باحث فرنسي يتوقع صداماً مدمراً بين أميركا والصين

صراع القوتين العظميين تجارياً واقتصادياً وتكنولوجياً

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ
TT

باحث فرنسي يتوقع صداماً مدمراً بين أميركا والصين

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ

يكشف هذا الكتاب السراديب السرية في العلاقات بين الصين وأميركا، خاصة الصراع التجاري والاقتصادي المحموم بن البلدين العظميين، والذي بدأ يفرض نفسه بقوة على المجتمع الدولي، لافتاً إلى أنه في حالة عدم الوصول لتوافق بينهما من المكن أن يتسبب هذا الصراع في نشوب حرب عالمية ثالثة.
الكتاب صدر حديثاً بالمكتبات الفرنسية بعنوان «دونالد ترمب وشي جينبينغ: المتدربان السحرة» عن دار النشر «أوبسرفاتوار أوب ديب»، ويقع في 256 صفحة من القطع المتوسط.
يرسم الكتاب خيوط الصراع بين الدولتين، على هذا النحو: من جانب، نرى الرئيس الأميركي دونالد ترمب يقضي ساعات طويلة أمام التلفزيون أو «تويتر»، ثم يفاجئنا بقرارات صادمة إلى حدٍ كبير تلقي بظلالها على جزء ليس بقليل من العالم كون بلاده تمثل قوة عالمية كبيرة أو القوة الأكبر، ومن ثم يجب عليها أن تقف أمام مسؤوليتها لتمثل عامل استقرار دولي وليس العكس.
وفي المقابل على الجانب الآخر، يسعى الرئيس الصيني هو الآخر، كما يرى المؤلف، نحو تعديل دستور بلاده ليتمكن من الاحتفاظ بالسلطة مدى الحياة، ويسعى كذلك نحو عسكرة الجزر غير المأهولة للمطالبة بالسيادة عليها، قامعاً كل معارضة له قد تسعى لإعاقته إصلاحاته.
وفى الواقع، فإن هذا الكتاب يكتسب أهمية خاصة ليس فقط لأهمية وحساسية الموضوع الذي يتناوله وانعكاساته الدولية الخطيرة، ولكن أيضاً لأن مؤلف الكتاب الدكتور كريستيان سانت إتيان خبير في الاقتصاد الصناعي ورئيس معهد فرنسا الاستراتيجي، كما يعمل أستاذاً للاقتصاد الصناعي بالمعهد القومي للفنون والحرف، هذا بالإضافة إلى عمله كخبير لدى صندوق النقد الدولي وأيضاً منظمة التنمية والتعاون الاقتصادية، علاوة على مقالاته وكتبه الكثيرة في مجال الاقتصاد الصناعي.
ويؤكد إتيان على حالة أخرى، وهي ما يسميه «غرام» الدولتين العظميين بالقوة، ومن ثم سعيهما نحو فرض أنفسهم كقوة اقتصادية وجيوستراتيجية أولى في العالم، الأمر الذي ترتب عليه دخولهما في دائرة تصعيد من التصريحات، وكذلك التصرفات التي يمكن لها أن تقود العالم نحو صراع خطير من شأنه أن يزعزع استقرار العلاقات الدولية المتذبذبة من الأساس إلى حدٍ كبيرٍ منذ الحرب الباردة.
يقول في هذا السياق: «نحن، نتيجة ذلك، أمام حالة من عدم التوازن التي يدفعنا التاريخ دفعاً نحو تناولها بالتحليل الدقيق: لأننا نتجه نحو صراع عالمي جديد في الوقت الذي يسيطر فيه الضعف والعجز على أوروبا جراء حالة عدم النظام التي تشهدها».
ويلفت المؤلف إلى أن الحرب التجارية بين القوتين الغريمتين الصين والولايات المتحدة الأميركية لم تبدأ إلا في السادس من يوليو (تموز) 2018، عندما سعى الجانبان نحو فرض حقوق جمركية بالتبادل بمقدار 25 في المائة على واردات الصلب و10 في المائة على واردات الألمنيوم. وقد طبقت هذه الضرائب على قاعدة واردات بقيمة 50 مليار دولار في أغسطس (آب) 2018، ثم بلغت القيمة الإجمالية عن شهر سبتمبر (أيلول) من نفس العام مبلغاً يقدر بـ200 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات أخرى تستهدف التدفقات التجارية لكلتا القوتين، وهي تدفقات ما زالت مرتفعة رغم التدابير التي يتخذها الجانبان. وينذر الأمر بفرض ضرائب أميركية كبيرة تؤجج من شأنها الوضع المتأزم بين القوتين العظميين.
