مقاطعة متبادلة فلسطينية ـ إسرائيلية للخضراوات والمنتجات الحيوانية

الاقتصاد الفلسطيني يواجه خسارة 260 ألف دولار يومياً

مزارعان فلسطينيان في مصنع حليب أبقار في قرية دير البلح بقطاع غزة (رويترز)
مزارعان فلسطينيان في مصنع حليب أبقار في قرية دير البلح بقطاع غزة (رويترز)
TT
20

مقاطعة متبادلة فلسطينية ـ إسرائيلية للخضراوات والمنتجات الحيوانية

مزارعان فلسطينيان في مصنع حليب أبقار في قرية دير البلح بقطاع غزة (رويترز)
مزارعان فلسطينيان في مصنع حليب أبقار في قرية دير البلح بقطاع غزة (رويترز)

في خطوة يخشى مسؤولون أمنيون أن تساعد على تدهور الأوضاع انتقلت المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية إلى ميدان المنتجات الحيوانية والزراعية، بعدما منعت السلطة الفلسطينية استيراد الخراف عبر تجار إسرائيليين، وردت إسرائيل بمنع استيراد الخضراوات والفواكه الفلسطينية، ما أدى إلى تهديدات متبادلة بين الطرفين.
وقالت وزارة الزراعة الفلسطينية، إنها سترد بالمثل في حال دخل القرار الإسرائيلي بمنع إدخال الخضراوات والفواكه من السوق الفلسطينية إلى أسواق الخط الأخضر حيز التنفيذ. وأكد وكيل وزارة الزراعة عبد الله لحلوح أن «الحكومة سترد بالمثل في حال اتخذوا قرارا رسميا».
ولم تبلغ الحكومة الفلسطينية بقرار إسرائيلي رسمي لكنّ جنودا على حواجز تجارية في الضفة منعوا أمس شحنات خضراوات وفواكه من دخول إسرائيل.
وقال وزير الزراعة الإسرائيلي، أوري أرئيل، إنه قرر فعلا وقف شراء المنتجات الزراعية من الضفة الغربية وإدخالها إلى السوق الإسرائيلية، بعدما اكتشف أن «السلطة الفلسطينية تنتهك الاتفاقات الموقعة بين الطرفين فيما يخص التبادل الزراعي». وأضاف أنه توصل إلى قراره بعد أن توجّه إلى وحدة تنسيق نشاطات الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية وتأكد أن السلطة قررت وقف شراء الخراف من الجانب الإسرائيلي. وتابع: «لن نسمح للسلطة الفلسطينية وللرئيس الفلسطيني بأن يستغل المزارعين الإسرائيليين». وأردف «نقلنا رسالة إلى الجانب الفلسطيني، قلنا له إذا تراجع عن قرار منع شراء الخراف من الجانب الإسرائيلي خلال 48 ساعة، فسوف نتراجع».
ورفض أرئيل في حوار مع الإذاعة العسكرية الاتهامات بأنه قرّر وقف شراء الخضراوات والفاكهة من الضفة بهدف معاقبة الجانب الفلسطيني وبصورة أحادية الجانب.
ولا يعرف إذا ما كانت السلطة ستتراجع عن قراراها بشأن استيراد الخراف.
وقالت وزارة الزراعة الفلسطينية إنها تعمل وبشكل حثيث على حماية المنتج الزراعي النباتي والحيواني لتمكين المزارع وتعزيز صموده، موضحة «أنه في ظل انخفاض أسعار بيع الخراف الحية في السوق الفلسطينية نتيجة مضاربات التجار الإسرائيليين الموردين للسوق الفلسطينية للخراف المستوردة من بعض الدول، اتخذت الوزارة قراراً بمنع إدخال الخراف المستوردة عبر مستوردين إسرائيليين».
وينذر القرار الإسرائيلي الجديد بخلق أزمة محتملة في قطاع الزراعة الفلسطيني. وبحسب تقديرات إسرائيلية فإن المزارعين الفلسطينيين يرسلون 200 - 300 طن من منتجاتهم يوميا لإسرائيل، ما سيكلف الاقتصاد الفلسطيني الذي يواجه أزمة خانقة مليون شيكل ( 260 ألف دولار) يوميا.
واتخذ أرئيل قراره من دون التشاور مع هيئات حكومية أخرى أو مع مسؤولين أمنيين، ما يعني أنها قد لا تكون خطوة نهائية. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن قرار أرئيل لقي معارضة من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقد يرفضه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وقال مسؤولون أمنيون لشبكة «حداشوت» الإخبارية، إنهم يخشون من أن يؤدي المزيد من الضغط على الاقتصاد الفلسطيني إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك التصعيد في العنف ضد الإسرائيليين. وأضافوا «الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع حضت الوزير من (البيت اليهودي) على انتظار أن تؤتي المحادثات بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين بثمارها، لكن أرئيل رفض الانتظار».
وقال مسؤول أمني: «هذا قرار غير مسؤول وشعبوي ينبع من اعتبارات سياسية بحتة، ويأتي على حساب السلامة العامة، بما في ذلك سلامة المستوطنين». ورد أرئيل على منتقديه في إسرائيل «لن أسمح بأي خرق من جانب واحد للاتفاقيات. كل خرق سيُقابل برد عنيف».
وشهدت الضفة الغربية الأسبوع الماضي تصعيدا غير مسبوق منذ سنوات شهد عمليات قتل جنود ومستوطنين واغتيال فلسطينيين ما أثار مخاوف حقيقية من تدهور كبير في المنطقة. وتريد أجهزة الأمن الإسرائيلية السيطرة على الموجة الأخيرة بطريقة لا تتصاعد معها الأحداث.
وحدثت عدة لقاءات فلسطينية إسرائيلية من أجل احتواء التصعيد، أحدها بين وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ ورئيس «الشاباك» الإسرائيلي نداف أرغمان. وطلب الشيخ وقف التحريض الإسرائيلي ضد الرئيس محمود عباس ولجم المستوطنين والتوقف عن اقتحام المدن وهدم البيوت. وقال إنه نقل رسالة لإسرائيل حول أن الاتفاقيات أصبحت على المحك إذا واصلت إسرائيل على هذا النهج.
وأكد الشيخ أن الأردنيين والمصريين لعبوا دوراً مميزاً ومهماً في الضغط على حكومة الاحتلال لوقف كل إجراءاتها، معرباً عن أمله بأن تكلل كل تلك الجهود بوقف التصعيد على الأرض.



