطلوبة. وأول شروطها، بحسب المحلل، تعزيز الاستقرار الداخلي وإعادة انتظام مؤسسات الدولة كافة. مما يفتح الآفاق أمام معالجات موضعية تستهدف عكس دينامية الدين العام، وإعادة التوازن النسبي بين نمو النفقات وتحسين الإيرادات وبالتالي «فرملة» عجز الموازنة. وحتما ستصب هذه التوجهات في إعادة الزخم إلى الودائع في القطاع المصرفي، مع استثمار ميزات متوقعة لدخول لبنان مرحلة حفر واستكشاف أولى آبار النفط والغاز في المياه الإقليمية، وأيضا الاستفادة من قانون الشراكة.
وتتوقع الوكالة الدولية «موديز» أن تنمو الودائع بنسبة 3 في المائة في عام 2018. أي بما يوازي 5 مليارات دولار بدلاً من 6.5 مليارات دولار كانت متوقعة، وبذلك ستقل قيمة الودائع المتوقعة عن عجز الخزينة البالغ 6 مليارات دولار.
كما تشير موديز إلى انخفاض موجودات مصرف لبنان الصافية بالعملات الأجنبية، مما يزيد من درجة الهشاشة والمخاطر على الاستقرار المالي. وقد تراجع معدل كفاية الاحتياطات بالعملات الأجنبية إلى 13 شهراً من الاستيراد، فيما بلغت نسبة الاحتياطيات إلى الكتلة المالية بالليرة 65 في المائة.
وفي الاتجاه ذاته، تلفت وكالة «فيتش» في أحدث تقاريرها، والذي خفضت فيه نظرتها المستقبلية الخاصة بالديون اللبنانية الحكومية الطويلة الأجل من «مستقرة» إلى «سلبية»، إلى الضغوط الإضافية المتوقعة نتيجة ازدياد حاجات الدولة للاقتراض وتواصل ارتفاع أسعار الفوائد في الأسواق العالمية.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»