وهنا يبين الباحث بالأرقام مدى تقدم وتطور الاحتكارين الصيني والأميركي اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً، فقد استقر صافي الناتج المحلي لقيمة البضائع الأميركية والصينية لعام 2018 عند نسبة 40 في المائة من صافي إجمالي الناتج العالمي بواقع 24.5 في المائة لأميركا و15.5 في المائة للصين، كما يبلغ إجمالي نفقاتهم العسكرية 55 في المائة من إجمالي النفقات العسكرية العالمية، ويسيطران كذلك على العالم الرقمي بشكل تام وكامل بين ذكاء اصطناعي وتكنولوجيا متقدمة.
وفيما يخص النقطة الأخيرة، تتنافس القوتان الأميركية والصينية مالياً عبر الإنترنت وكذلك التليفونات الذكية، وهو المجال الذي أحرزت فيه الصين تقدماً ملحوظاً، هذا بالإضافة إلى ما تم إحرازه من نجاحات في مجال الذكاء الاصطناعي، كما تتنافس القوتان كذلك في مجال السوق الرقمية في القارة الأوروبية الذي نجحت الصين في احتلال جزء منه خاصة في الجيلين الرابع والخامس. أيضا أصبح مجال الفضاء يمثل مجالاً رحباً للتنافس بين القوتين، حيث يسعى ترمب نحو الاحتفاظ بالفضاء الأميركي الذي تسعى الصين من جانبها نحو احتلاله بما تملكه من تكنولوجيا متطورة في هذا المجال.
إن الأرقام سالفة الذكر تؤكد على دخول القوتين العظميين في صراع كلاسيكي من أجل الزعامة، مثلما كان الحال في السابق بين ألمانيا والمملكة المتحدة بعد الإخفاق الفرنسي عام 1870 وكذلك بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية في الفترة من 1945 حتى عام 1991، أي أننا أمام صراع زعامة من أجل تأكيد الهيمنة الدولية.
ويرى المؤلف أيضاً أن القوانين الأميركية والصينية تسعيان نحو الهيمنة على القارة الآسيوية والأفريقية وأميركا اللاتينية اقتصادياً وعسكرياً، إذ تفرض كل قوة نفسها باعتبارها القوة الوحيدة في العالم اقتصادياً وتكنولوجياً، هذا في الوقت الذي تظل فيه أوروبا ساحة مغلقة للصراعات الدائرة بين القوتين اليوم اقتصادياً وعسكرياً، وهو وضع يصيب أوروبا بالانزعاج الشديد، خصوصاً أنها لا تبدو قادرة على الاحتفاظ بأهدافها الاستراتيجية وقيمها السياسية التي ينال منها ترمب دائما عبر تغريداته بـ«تويتر».
من ناحية أخرى، يعتقد المؤلف أنه في الوقت الذي تحتاج فيه الولايات المتحدة الأميركية لحلفاء أقوياء، نجدها تسير في الاتجاه المعاكس بتقليم أظافر ما لديها من حلفاء استراتيجيين، إذ تعامل الكنديون والمكسيكيون على أنهم «يعتدون» عليها اقتصادياً، ومن ثم يهددون الأمن القومي الأميركي، كما أن هناك توتراً في العلاقة مع اليابان بشأن حظر واردات النفط الإيراني، هذا بالإضافة إلى ما أعرب عنه ترمب في مناسبات عدة من رغبته بشأن حل وتفكيك الاتحاد الأوروبي، واعتراضه على المادة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلنطي التي تلزم جميع أعضاء الحلف بتقديم الدعم ومساندة أحد الأعضاء حال تعرضه لهجوم.
وأخيراً، يرى البحاث الفرنسي أن هذه المنافسة الضروس بين القوتين الأميركية والصينية بغية الهيمنة على العالم، تهدد بحدوث صراع عسكري مباشر بين القوتين خلال فترة زمنية أقل من خمسة أعوام، كما يتصور. وفيما يتعلق بموقف القارة الأوروبية من هذا الصراع العسكري، فمن المرجح عدم دخولها في الصراع جراء حالة التمزق التي تشهدها القارة العجوز بين شمال وجنوب وشرق وغرب، هذا بالإضافة إلى عدوى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي التي بدأت رحاها في الدوران.


