{بني مزاب} روّاد التجارة والتكافل في الجزائر

TT

{بني مزاب} روّاد التجارة والتكافل في الجزائر

المِزابيون أو بني مزاب، فرع من أمازيغ الجزائر، يعيشون في منطقة وادي مزاب (ولاية غرداية)، الواقعة على بعد 600 كم جنوب العاصمة الجزائرية. يتحدثون اللغة المِزابية (بكسر الميم بلا زيادة الياء)، وأصلها لغة زناتية، وكلتاهما (المِزابية والزناتية) مثل الشاوية والشلحية فرع من اللغة الأمازيغية. ويتحدثون أيضا الدارجة الجزائرية، وهي مزيج لغوي عربي فرنسي.
يشتهر بني مزاب بالتجارة، فتنتشر محالهم التجارية في كافة ولايات الجزائر، تتشابه تجارتهم، بـ«الخردوات»، وتشمل كل ما يخطر بالبال، نجد في محال المزابيين من المسمار والبرغي بكل الأنواع والمقاسات إلى أدوات التمديدات الصحية من حنفيات وأنابيب مختلفة المقاسات، النحاسي منها والبلاستيكي، ومواد البناء، وأصباغ الجدران، ومواد كهربائية من مصابيح مختلفة الأنواع والقوة، والمراوح ومجفف الشعر إلى أشرطة تمديد الكهرباء رفيعة وغلظة والأدوات الزراعية من المجرفة إلى المسحاة مرورا بالمذراة وغيرها، وحتى الغرابيل نجدها في محل المزابي، تسمى «صواور، مفردها صيّار» بعضها يُستخدم لتنقية القمح والشعير من الشوائب، وبعضها يستخدم في صنع «الكسكسي» لفرز المتوسط (الطعام) عن الخشن (البركوكس) وسلع أخرى. باختصار نادرا أن نسمع كلمة لا يوجد «مكانش» من تاجر مزابي، فكل ما يحتاجه الزبون موجود، وإن نفدت السلعة يحضرها للزبون من محل آخر، تلك الثقة بين المزابي والزبائن تشبه عقدا اجتماعيا كرّسته الأعراف جيلا بعد جيل.
في محال بني مزاب الباعة أغلبهم شباب، وبينهم صبية صغار يتعلمون أسلوب تجارة الأجداد، جميعهم في حركة دؤوبة لتلبية طلبات الزبائن، يعرضون عليهم ما لديهم من أنواع السلع مع شروحات عن الخصائص والميزات لكل نوع لتمكين الزبون من اختيار الأفضل.
منضدة الباعة في صدر المحل، وغالبا على شكل مربع مفتوح على باب الحانوت، وبجوار الباب سلع مربوطة بسلاسل وأقفال، تحسبا أن تسول نفس أحدٍ بالسوء ويسرق دون أن يراه المزابي المشغول مع الزبائن برضا خاطر وصدق كبير.
شعار المزابي «الصدق أساس التجارة لكسب ثقة الزبون حتى يعود للمحل» كما قال عمي موح (تصغير لاسم محمد)، «مايصحش نغش المشتري، لازم يثق فينا بش يولي خطرة أخرى ويشري».
عمي موح بلباسه المزابي، شروال مزموم بثنيات صغيرة متراصفة جنب بعضها البعض، فتعطي اتساعا للشروال حتى الركبتين، ويضيق من الركبتين حتى القدمين، كي لا يربكه أثناء مشيه بين سلع المحل المرصوصة على أرض وجوانب المحل.
يفتح المزابي محله قبل شروق الشمس، والعمال يستعدون لاستقبال الزبائن باحترام مألوف لديهم، وجوههم باشة، يعملون بلا كلل حتى منتصف النهار، وهي ساعة فرصة الغداء، وتمتد حتى الثانية والنصف زوالا، هذا موعد مقدس لا يتخلى عنه العمال المزابيون، يغلقون المحل، ويقضون فرصة الغداء بداخله. وبعد الراحة يفتحون المحل إلى السابعة والنصف مساء. خلال عملهم لا يمكن أن نرى عاملا جالسا على كرسي، فقط «المعلم» إن كان كبير السن، له الحق بالجلوس، وهو يدير العمل ويرشد الشباب العاملين.
تلك المعاملة اللطيفة للزبون من أخلاق التجارة المزابية، يستقبل المزابي زبونه بحفاوة باش الوجه تشعره بإنسانيته، ويعرض عليه سلعه كلها، ولا يتذمر من تقليبه لها، حتى إن كان ذلك من باب الفضول، ولا يميز بين الزبائن مهما تفاوتت مقاماتهم، فهو يبدأ دائماً بأول الداخلين، ثم الذي يليه، ولا يصدم زبونه بكلمة «ماكانش أو ماعنديش». لذا محال المزابيين تعرف إقبالا كبيرا من الزبائن.
عمي موح ابن الرابعة والسبعين عاما تحدث معنا عن مشواره التجاري: «رافقت والدي وجدي إلى الحانوت كان عمري سبع سنوات، كنت أذهب للحانوت بعد درس القرآن بالجامع لأتعلم القراءة والكتابة، وبعدما تعلمت القراءة والكتابة والحساب أصبحت أحد عمال المحل، الذي كان يديره جدي، كان عمري تقريبا عشر سنين، كنت بعمر رشيد ولْد ولدي»، وأشار إلى حفيده رشيد، وأضاف: «مش سهلة التجارة، تحتاج رقة بالكلام، وجهك يكون فرحان، وتهتم بالزبون».
تتميز الشخصية المزابية بالهدوء وسعة الصدر، يندر رؤية مزابي يتشاجر مع شخص آخر، أو يقول كلاما غير لائق، أو يلبس لباساً غير اللباس التقليدي لبني مزاب، وهو الشروال وفوقه صدرية خاصة، ويعتمر قلنسوة بيضاء.
لا يوجد في المجتمع المزابي فقير أو عاطل عن العمل، لأن نظاما اجتماعيا لدى بني مزاب يقوم على التكافل، يسيره ما يسمى «مجالس العزابة» يتكون من الوجهاء، يشرف على تسيير الحياة العامة للسكان، يوفرون العمل للشباب بالتجارة، ويولمون ولائم جماعية بالمناسبات، وينظمون الأعراس الجماعية لتخفيض تكاليف العرس، ويحددون المهور، ويساعدون في تكاليف الزواج للشباب، لذا لا توجد عندهم عنوسة. ويمول «مجلس العزابة» تبرعات المبسورين، ولا يتأخر مزابي عن دفع ما عليه من مال.
تاريخ بني مزاب – حسب الدراسات التاريخية - يعود إلى ألف عام، لهم طرازهم العمراني الخاص، صنفته اليونيسكو من التراث العالمي. منازل بني مزاب مغلقة على الخارج، مفتوحة على صحن الدار، يُفتح باب الدار على رواق يفصل المنزل عن الشارع، فلا يمكن رؤية صحن الدار من الباب الخارجي، هذه المنازل تشبه القلاع تسمى «قصور»، مبنية من الطوب، فتتماهى مع المكان بلون رمال الصحراء.



