معرض «كبريت» لسامي بصبوص... فن الذاكرة على الورق

يحوّل فيه ملصقات شوارع بيروت ومبانيها إلى لوحات رسم

لوحة لسامي بصبوص التقطها عن ملصق في أحد شوارع برج حمود  -  «مسارات رجال» لوحة أخرى لسامي بصبوص في معرضه «كبريت»
لوحة لسامي بصبوص التقطها عن ملصق في أحد شوارع برج حمود - «مسارات رجال» لوحة أخرى لسامي بصبوص في معرضه «كبريت»
TT

معرض «كبريت» لسامي بصبوص... فن الذاكرة على الورق

لوحة لسامي بصبوص التقطها عن ملصق في أحد شوارع برج حمود  -  «مسارات رجال» لوحة أخرى لسامي بصبوص في معرضه «كبريت»
لوحة لسامي بصبوص التقطها عن ملصق في أحد شوارع برج حمود - «مسارات رجال» لوحة أخرى لسامي بصبوص في معرضه «كبريت»

غنية شوارع بيروت ومبانيها بملصقات إعلانية تغطي حيطانها، تحاول الترويج لمنتجات مختلفة، وإذا ما تجولت في الطرقات فسيلفتك بوستر لفيلم سينمائي، ولأدوات إلكترونية، وصور لفقيد ولشهيد، وأخرى لإعلان عن عرض مسرحي، وحفل غنائي، ومنزل للإيجار، وما هنالك من إعلانات تجارية، يتكدّس أحياناً بعضها فوق بعض؛ لأنّ أصحابها لا يكلفون أنفسهم عناء إزالة القديم منها. وعادة ما نشاهد هذه الملصقات التجارية في أماكن شعبية تكتظّ بمبانٍ قديمة، وتشقها طرقات ضيقة، فالأحياء الراقية لا يُسمح فيها بهذا النّوع من الإعلانات للحفاظ على رونقها العام.
وتشكل هذه الملصقات مصدر تسلية للبعض، ووسيلة إعلامية لا تشبه غيرها لآخرين. ولكن مع الفنان التشكيلي سامي بصبوص تتحول إلى لوحات رسم بعد أن تمر بمراحل مختلفة.
وفي معرض «كبريت» الذي يستمر حتى نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في مقهى «مدام إم» في شارع الجميزة البيروتي العريق، يعرض بصبوص نحو 30 لوحة من هذا النّوع بعد أن أعاد إحياءها بأسلوب فني جديد.
«لطالما لفتتني هذه الملصقات التي برأيي تحمل في طياتها ذاكرة شارع أو مبنى معين». يقول سامي بصبوص في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «وعندما دقّقت فيها وجدتها بمثابة تاريخ يحكي قصصاً منوعة عن كل حي في بيروت. وبسكين صغير وأدوات أخرى رحت أكتشف ما وراء تلك الإعلانات المكدسة، وصولاً إلى الجدار الذي يحملها. فهي بنظري بمثابة أزياء ترتديها شوارعنا، وتحت كلّ منها زي تختلف طبيعته عن الآخر بفعل الوقت، ومع تجدّد الإعلانات يوميا. وعلى الرّغم من كل الأخبار التي تحملها الإعلانات، نصطدم معها بجدار صامت لا يزال يفصل بيننا. من هنا قرّرت أن أنقل هذه الملصقات لأجعل منها لوحات فنية، بحيث أُخرج شوارع بيروت إلى النور، ومن ثم إلى الغاليري والمنزل».
تمرّ أعمال سامي بصبوص الذي عاش فترة طويلة خارج البلاد بعدة مراحل قبل أن تتحول إلى لوحة مرسومة، فهو يُحدد معالمها بالسكين ويُظهر جماليتها أو قبحها، ومن ثَم يلتقط لها صورة فوتوغرافية ويطبعها على ورق خاص ليرسم عليها فيما بعد فكرة يستوحيها من عناصرها.
«أرسم على تلك الملصقات ما يخطر على بالي من أفكار، بعد أن تمدّني بها بشكل غير مباشر. فأحياناً تتألق برسم امرأة جميلة أو بطل رياضة أو كركبة شارع وما إلى هنالك من مواضيع أتخيّلها من منظاري الخاص». يوضح سامي بصبوص الذي يؤكد أنّه الوحيد في بيروت الذي يقوم بهذا النوع من الفنون. فهو أقام معارض رسم خارج لبنان، في أستراليا ولندن وكندا وباريس وغيرها من المدن التي عاش فيها؛ ولكنّها كانت تختلف تماماً عمّا يقدمه اليوم في بيروت. «حنين دائم كان يتملكني لبيروت أثناء وجودي لفترات طويلة بعيداً عنها. وفي هذه الملصقات شعرت كأنّني ألتقط لحظات هربت مني، فبحثت عنها بعيني الثاقبة وتشبثت بها كي لا أفوتها مرة أخرى وحولتها إلى لوحات فنية».
لوحات زيتية مطعمة بمواد خارجة عن المألوف يستعملها سامي بصبوص في أعماله، فمرة يلونها برماد سيجارة، ومرة أخرى بنشر خشب وعود كبريت أو خليط ألوان مائية. «الغاية تبرر الوسيلة، والمواد التي أستعملها تنبع من ذاكرتي وعلاقتها باللحظة».
في لوحة «كروز 1999» ينقلنا الفنان اللبناني إلى ملصق في أحد شوارع منطقة النبعة يحمل صورة رجل جذاب على خلفية قاتمة. وفي لوحة «لندني في بيروت» يأخذنا إلى مشهد جدار أصفر يذكره بمعلم سفارة في لندن التقط صورته في أحد شوارع المنارة. أمّا في لوحة au bout du film»» التي لفتته معالمها في شارع بمنطقة برج حمود، فنشاهد كلمات مكتوبة بالأرمنية لملصقات وجدها على جدار صالة سينما مقفلة منذ سنين طويلة فنفخ فيها الحياة، من خلال رسم لامرأة جميلة.
«تفاجأت عندما ترجم لي أحدهم هذه الكلمات وأكّد لي بأنّها تحكي عن فيلم لممثلة قديمة، وكأن ريشتي فهمتها قبلي ورسمت صورة نجمة سينما».
أمّا لماذا أَطلق على معرضه اسم «كبريت»؟ فيرد: «لأنّنا عندما نكون في العتمة نحمل لا شعورياً عود كبريت لنضيء به المكان، ومهما بلغت الأضواء من قوة ففي ظلّ العتمة نركن بشكل تلقائي إلى نور عود كبريت، فنستأنس به على الرّغم من حجم ضوئه الخجول. وفي معرضي أضيء حكايات من بيروت غمرتها الظلمة».