في الفاشر السودانية المحاصَرة... إسعافات أولية بمواد بدائية ونباتات طبية

لاجئة سودانية تحمل ابنها خلال مغادرتهما السفينة «يو إس إن إس برونزويك» في ميناء جدة (أ.ب)
لاجئة سودانية تحمل ابنها خلال مغادرتهما السفينة «يو إس إن إس برونزويك» في ميناء جدة (أ.ب)
TT
20

في الفاشر السودانية المحاصَرة... إسعافات أولية بمواد بدائية ونباتات طبية

لاجئة سودانية تحمل ابنها خلال مغادرتهما السفينة «يو إس إن إس برونزويك» في ميناء جدة (أ.ب)
لاجئة سودانية تحمل ابنها خلال مغادرتهما السفينة «يو إس إن إس برونزويك» في ميناء جدة (أ.ب)

يُعد محمد (8 أعوام) من المحظوظين في مدينة الفاشر الواقعة غرب السودان، رغم أنّ ذراعه التي تحتوي على شظايا قد عولجت بقطعة قماش لا تزال تلفّها، وذلك في ظل معاناة جرحى حرب آخرين من إصابات أكثر خطورة تصعب معالجتها، نظراً إلى الحصار الذي تشهده المدينة وشحّ المعدّات الطبية فيها.

الأسبوع الماضي، شنّت «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً ضد الجيش منذ عامين، هجوماً دامياً على عاصمة شمال دارفور ومحيطها، حيث انهار النظام الصحي أيضاً. وقد أدّت الهجمات المتكرّرة التي شنّتها «قوات الدعم السريع» على العاصمة الإقليمية لمنطقة دارفور الشاسعة، إلى جعل أي تحرّك للمدنيين محفوفاً بالمخاطر. فضلاً عن ذلك، تعرّضت جميع المرافق الصحية فيها لقصف أو لهجوم.

طائرة متضررة تظهر في مطار الخرطوم الدولي بعد استعادتها من «قوات الدعم السريع»... (أ.ب)
طائرة متضررة تظهر في مطار الخرطوم الدولي بعد استعادتها من «قوات الدعم السريع»... (أ.ب)

ويقول عيسى سعيد (27 عاماً)، والد محمد، لوكالة الصحافة الفرنسية، في اتصال عبر الأقمار الاصطناعية (ستارلينك)، في ظل انقطاع الاتصالات في المنطقة بشكل كامل، «بمساعدة جارتنا التي كانت سابقاً تعمل في مجال التمريض، أوقفنا النزيف، لكن اليد فيها تورّم، ولا ينام (محمد) ليلاً من الألم».

