متغيرات البعد الثقافي في علاقة مصر مع أفريقيا

شكّل معياراً لنقاط الضعف والقوة

متغيرات البعد الثقافي في علاقة مصر مع أفريقيا
TT

متغيرات البعد الثقافي في علاقة مصر مع أفريقيا

متغيرات البعد الثقافي في علاقة مصر مع أفريقيا

يسعى الباحث المصري الدكتور أحمد عجاج، في كتابه «سياسات مصر الثقافية في أفريقيا»، إلى تتبع الدور الثقافي الذي نهض به المصريون في أفريقيا خلال فترات زمنية مختلفة، خصوصاً ما بعد الحرب الباردة، بهدف الوقوف على طبيعته من الناحية النظرية والعملية، واستبيان نقاط الضعف والقوة التي لازمته، منذ بداياته في فترة ما قبل ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، وكذلك تطوره بعد قيام ثورتي 25 يناير (كانون الثاني)2011، و30 يونيو (حزيران) 2013.
ويرصد الباحث في كتابه الذي صدر حديثاً عن هيئة الكتاب المصرية ما طرأ على مسار ذلك البعد الثقافي، والوضع الحالي له، وإمكانية تفعيله في أفريقيا، فهو لا يقل أهمية عن باقي الأبعاد الأخرى للدولة، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية، في وجود مصر الخارجي، وعلاقاتها مع الدول الأفريقية.
وذكر عجاج أن الثقافة في حد ذاتها تمثل أداة غاية في الأهمية والخطورة في العلاقات بين الدول، وهناك إمكانية كبيرة للاستفادة منها على المستوى النظري والعملي لتحقيق مصالح الدول. وقد أثبتت التجارب والأحداث السياسية المتراكمة على الساحة الإقليمية والعالمية مدى أهمية البُعد الثقافي، إلى جانب الأبعاد الأخرى، وما ترتب على إهماله من مخاطر وتهديدات للمصالح المصرية في أفريقيا. ولقد ظهر ذلك واضحاً إثر خوض مصر المنافسة على المنصب الدولي الرفيع (مدير عام «اليونيسكو» عام 2009)، وتجلى أيضاً في قضية بناء سد النهضة الإثيوبي وملحقاته من السدود على نهر النيل، المصدر الرئيسي للحياة في مصر.
وأشار عجاج، في كتابه، إلى أن مصر، من الناحية العملية، تستمد وجودها على الساحة الدولية من كون الثقافة بضاعتها الأساسية. وفي ظل النظام العالمي الجديد، وهيمنة ثورة المعلومات والتكنولوجيا الحديثة، أصبح الاهتمام بالميدان الثقافي ضرورة وغاية، من أجل حماية المجتمع من غزو الثقافات الأخرى، والحفاظ على هوية الدولة، وتحقيق القدرة التنافسية مع الثقافات الأخرى، خصوصاً الثقافة الغربية التي تفسح المجال أمام دول الغرب للوجود على أرض القارة الأفريقية.
ودعا عجاج إلى الاستفادة من السياسة الخارجية الصينية، في توجهها نحو القارة الأفريقية، واعتمادها على البُعد الثقافي، بالتزامن مع الأبعاد الأخرى السياسية والاقتصادية، وذلك من أجل استعادة الدور المصري.
ويطرح المؤلف مجموعة من التساؤلات والفروض، التي حاول الإجابة عنها، ومن أبرزها: ما محددات البُعد الثقافي للدور المصري في أفريقيا؟ وكيف نشأ ونما هناك؟ وما طبيعة البيئة الأفريقية وتحولاتها التي واكبها هذا البُعد على مر تاريخه، علاوة على طبيعة البيئة المصرية التي وُلد فيها وينتمي إليها ويمثلها ويعبر عنها؟ وما العناصر والقدرات والأدوات الثقافية المصرية لمتطلبات هذا البُعد الثقافي؟ وكيف يتم توظيفها لخدمة المصالح المصرية؟ وما التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها؟ وما إمكانية التغلب عليها؟ وما التأثيرات الداخلية والخارجية لهذا البعد في الواقع الراهن المصري والأفريقي والدولي؟ وما أسباب تقدم أو تراجع البعد الثقافي للدور الإقليمي المصري في أفريقيا؟ وكيف يمكن تفعيله والاستفادة منه عملياً في تأمين وتحقيق المصالح المصرية، بالاتساق مع مصالح دول وشعوب أفريقيا؟