من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
TT

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)

وسط ازدياد أعداد الوافدين إلى مقرّ «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» بنسخته الثانية في العاصمة السعودية، بتنظيم من «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر»، في منطقة «كوب 16» بالرياض، رصدت «الشرق الأوسط» جوانب لافتة حول تصميم مقرّ المعرض وإنشائه.

بدخول الزوّار المنطقة المركزية، يجدون أنفسهم في قلب الحدث. وكشف «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر»، لـ«الشرق الأوسط» عن أنّ المعرض يقدّم رؤيته للمستقبل المستدام من خلال مجموعة متنوّعة من الأنشطة والجلسات ومناطق الجذب؛ فتمثّل المنطقة المركزية قلبَه، إذ تُشكِّل نقطة الانطلاق والتواصل مع المناطق الأربع المحيطة، مما يسمح للزوار بالتعرُّف إلى كيفية تضافر الجهود المختلفة لتحقيق الاستدامة.

جانب من التقنيات ضمن المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

قلب النبتة وبتلاتها

وتُمثّل المنطقة المركزية في المعرض «قلب النبتة»؛ وهي المحور الرئيس الذي يمدُّ جميع المناطق المحيطة بالأفكار والموارد اللازمة. تحتوي هذه المنطقة على المعرض وجناح المركز، حيث تُعرض الرؤية الشاملة لمستقبل مستدامٍ ومكافحة التصحّر.

ولاحظت «الشرق الأوسط» خلال جولتها في أجنحة المعرض، انقسامه إلى 4 مناطق تُمثّل «بتلات النبتة»، إذ تجسِّد كل منطقة شريكاً من شركاء المركز في رحلتهم نحو بناء مستقبل مستدام.

استعراض عدد من الأرقام المهمّة (تصوير: تركي العقيلي)

وشرح القائمون على «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير»، تلك المناطق كالآتي:

«صون الطبيعة»؛ وهي مخصّصة لعرض جهود حماية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر، و«واحة التشجير» المُرتكزة على أهمية المشاتل والمتنزهات في تعزيز الغطاء النباتي ودورها في الحفاظ على التنوّع البيولوجي.

شاشات عرض متعدّدة داخل المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

أما الثالثة، «منطقة المستقبل والابتكار»، فتتضمّن عرضاً لأحدث الابتكارات والتقنيات التي تقدّم حلولاً عملية للتحدّيات البيئية، إلى جانب «منطقة النماء المستدام» المُرتكزة على أهم الطرق والأساليب المستدامة لإنماء الطبيعة من خلال بناء شراكات وتوفير فرص استثمارية وجهات داعمة لتنمية الغطاء النباتي.

استدامة من التصميم إلى الإنشاء

وأكد «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر» حرص المعرض على استخدام مواد مستدامة وصديقة للبيئة في جميع جوانب التصميم والإنشاء، بما فيها مناطق الجلوس والديكورات، والأثاث، بهدف تقليل البصمة الكربونية وتعزيز أهمية الاستدامة البيئية.