«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
TT

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

حظي مسلسل «رقم سري»، الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق، بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط إشادة بسرعة إيقاع العمل وتصاعد الأحداث رغم حلقاته الثلاثين.

ويُعرض المسلسل حالياً عبر قناتي «dmc» و«dmc drama» المصريتين، إلى جانب منصة «Watch IT» من السبت إلى الأربعاء من كل أسبوع، وهو من إخراج محمود عبد التواب، وتأليف محمد سليمان عبد الملك، وبطولة ياسمين رئيس، وصدقي صخر، وعمرو وهبة، وأحمد الرافعي.

ويعد «رقم سري» بمنزلة الجزء الثاني من مسلسل «صوت وصورة» الذي عُرض العام الماضي بطولة حنان مطاوع، للمخرج والمؤلف نفسيهما. وينسج الجزء الجديد على منوال الجزء الأول نفسه من حيث كشف الوجه الآخر «المخيف» للتكنولوجيا، لا سيما تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن تورط الأبرياء في جرائم تبدو مكتملة الأركان.

السيناريو تميز بسرعة الإيقاع (الشركة المنتجة)

وتقوم الحبكة الأساسية للجزء الجديد على قصة موظفة بأحد البنوك تتسم بالذكاء والطموح والجمال على نحو يثير حقد زميلاتها، لا سيما حين تصل إلى منصب نائب رئيس البنك. تجد تلك الموظفة نفسها فجأة ومن دون مقدمات في مأزق لم يكن بالحسبان حين توكل إليها مهمة تحويل مبلغ من حساب فنان شهير إلى حساب آخر.

ويتعرض «السيستم» بالبنك إلى عطل طارئ فيوقّع الفنان للموظفة في المكان المخصص بأوراق التحويل وينصرف تاركاً إياها لتكمل بقية الإجراءات لاحقاً. يُفاجَأ الجميع فيما بعد أنه تم تحويل مبلغ يقدر بمليون دولار من حساب الفنان، وهو أكبر بكثير مما وقع عليه وأراد تحويله، لتجد الموظفة نفسها عالقة في خضم عملية احتيال معقدة وغير مسبوقة.

وعَدّ الناقد الفني والأستاذ بأكاديمية الفنون د. خالد عاشور السيناريو أحد الأسباب الرئيسية وراء تميز العمل «حيث جاء البناءان الدرامي والتصاعدي غاية في الإيجاز الخاطف دون اللجوء إلى الإطالة غير المبررة أو الثرثرة الفارغة، فما يقال في كلمة لا يقال في صفحة».

بطولة نسائية لافتة لياسمين رئيس (الشركة المنتجة)

وقال عاشور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المخرج محمود عبد التواب نجح في أن ينفخ الروح في السيناريو من خلال كاميرا رشيقة تجعل المشاهد مشدوداً للأحداث دون ملل أو تشتت، كما أن مقدمة كل حلقة جاءت بمثابة جرعة تشويقية تمزج بين ما مضى من أحداث وما هو قادم منها في بناء دائري رائع».

وأشادت تعليقات على منصات التواصل بالمسلسل باعتباره «تتويجاً لظاهرة متنامية في الدراما المصرية مؤخراً وهي البطولات النسائية التي كان آخرها مسلسل (برغم القانون) لإيمان العاصي، و(لحظة غضب) لصبا مبارك؛ وقد سبق (رقم سري) العديد من الأعمال اللافتة في هذا السياق مثل (نعمة الأفوكاتو) لمي عمر، و(فراولة) لنيللي كريم، و(صيد العقارب) لغادة عبد الرازق، و(بـ100 راجل) لسمية الخشاب».

إشادة بتجسيد صدقي صخر لشخصية المحامي (الشركة المنتجة)

وهو ما يعلق عليه عاشور، قائلاً: «ياسمين رئيس قدمت بطولة نسائية لافتة بالفعل، لكن البطولة في العمل لم تكن مطلقة لها أو فردية، بل جماعية وتشهد مساحة جيدة من التأثير لعدد من الممثلين الذين لعبوا أدوارهم بفهم ونضج»، موضحاً أن «الفنان صدقي صخر أبدع في دور المحامي (لطفي عبود)، وهو ما تكرر مع الفنانة نادين في شخصية (ندى عشماوي)، وكذلك محمد عبده في دور موظف البنك».