وفي سياق الإجابة عن هذه التساؤلات، ينطلق الكتاب من أربعة فروض أساسية، هي: إن قوة الدولة لا تتجزأ، فثمة علاقة طردية قائمة تحكم العلاقة بين الداخل والخارج للدولة، وإن البعد الثقافي المصري في أفريقيا ربما يكون انعكاساً لأوضاع البيئة الداخلية المصرية، وإن إهماله المصري ربما يكون السبب الرئيسي في تراجع الدور الإقليمي المصري على مستوى القارة الأفريقية.
وأشار الكاتب إلى أنه مع نهايات القرن الثامن عشر، كانت الثقافة المصرية تعرف كماً كبيراً ومتنوعاً من المدونات والمؤلفات المكتوبة والروايات الشفهية عن المعاملات التجارية والممارسات السياسية والعسكرية للدولة المصرية مع دول الجوار الأفريقي، التي امتدت حتى سواحل المحيط الأطلنطي غرب القارة، ثم جنوباً حتى مناطق الصحراء وبلاد السودان، بالمعنى الجغرافي والتاريخي.
وفي فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحتى ثورة يوليو، كان أهم المعالم وأكثرها تأثيراً وفاعلية في العلاقات المصرية الأفريقية يتمثل في الميدان الثقافي، من حيث التراكم والتنوع. وقد بدأت المعرفة المصرية بأفريقيا تتوسع، وتعددت وجهات النظر والآراء السياسية تجاه قضايا أفريقيا، وذلك على مستوى النخبة والرأي العام المصري، كما توسعت العلاقات الدينية مع الدائرة العربية الأفريقية والدائرة الإسلامية الأفريقية، من خلال الجامع الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية المصرية، وصاحب هذا النمو نشاط دبلوماسي في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، بشأن القضايا السياسية الأفريقية التي كان أبرزها تصفية الاستعمار الأوروبي.
إلا أن البُعد الثقافي المصري، خلال هذه الفترة، تقلص على الجانب الأفريقي إلى أدنى حد، وذلك مع تقلص الدور الإقليمي المصري.
ومع ثورة يوليو 1952، عملت الحكومة المصرية على استعادة الدور المصري على الساحة الأفريقية، لتؤدي دورها الطبيعي بحكم العناصر التاريخية والجغرافية المشتركة، القائمة على روابط عدة، معتمدة على قدراتها البشرية وثقلها الحضاري والثقافي وقدراتها العسكرية المتميزة.
ومع المتغيرات التي طرأت في التسعينات، بأفول عصر القطبية الثنائية، وانتهاء الحرب الباردة، واجهت مصر أزمة حقيقة، تمثلت في تقلص دورها الإقليمي من جديد، وأصبح موقع الدائرة الأفريقية غير محدد في اهتمامات السياسة الخارجية المصرية في تلك الفترة، في حين تصاعدت أدوار المنافسة الدولية على المستويين الإقليمي والدولي، وفي كل المجالات، مما أدى إلى جمود الحركة المصرية الفاعلة في منطقة حوض النيل والبحر الأحمر، مع الاكتفاء بالحفاظ على الأوضاع القائمة.
وصاحب فترة التسعينات نوع من التكالب الجديد على أفريقيا من قبل القوى الخارجية التقليدية، كفرنسا والمملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى القوى الجديدة التي أخذت في الظهور على الساحة الدولية، مثل الصين التي ارتبط بها هذا التكالب من وجهة نظر بعض الكتابات الغربية، وإيران، وعودة إسرائيل مرة أخرى إلى الساحة الأفريقية بقوة، بالإضافة إلى تركيا، وغيرها من القوى المتطلعة للمنافسة ولعب دور حقيقي في أفريقيا يخدم مصالحها الوطنية، وقد نتج عن كل ذلك تقلص البعد الثقافي المصري وتأثيره الإقليمي.


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.