شاشة تستعرض المتنزهات الجيولوجية (تصوير: تركي العقيلي)

ومن المواد المستخدمة في التصميم والإنشاء، مادة «الإكريليك» المعروفة باسم «البليكسيغلاس» أو «صفائح البليكسيغلاس»، وهي متعدّدة الاستخدامات وصديقة للبيئة ومثالية لمجموعة واسعة من المشروعات. وأوضح المسؤولون أنَّ مَن يبحث عن إنشاء قطعة ديكور منزلية، أو قطعة أثاث مخصّصة، أو ميزة معمارية فريدة، فإنّ صفائح «الإكريليك» توفِّر فوائد عدَّة تجعلها الخيار الأمثل لأي مشروع.

وثانياً «الألمنيوم» الذي يُعدّ من أكثر المعادن الصديقة للبيئة. وثالثاً خشب «شيبورد» وهو لوح حُبيبي أو منتج خشبي هندسي يُضغَط من رقائق الخشب ويُستَخدم على هيئة رقائق خشب مُشكَّلة، أي مُعاد تدويرها. وأوضح المعرض أنه باستخدام هذه الأخشاب، «نعمل على تقليل الطلب على الأخشاب المقطوعة حديثاً، مما يساعد في الحفاظ على الغابات ونُظمها البيئية».

اهتمام من زوّار دوليّين بمشاهدة تقنية سلّة المهملات الذكية (تصوير: تركي العقيلي)

وأخيراً «الدهانات المائية صديقة البيئة»، المتميّزة بأنها طلاءات ذات أساس مائي. ورغم ذلك، فإنّ هذا الأساس المائي ليس كافياً لتكون صديقة للبيئة، فيؤكد المعرض ضرورة تجنُّب استخدام المركّبات العضوية المتطايرة وشبه المتطايرة في الطلاءات لتأثيرها السلبي في الصحة، ولتوفير نوعية ممتازة من الهواء في الأماكن المغلقة.

الشجرة التفاعلية تتحدّث إلى أحد الزوّار (تصوير: تركي العقيلي)

ويقدّم المعرض أيضاً فرصة فريدة لاستعراض جهود «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر» عبر 14 تقنية منتشرة في أرجائه، منها: «تقنية خريطة تأثير المركز» التي تُبرز جهوده عبر تسليط «بروجكتور» على خريطة البلاد لتُقسَّم تلك الجهود إلى 7 قوائم رئيسية؛ وعند اختيار قائمة، تُحدَّد المنطقة وتُعرَض الجهود فيها على شكل جداول.

فمن خلال «هولوغرام» نَظم المعلومات الجغرافية، والاستعراض التفاعلي للمنتزهات الجيولوجية، وشاشة بحجم يتجاوز المترين، تُعرَض جميع بيانات إدارة الفرص والاستثمارات.

جانب من التقنيات الـ14 في المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

وضمن التقنيات، برزت شاشة بحجم 9 أمتار، متخصّصة في إدارة الرصد والحماية، فكشف المركز لـ«الشرق الأوسط» عن رصد الإدارة العامة للرقابة والحماية 2752 مخالفة بيئية خلال عام 2024، مضيفاً أنّ الإدارة العامة للرقابة والحماية تُعنى بالمحافظة على الغطاء النباتي من خلال تسيير دوريات الحماية الخاصة بالمركز وأعمال الرقابة الجوّية باستخدام الطائرات المسيَّرة للمحافظة على سلامة الغطاء النباتي في المتنزهات والغابات والأراضي والمراعي؛ مع نشر أكثر من 600 مراقب بيئي للحدّ من المخالفات وضبط المُخالفين.

عرض ثلاثيّ البُعد (تصوير: تركي العقيلي)

تبرز تقنية «الشجرة التفاعلية» وسط القاعة. فعندما يقترب الزائر، تدبُّ الحياة في الشجرة ويُعرَض وجهٌ عليها لتبدأ بسرد قصتها ممثلةً الأشجار المُعمِّرة في السعودية.

كذلك تتعدّد التقنيات لتشمل غرفة التنوّع النباتي، بالإضافة إلى جولة تفاعلية للمتنزهات الوطنية، عبر «هولوغرام» مع شاشة جانبية تعرض صوراً ثلاثية البُعد لمستقبل هذه المتنزّهات.

من وسائل الرصد والحماية في المركز (تصوير: تركي العقيلي)

ذلك بالإضافة إلى مؤشِّر التنوّع البيئي، وجهاز الرخص والتراخيص، وشاشة خطّ الإنجازات، وسلّة المهملات الذكية، وتقنية الواقع المعزِّز أمام كل شجرة لكشف تفاصيل تتعلّق بها وببيئتها ومواقعها والجهود المبذولة بشأنها.

وأخيراً مُساعد الذكاء الاصطناعي الذي يتفاعل مع الزوّار بطرح الأسئلة والتحدُّث معهم حول موضوعات التصحُّر والتشجير في السعودية.