وكما هو حال سكان آخرين في مدينة الفاشر المحاصَرة من «قوات الدعم السريع» منذ مايو (أيار) 2024، فإنّ عيسى لا يمكنه نقل ابنه إلى غرفة الطوارئ في أي مستشفى،. وفي سياق متصل، يقول محمد، وهو منسّق مساعدات إنسانية نزح إلى الفاشر هذا الأسبوع، إنّ مئات الجرحى يجدون أنفسهم محاصَرين حالياً في المدينة.

نباتات طبية للعلاج

كان محمد هو نفسه قد أُصيب في فخذه خلال الهجوم الدامي الذي نفَّذته «قوات الدعم السريع» على مخيم «زمزم» للنازحين الواقع على بُعد 15 كيلومتراً جنوب الفاشر. ويضيف محمد، الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، إنّ «الناس فاتحون بيوتهم، وكلّ الناس يتلقّون العلاج بشكل خصوصي في البيوت».

وحسب مصادر إنسانية، فإنّ مئات آلاف الأشخاص فرّوا من مخيّم «زمزم» الذي أعلنت الأمم المتحدة أنّه يعاني من مجاعة، وذلك للجوء إلى مدينة الفاشر.

وفي الفاشر، يحاول الناس تقديم الإسعافات الأولية وعلاج الحروق أو الجروح الناجمة عن الرصاص وشظايا القذائف، بالاعتماد على مواد بدائية للإسعافات الأولية وباستخدام نباتات طبية.

ويروي محمد أبكر (29 عاماً) أنه كان يحاول إحضار الماء لأسرته عندما أُصيب بطلق ناري في رجله. ويقول: «حملني جيراني إلى داخل المنزل واستدعوا جارنا الذي لديه خبرة في معالجة الكسور بالجبيرة، وهو نوع من العلاج الشعبي... باستخدام أخشاب وقطع قماش». ويضيف: «المشكلة أنّه حتى لو عولج الكسر، فإن الرصاصة لا تزال في رجلي».

وبينما أصبح وجود المعدّات الصحية محدوداً للغاية في المدينة، يشير محمد إلى أنّه لو كان هناك مال لكان من «الممكن إرسال مَن يشتري شاشاً أو مسكّناً، هذا إن كان موجوداً ولكن بشكل عام لا توجد مستلزمات، يتم العلاج بما هو موجود».

الملح كمطهّر

أسفرت الهجمات الأخيرة التي شنّتها «قوات الدعم السريع» على مدينة الفاشر ومخيّمات النازحين المحيطة بها، عن مقتل أكثر من 400 شخص، حسبما أفادت الأمم المتحدة يوم الاثنين. وفي السياق، تزداد التحذيرات من مخاطر مثل هذه العملية في منطقة الفاشر، حيث يجد 825 ألف طفل على الأقل أنفسهم محاصرين في «جحيم»، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). ويمكن لأي هجوم واسع النطاق قد تشنّه «قوات الدعم السريع» التي تحاصر المدينة، أن يترك آثاراً تدميرية عليها.

تفاقم الوضع الإنساني في الفاشر إلى حد كارثي (أرشيفية - الشرق الأوسط)
تفاقم الوضع الإنساني في الفاشر إلى حد كارثي (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وبعد 11 شهراً من الحصار وعامين من الحرب، بنى كثير من سكان الفاشر ملاجئ مرتجلة، وكثيراً ما حفروا على عجل حفراً غطّوها بأكياس رمل لحماية أنفسهم من القصف. ولكن لا يتمكّن الجميع من الوصول إلى الأمان في الوقت المناسب.

الأربعاء، سقطت قذيفة على منزل هناء حماد، مما أدى إلى إصابة زوجها في بطنه. وتقول المرأة البالغة 34 عاماً، لوكالة الصحافة الفرنسية: «حاولنا بمساعدة جارنا وقف النزيف ومعالجة الجرح باستخدام ملح الطعام كمطهّر». لكنّها تضيف «في الصباح التالي، توفِّي».

ومن جانبه، يناشد محمد الذي يجد نفسه طريح الفراش، «التدخّل العاجل من كل من يستطيع إنقاذ الناس».

والجمعة، دعت منظمة «أطباء بلا حدود» إلى إرسال مساعدات إنسانية. وقال رئيس البعثة راسماني كابوري: «رغم إغلاق الطرق المؤدية إلى الفاشر، يجب إطلاق عمليات جوية لإيصال الغذاء والدواء إلى مليون شخص محاصَرين هناك ويعانون الجوع».