مقالات ذات صلة

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية
TT

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

صدر حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو كتابٌ جديد بعنوان: «العودة إلى متوشالح - معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» للكاتب المسرحي الآيرلندي جورج برنارد شو، وقد نقله إلى العربية المترجم السوري أسامة منزلجي. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة «أوكلاسيك»، (أوكسجين + كلاسيك = أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى «تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف»، وجاء الكتاب في 352 صفحة.

من التقديم:

«نحن هنا أمام كتابٍ يتخذ فيه برنارد شو من المسرحية والحوار والنقد السياسي طريقاً نحو البشرية وهي تعيش إحدى لحظاتها التاريخية الأكثر دماراً، ولنَكُن بعد قراءة الاستهلال حيالَ نظرياتٍ فلسفية وسياسية وأدبية تدفعنا للتفكير في طريقة تفاعلنا مع العالم وقد أمسى نموذج الحضارة على المحك، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، فلا محيد عن الكوارث التي يُلحقها الإنسان بنفسه وبالطبيعة. فما الذي يحتاج إليه ليصبح أكثر نضجاً وحكمةً؟ يفترض شو أن ثلاثة قرون أو أكثر من عمر الإنسان كفيلة بأن تجعله يبلغ كماله العقلي في مسار تطوّرهِ وتحقيقه غايات وجوده السامية، فهل الامتداد الأفقي للزمن يحقق ذلك؟ من أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ هذا ما يقدمه لنا كتاب (العودة إلى متوشالح) كونه كتاباً يتحدّى الفناء! منطلقُه الأزل ومنتهاه الأبد. يبدأ من آدم وحواء في جنة عدن، وينتهي في عام 31920 ميلادي وقد أمسى بمقدور الإنسان العيش لما يتجاوز الثلاثمائة عام، وصولاً إلى ولادته من بيضة! إنه كتاب عصيٌّ على التصنيف، له أن يجسد تماماً ماهية (الخيال العلمي)، بوصف الخيال مع جورج برنارد شو (1856 - 1950)، يستدعي العلم والفلسفة والفكر بحق، مقدّماً هجائية كبرى لداروين والانتقاء الظرفي، مفضلاً تسميته الانتقاء التصادفي، فإذا استطعنا أن نُثبت أنَّ الكون بأكمله خُلِقَ عبر ذلك الانتقاء، فلن يطيق عيش الحياة إلّا الأغبياء والأوغاد.

يتخذ الكتاب معبره إلى الخيال من حقيقة أن البشر لا يعيشون مدةً كافية، وعندما يموتون يكونون مجرد أطفال، واجداً في لامارك والنشوء الخلّاق سنده، لنكون حيال عملٍ خالدٍ، لا هو مسرحية ولا رواية، بل مزيج بينهما، مسرحية تُقرأ ولا تُجسّد، ورواية يتسيّدها الحوار...

حملت المسرحيات الخمس العناوين التالية: (في البدء)، و(مزمور الأخوان بارناباس)، و(الأمر يحدث)، و(مأساة رجل عجوز)، و(أقصى حدود الفكرة)، وعبر حوارات عميقة حول مكانة العلم والتطور والفن والإبداع يسافر بنا برنارد شو عبر الأزمنة ليناقش الأفكار التي يطرحها أبطاله منذ آدم وحواء مروراً بالزمن الحاضر، ومضيّاً نحو المستقبل البعيد وقد وصلت البشرية إلى ذروتها، وتخلَّص الناس من الحب والجنس والعاطفة، وأصبحوا كائنات منطقية خالصة! لكن عبقرية برنارد شو في هذا الكتاب تكمن في تعامله مع فكرة الخلود، بحيوية وسخرية، مستكشفاً العواقب النفسية لطبيعة العقل البشري الذي يحتاج إليه الإنسان ليعيش ألف عام ويحكم نفسه بنفسه، ويتخلّص من الصراع والحروب والآفات التي تبدأ به وتنتهي بإفنائه»

جورج برنارد شو، كم هو معروف، كاتب مسرحي وروائي ومفكّر وناشط سياسي آيرلندي، وُلد في دبلن عام 1856 وتوفي عام 1950. عُرف بآرائه الساخرة المثيرة للجدل، ونزوعه التقدمي والرؤيوي، واشتراكيته الفابية. ألّف 5 روايات، و60 مسرحية، ضمّنها أفكاره ومقارباته السياسية والتاريخية والفلسفية، عدا عن مئات المقالات والمقدمات الفكرية لأعماله. من مسرحياته: «السلاح والإنسان»، 1894، و«الإنسان والسوبرمان»، 1903، و«بجماليون»، 1913. حين فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1925 رفضها، قائلاً: «أستطيع أن أسامح نوبل على اختراعه الديناميت، لكنْ وحده شيطان بهيئة إنسان من كان بمقدوره اختراع جائزة نوبل»، لكنه عاد وقبل الجائزة بشرط ألا يتلقى قيمتها المالية.

أما أسامة منزلجي فهو مترجم سوري له كثير من الترجمات مثل رواية «ربيع أسود»، 1980، و«مدار السرطان» و«مدار الجدي» وثلاثية «الصلب الوردي»، لهنري ميللر، و«أهالي دبلن» لجيمس جويس، و«غاتسبي العظيم» و«الليل رقيق» و«هذا الجانب من الجنة» لسكوت فيتزجيرالد، ومسرحيات وروايات لتينسي وليامز وبول أوستر وفيليب روث وتيري إيغلتون وآلي سميث وإريكا يونغ.